كشفت وثيقة روسية سرية عن عملية كبرى لإعادة تقييم أولويات السياسة الخارجية الروسية، تحت مظلة الرئيس ديمتري ميدفيديف. وبحسب ما ورد في الوثيقة، فإن لافروف طالب ببناء تحالفات مستحدثة مع الدول التي يمكنها مساعدة روسيا على التغلب على تخلفها التكنولوجي وعزلتها الاقتصادية.

كشفت وثيقة روسية سرية تم تسريبها إلى النسخة الروسية من مجلة النيوزويك الشهيرة عن أن هناك عملية كبرى لإعادة تقييم أولويات السياسة الخارجية الروسية، تحت مظلة الرئيس ديمتري ميدفيديف. وتطالب تلك الوثيقة المؤلفة من 70 صفحة، التي أعدتها وزارة الخارجية، الكريملين بالتخلي عن الأساليب الشائكة الفردية التي كانت تُتَّبع إبان حقبة الرئيس الاسبق، فلاديمير بوتين، ومد يده لتوثيق التعاون مع العالم المتقدم، وبخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الوثيقة التي نشرتها quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; قد تعكس آفاقًا جديدة في أجندة الدب الروسي على صعيد السياسة الخارجية، وتتساءل من منظور الصراع الأبدي بين العاصمتين، واشنطن وموسكو، وتقول :quot; هل تميل حقبة ميدفيديف الرئاسية بحيث تصبح موالية بشكل أكبر للغرب ؟quot;.

ثم تمضي الصحيفة الأميركية لتنقل في هذا السياق عن يفغيني بازهانوف، نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الرسمية، المعنية بتدريب الدبلوماسيين الروس، قوله :quot;يبدو الأمر وكأن فردًا من المؤمنين بالمنطق الأميركي قد سرب تلك الوثيقة، لأن أمرًا مثل هذا غير معتاد الحدوث في روسيا. ومن يعلم الفائدة من وراء ذلك ؟ فنحن لسنا بحاجة إلى عقيدة جديدة للسياسة الخارجية. ونحن نمتلك واحدة بالفعل، ولا تتغير تلك العقائد كل عامينquot;. وفي السياق ذاته، أكد مسؤولون في وزارة الخارجية الروسية صحة تلك الوثيقة للصحافيين، لكن أحدًا منهم لن يُحدد الغرض من ورائها ولن يتحدث أحد كذلك عن السبب المحتمل وراء احتياج الكريملين لها.

على صعيد متصل، تلفت الصحيفة إلى أن معظم المحللين يقولون إن هذا التسريب قد يكون متعمدًا، حيث يرون أن عملية مثل هذه قد تكون محاولة لتحديث عقيدة العام 2008 الروسية الخاصة بالسياسة الخارجية، للأخذ في الاعتبار دعوة ميدفيديف إلى القيام بتحديث اقتصادي وتكنولوجي، وهو المحور الأبرز لرئاسة ميدفيديف. في حين أشارالبعض إلى أن تلك الوثيقة المُسربة قد تكون علامة على وجود صدع بيروقراطي متزايد بين رئيس الوزراء الحالي الذي ما زال يحظى بالقوة، فلاديمير بوتين، وبين الرئيس الأكثر ليبرالية والأقل بكثير من حيث الشعبية، ديمتري ميدفيديف.

ثم تنقل quot;ساينس مونيتورquot; عن ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو، قوله :quot; تعتبر تلك الوثيقة مراجعة للمكانة التي تحتلها روسيا على الساحة الدولية كنتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية. كما أنها اعتراف بأن بعضًا من غطرسة حقبة بوتين لابد وأن يتم مراجعته، وتعتبر اعترافًا كذلك بأن روسيا لن تتمكن من السير على درب التحديث من تلقاء نفسهاquot;.

وبحسب ما أوردته الصحيفة الأميركية في هذا السياق من معلومات، فإن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد طالب في تمهيد للوثيقة ببناء quot;تحالفات مستحدثةquot; مع الدول التي يمكنها مساعدة روسيا على التغلب على تخلفها التكنولوجي التقليدي وكذلك عزلتها الاقتصادية. كما أثنى لافروف على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، واصفاً إياه بـ quot;الزعيم التحويليquot; الذي ساعد بإعادة العلاقات مع موسكو على تحسين وتيرة الحوار بشكل ملحوظ، وحدوث بعض الإنجازات الرائعة، التي من بينها التوقيع على معاهدة جديدة لتخفيض الأسلحة الإستراتيجية الشهر الماضي. لكنه أبدى أيضًا قلقه من تراجع شعبية أوباما في الداخل، على أساس أن ذلك الأمر من الممكن أن يُشجِّع المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية على التراجع عن إعادة العلاقات مع روسيا. وأضاف لافروف في هذا الشأن بقوله :quot; يسعى الجيش وأجهزة المخابرات ومؤسسات السياسية الخارجية في الولايات المتحدة للعودة إلى سياسات المواجهة التي كانت تنتهجها الإدارة السابقةquot;.

هذا وقد جرت مناقشة بعض الآثار المترتبة على إتباع هذا النهج الموجه بشكل أكبر إلى الغرب في نفس الوثيقة، من ضمنها مسألة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والتفاوض على إقرار نظام يسمح بالتنقل بلا تأشيرات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، لإتاحة الفرصة أمام تدفق الاستثمارات، والأفكار، والعمالة الماهرة.

ويبدو أن الوثيقة قد اقترحت أيضًا أن تُقدِم موسكو على تخفيض علاقاتها بالدول الأقل نموًّا، وتوجيه صفعة رسمية نادرة جدًّا إلى الصين. وفي جزء آخر مثير للجدل، دعت الوثيقة إلى انتهاج إستراتيجية اقتصادية أكثر حدة للتعامل مع بلدان منطقة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي التي عانت من الأزمة. والفكرة تكمن هنا ndash; كما فسرتها الصحيفة الأميركية ndash; في الاستفادة من المعاناة الاقتصادية لتلك الدول وكذلك الانخفاض الحاد في الجاذبية الاستثمارية لأصولهم الوطنية، لاقتناص الصناعات في دول البلطيق، والبنية التحتية الخاصة بالنفط والغاز في أوكرانيا وروسيا البيضاء، والقيام في الوقت ذاته أيضًا بدمج صناعة الطيران الأوكرانية بنظيرتها الروسية.