تمرّ المملكة المتحدة البريطانية بحالة من الفوضى كما أنَّ هناك شعور كبير بوجودأزمة، لا سيما في صفوف الطبقات الحاكمة. وأيًّا كان الشخص الذي سيقدر له الانتقال إلى 10 داونينغ ستريت، فإنه سيكون على موعد مع مهمة شاقة، تشتمل على المحافظة على نفوذ البلاد الخارجي.

ما زالت تحظى النتيجة غير المحسومة التي تمخضت عنها الانتخابات البريطانية التي أجريت اخيرًا باهتمام مختلف الصحف ووسائل الإعلام العالمية. وفي هذا السياق، تنشر اليوم quot;فورين بوليسيquot; الأميركية تقريرًا تتناول من خلاله نتائج الانتخابات، وما تراه من منظورها الخاص بالنسبة إلى مستقبل البلاد.

وتقول في التقرير الذي عنونته بـ quot;سياسة بريطانيا الخارجية المُعلَّقةquot; إنه وبغض النظر عن الحزب الذي سيحظى بالغلبة في الصراع على السلطة البرلمانية، فإن الدور الذي تقوم به البلاد في الشؤون العالمية سيتضاءل. وتؤكد أن الحكومة البريطانية المقبلة ستكون أصغر حجمًا وأقل تدخلاً عن سابقتها، وهو ما سيؤثر على حلفائها العالميين بشكل كبير. وأيًّا كان الشخص الذي سيقدر له الانتقال إلى 10 داونينغ ستريت، فإنه سيكون على موعد مع مهمة شاقة، تشتمل على عجز ضخم في الميزانية، تُجمِع كافة الأحزاب على ضرورة تخفيضه بشكل كبير خلال السنوات القليلة القادمة.

وهو ما سيعني حدوث تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام، ذلك الأمر الذي يُجمِع كافة المراقبين تقريبًا على أنه سيؤثر بصورة حتمية على دور بريطانيا على الصعيد الدولي، باعتمادها كما هي الحال الآن على دائرة دبلوماسية كبيرة، وقوات مسلحة ضخمة نسبيًّا، وتتميز بالقدرة على تنفيذ مهام تتسم بالتدخل السريع، مثل انتشارها الحالي في أفغانستان، حيث تعتبر القوات البريطانية ثاني أكبر الوحدات الدولية بعد الولايات المتحدة. وهنا، تؤكد المجلة أن الحكومة البريطانية الجديدة لن تتمكن على الأرجح من تحمل مهمة المحافظة على سياسة بريطانيا الخارجية الحالية، المتضائلة بالفعل.

ثم تمضي quot;فورين بوليسيquot; لتقول إنه وعلى الرغم من التأثير العالمي الخطر للمملكة المتحدة في الوقت الذي تعاني فيه من عجز مادي، إلا أنه نادرًا ما تم التطرق إلى موضوع السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية للأحزاب. وبينما وجّه السياسيون تحذيراتهم إلى الناخبين بالحاجة إلى اتخاذ خيارات صارمة بسبب الأزمة المالية، لكنهم لم يتطرقوا في ذات السياق لما قد يحمله ذلك من مضامين في ما يتعلق بأجندة البلاد الخارجية.

وعلى صعيد متصل، تعد كريستيان ساينس مونيتور تقريرًا توضح من خلاله ما تعنيه تلك الانتخابات بالنسبة إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. وتشير في مستهل الحديث إلى أن بريطانيا تبحث الآن عن اتجاه جديد بعد ثلاثة عشر عاما ً من الحكم تحت مظلة حزب العمال، وزيادة احتمالات تشكيل برلمان معلق للمرة الأولى منذ 36 عامًا، والإقدام على واحدة من أسوأ الاقتصاديات منذ الحرب العالمية الثانية.

ثم تبرز الصحيفة حقيقة ما بدأ يطرأ من تغييرات على توجهات وانتماءات الناخبين البريطانيين، وترى أن هذا يرمز إلى الطريقة التي تسير عليها السياسة البريطانية غير المستقرة في هذه الأيام ndash; ويُفسر الأسباب التي جعلت الدولة التي كانت تعتلي إمبراطوريتها العالم، تدخل في مواجهة الآن مع واحدة من أخطر التحديات منذ الحرب العالمية الثانية. ثم تلفت إلى أن بريطانيا، شأنها شأن مناطق أخرى في أوروبا، تصارع الآن من أجل اجتياز أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ سبعينات القرن الماضي، وهي المتجسدة في مشكلة الديون التي تُلِقي بأصدائها الآن في جميع أنحاء أوروبا.

إلى ذلك، تواصل الصحيفة الحديث بقولها إن الانتخابات البريطانية الأخيرة، تلك اللحظة المفصلية التي عانى فيها حزب العمال واحدة من أسوأ نتائجه على مدار عقود، تعكس مشهدًا سياسيًّا متغيرًا ستكون له عواقب في ما وراء التشكيل الفوري لحكومة ائتلافية. وقد تؤدي إلى إصلاح سياسي كبير، وتُعقِّد من قدرة البلاد على التغلب على العجز في الميزانية المتوقع له أن يتجاوز العجز الخاص باليونان خلال العام المقبل، وقد تؤثر على الدور المشاكس الذي تقوم به بريطانيا على الساحة العالمية.

وفي جزئية أخرى، تمضي الصحيفة لتؤكد على أن انتخابات السادس من أيار/ مايو الجاري كانت الأكثر اتساماً بالطابع الانتخابي الأميركي طوال تاريخ بريطانيا. حيث ركزت الحملة ذات الطابع الرئاسي على قادة الأحزاب وشخصياتهم، وكذلك الأدوار الرئيسة التي قامت بها زوجاتهم. كما ترى الصحيفة أن الرسالة الرئيسة التي يمكن تحسّسها من تلك الانتخابات تجسدت على ما يبدو في رفض الشعب لأي رؤية سياسية واحدة خاصة بالمستقبل. وتلفت هنا إلى أن الحزبين الرئيسين اللذين يحكمان السياسة البريطانية على مدار ما يقرب من قرن قد فشلا في تحقيق تفويض واضح لتوجهات الأمة.

وتمضي الصحيفة لتنقل عن ستيفن فيلدينغ، مدير مركز السياسة البريطانية في جامعة نوتنغهام، قوله :quot; لقد أجرينا أول انتخابات غير عادلة منذ القرن الثامن عشر. لكن تلك قد تكون اللحظة التي يدرك فيها الناس أن النظام بحاجة إلى إصلاحquot;. ثم تنقل عن البروفيسور ريتشارد فينين، المؤرخ في كلية كينجز كوليدج في لندن، قوله :quot; تمر البلاد بحالة من الفوضى، وهناك شعور كبير بأن هناك أزمة، ولا سيما في صفوف الطبقات الحاكمة، في حين لم تكن قد انتظمت إلى حد بعيد حتى الآن مع الجمهورquot;.

وتؤكد الصحيفة في ختام تقريرها المطولأنّ الانتخابات البريطانية هذه ربما تقدم بعض الدروس للولايات المتحدة الأميركية. من بينها، الصعوبة المستمرة التي يواجهها حزب ثالث لكي يتمكن من إثبات وجوده في العديد من الديمقراطيات. وتنقل هنا عن ستيفان أندريسون، الخبير السياسي في جامعة كوينز في بلفاست، قوله :quot; إن الأداء اللافت الذي ظهر عليه حزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة، وهو التغيير الأقوى في مواجهة حزب العمال منذ ثلاثينات القرن الماضي، ربما يقدم الكثير لأولئك الذين يتطلعون نحو تجدد نشاط المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية quot;.