يبدو أن شيوخ الدين السعوديين بدؤوا يتسلمون زمام المبادرة في الحوار الفكري الدائر حول الكثير من الأطروحات الدينية المختلف عليها في السعوديةوخصوصا القضية المتجددة دائماً (الاختلاط)، بعد أن كان إلى وقت قريب تجري تجاذبات فكرية وأطروحات مجتمعية تدور رحاها بين إسلاميين وبين من يوصفون بأنهم ليبراليين.

ابها: افتتح اليوم السعوديون صباحهم متحدثين عن مقال مطول لأحد رجال الدين السعوديين تحدث فيه عن أن الاختلاط مباح وسط عدة شروط، مضيفاً بأنه لم يكن محرماً في الكثير من العصور وبخاصة في تاريخ الرياض القريب.

وتكمن أهمية حديث عبداللطيف آل الشيخ ليس من جهة أنه يحمل صفة اعتبارية حتى وقت قريب في المؤسسة الرسمية الدينية في السعودية، وإنما أيضا من كون الحديث خرج من أحد أبرز أبناء عائلة آل الشيخ المعروفة بأنها بيت علم شرعي عريق إذ يمتد نسبه إلى محمد بن عبدالوهاب الذي عرف بأنه مجدد وإصلاحي ديني في السعودية بعد تحالفه مع إمام الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود.

في حدث جديد تتابع معه رؤية المنتسبين للتيار الديني في مفهوم الاختلاط ظهر الشيخ عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء في المملكة سابقاً المستشار الخاص السابق لأمير الرياض، ليوضح إن الاختلاط مباح ، وان الشريعة الإسلامية لم تأت بمنعه على الإطلاق، ولكن هناك ضوابط تم وضعها.

وقال آل الشيخ عبر مقالة واسعة أفردت لها صحيفة الجزيرة السعودية صفحة كاملة الاثنين 16/5/2010،quot; أن الاختلاط المباح وفق الضوابط موجود في صدر الإسلام ولم تأتِ الشريعة الإسلامية بمنعه على الإطلاق، مستشهداً بمدينة الرياض قبل عام 1970 ومن عاش فيها تلك الفترة وما كان فيها من حركة تجارية وأسواق تزخر بالكثير من الباعة رجالاً ونساءً، يعملون في اكتساب الرزق الحلال من خلال البيع والشراء ببساطة ويُسْر، وكلٌّ على قدر ما يتيسر له من ثروة ورأس مال، ولا أنسى سوق المقيبرة، وهو السوق الرئيس في هذه المدينة، والطريق الممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو الشارع الذي يعتبر أكثر كثافة بالباعة على يمينه وشماله من الرجال والنساء ببسطات تحوي كل ما يحتاج إليه من يقصد السوق من ملابس جديدة وقديمة ومواد غذائية وحتى السمن والذهب والحلي... إلخ، مما يباع ويشترى، والباعة من النساء والرجال غالبيتهم من أبناء الوطن، وكذلك سوق حلة القصمان شرق الرياض، وسوق منفوحة جنوب الرياض، وكان الناس لا يرون من ينكر عليهم أو يعكر صفوهم، وكانت الرياض في ذلك الوقت تزخر بالعلماء الكبار الأجلاء أمثال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وغيرهم من المشايخ والعلماء.

وبدأ آل الشيخ مقالته بالتأكيد على اتفاق الأمة على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: laquo;الدين، النفس، العقل، النسل والمالraquo;.

وقال quot;إن الشريعة - ولله الحمد والفضل - فيها التيسير ورفع المشقة عن العباد، ولا يخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة، كالحرمين وما يحصل في موسم الحج، وغير ذلك من التجمعات البشرية.. فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة، وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، وإنما كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام، ولم تأتِ الشريعة الإسلامية بمنعه على الإطلاق، بل أجازته في حدودٍ تكفل الحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية للمرأة، مع المحافظة على الأعراض، وتمنع الوقوع في المحظورات المحرمة؛ فوضعت ضوابط وقيودًا واضحة صريحة لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجاوزها، ومن لم يلتزم بهذه القيود فقد وقع في الاختلاط المنهي عنه، وهو المحرَّم.quot;

وأوضح الدكتور آل الشيخ المقصود بمفهوم الخلوة والاختلاط وقال quot;فالخلوة: هي اجتماع رجلٍ مع امرأة أجنبية عنه بغير محرم في مكان منفردين فيه، في غيبة عن أعين الناس، وهذه الخلوة محرمة، والدليل على تحريم الخلوة ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: سمعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: laquo;لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرمraquo;.

وما رواه عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: laquo;لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهماraquo;.

وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: laquo;من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطانraquo;، وعنه - رضي الله عنه - أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: laquo;لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدمraquo; أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن بسفر ونحوه. وعن عقبه بن عامر - رضي الله عنه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: laquo;إياكم والدخول على النساءraquo;. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: laquo;الحمو الموتraquo;، والحمو هو قريب الزوج، الذي لا يحل للمرأة كأخيه وابن عمه.

وأضاف ال الشيخ في حديثه quot;إثر ذلك وضع آل الشيخ ضوابط الاختلاط الجائز ، من أهمها:

1- الالتزام بعدم التبرُّج وكشف المرأة ما لا يجوز لها كشفه لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ). (سورة الأحزاب الآية 59).

2 - الالتزام بغض البصر عما لا يجوز النظر إليه من الجنسين، وقد دل على هذين الشرطين: قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) وقوله عز وجل:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) سورة النور 30- 31.

3 - الالتزام بعدم تكسر المرأة في كلامها والخضوع فيه، والدليل قوله تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا). سورة الأحزاب أية 32.

4 - الالتزام بالسكينة في المشي وعدم إظهار الزينة، قال تعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) سورة النور آية 31.

5 - الالتزام بعدم التبرُّج بأي نوع أو أسلوب.

6 - الالتزام بالابتعاد عن مواطن الريبة أو ما يدفع الرجل إلى التجرؤ عليها واستغلالها.

7 - أن تلتزم المرأة بعدم التعطُّر واستعمال الزينة وأدواتها وما يثير شهوة الرجال لقوله - صلى الله عليه وسلم -: laquo;إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس كذا وكذا يعني زانيةraquo;.

8 - أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع؛ فعن أبي سيد الأنصاري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء: laquo;استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (تتوسطن) الطريق عليكن بحافات الطريقraquo;.

9 - أن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الحاجة دون إسراف أو توسع أو تعطيل عن واجبها الأساس في رعاية البيت وتربية الأبناء.

10 - أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب والسمت، وينافي العفة والحياء، وكذا عدم الإطالة وما يوصل إلى حد الامتزاج.

11 - ومن أهم الضوابط مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية؛ فمن راقب الله ابتعد عن محارمه.

12 - سن عقوبات من قِبل ولي الأمر وتطبيقها على كل من يتجاوز الآداب والسمت؛ فإن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.

13 - أن لا يكون الاختلاط متعمدًا ومقصودًا لذاته، وإنما تفرضه الحاجة والضرورة.

ولازال التيار العام داخل المجتمع السعودي يعيش موقف المتفرج من تجاذبات النخب الفكرية السعودية والتي شهدت تدخل التيار الديني لها مما أضاف لها مزيدا من القبول داخل الأوساط المحافظة بالذات رغم أن البعض لازالوا يقفون موقف الرفض كون هذا الموضوع من المسلمات التي لا تقبل المناقشة من خلال أدلة شرعية تبين رفض موضوع الاختلاط حسب رؤيتهم.

وكان موضوع الاختلاط قد حاز على النصيب الأكبر من تداولات الفكر السعودي وجاءت بعد افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية شمال جدة التي تعتبر أول جامعة مختلطة بين الجنسين في السعودية ، إلا أن ذلك تزامن مع خروج الباحثين الشرعيين وتبيينهم لموضوع ومفهوم الاختلاط جعلهم هم من يسيطر على الساحة الفكرية، وترى أطياف المجتمع أن الباحثين والدعاة الغير أصوليين قوة حضورهم تجلت بعد هذا الموضوع وكان وزير العدل السعودي قد نشر في حدبث لإحدى الصحف السعودية أن الاختلاط ليس محرما في الشريعة وقاد بعده الشيخ أحمد الغامدي رئيس الشرطة الدينية بمكة المكرمة لواء الدفاع عن الاختلاط وانه ليس محرما كما يفهمه العرف العام السعودي.

وحديثعبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخعرف عنه عدم محاباته للحركيين يبدو وأنه جاء توضيحاً بعد تصاعد الحديث حول الموضوع, وتداخل الكثير من مشايخ الدين المؤيدين للاختلاط وممن لم يروا فيه ما يستوجب تحريمه قطعاً, وهو أمر ذهب إليه كثيرون سابقون ولا حقون.