بعد مرور عام على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي في القاهرة لم يتمكن باراك أوباما من تحويل وعوده الى أرض الواقع وتراجع التأييد الذي كان يحظى به في العالم العربي، خصوصًا بعد رد فعله على الهجوم الإسرائيلي على قافلة المساعدات المتوجهة الى غزة لكسر الحصار.

اهتمام واسع أبدته اليوم مجموعة من الصحف الأجنبية بالخطاب التاريخي الذي سبق وأن أدلى به الرئيس الأميركي باراك أوباما في التوقيت نفسه من العام الماضي في القاهرة ( وتحديدا ً في 4 حزيران/ يونيو عام 2009 ) ndash; حيث تضمن ذلك الخطاب وما سبقه وما تلاه دلالات وتحليلات ذات صلة بلغة الرئيس الأميركي الجديد وطبيعة سياساته التي كان من المفترض أن ينتهجها مع رزمة من الملفات على رأسها السلام في الشرق الأوسط، وتعامل الغرب مع الإسلام والمسلمين، وغيرها من القضايا.

وبعد مرور عام بأكمله، ها هي الصحف الأجنبية تحاول أن تقدم قراءة تحليلية مستفيضة لما أسفر عنه ذلك الخطاب من نتائج ملموسة على أرض الواقع خلال تلك المدة، وحقيقة نظرة الإعجاب التي تعامل من خلالها العرب والمسلمون مع أوباما لدى انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، هل تغيرت أم لا. وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة quot;ماكلاتشيquot; الأميركية أن كثيرًا من المسلمين في مصر والشرق الأوسط يبدون تخوفهم من أن تكون لغة الوعود التي تحدث بها أوباما في خطابه قد تراجعت لما هو معتاد عن لغة الوعود الأميركية، في ما يتعلق بملفات عضال عدة في المنطقة مثل عدم استقرار العراق، واستمرار سقوط الضحايا المدنيين في أفغانستان، وعدم الضغط على أصدقاء واشنطن من الدول ذات الأنظمة المستبدة، واستمرار مسلسل الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، وعدم التوصل إلى حلول بشأن معتقلي غوانتانامو.

وتتابع الصحيفة الحديث في الوقت ذاته بلفتها إلى ردة الفعل الفاترة التي تعامل من خلالها أوباما مع الهجوم الذي شنته القوات الإسرائيلية مؤخرا ً على أسطول الحرية، أثناء توجهه إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليها، مقارنة ً بالإدانات التي صدرت عن باقي قادة دول العالم، وهو الأمر الذي رأت الصحيفة أنه يعزز التصورات الخاصة بالقدر الكبير من الدعم غير المشروط الذي تقدمه أميركا لإسرائيل. وفي السياق نفسه، تنوه الصحيفة بأن بعضا ً من المعلقين والمدونين العرب بدأوا يتحدثون كذلك عن أن أوباما لم يعد يستحق جائزة نوبل التي حصل عليها.

ثم تمضي الصحيفة لتنقل عن حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، قوله :quot; لقد كان خطابه في جامعة القاهرة خطابا ً رائعا ً وأنعش الآمال بأن أميركا وضعت قدميها للسير على الطريق الحقيقي المؤدي إلى تغيير سياساتها. لكن تصرفات أوباما بعد ذلك أظهرت أنه أضعف مما بدا عليه خلال إدلائه بخطابهquot;. ونقلت الصحيفة أيضاً عن آية محمود، طالبة في جامعة القاهرة، تبلغ من العمر 22 عاماً، قولها :quot; كان هناك الكثير من الصور الخادعة بشأن أوباما بسبب جذوره الإفريقية والإسلامية، واتضح أن الخطاب الذي أدلاه في القاهرة لم يكن يهدف إلا لإحداث ضجيجquot;.

وبعد أن أشارت الصحيفة إلى حقيقة إدراك البيت الأبيض لمستوى الإحباط الذي يهيمن على المنطقة، ومراقبته كذلك لخطوات السياسة الأميركية منذ خطاب القاهرة، جنبا ً إلى جنب مع ما تبذله القنصليات والسفارات الأميركية في كثير من الدول في هذا الاتجاه، تمضي لتنقل عن بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، قوله :quot; كما يطلب أوباما مرة واحدة في الشهر تقريبا ً من موظفيه أن يطلعوه على آخر المستجدات المتعلقة بخطابه الذي أدلاه في القاهرة، لكي يرصد التقدم الذي يتم إحرازه. فهو دائما ً ما يقول ( أريد التأكد من إيفائي بالوعود التي قطعتها على نفسي في هذا الخطاب ). فهو يعرف أن هذا من شأنه أن يثير تطلعات وسلسلة طموحة من الأهداف. لقد حققنا تقدما ً في بعض القضايا، ومن الواضح أن الكثير ما زال أمامنا لتحقيقهquot;.

وعلى صعيد متصل، أجرت اليوم مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية مقابلة مع داليا مجاهد، أحد مستشاري الرئيس أوباما لشؤون العالم الإسلامي ورئيسة مركز دراسات العالم الإسلامي التابع لمؤسسة quot;غالوبquot; لاستقصاءات الرأي، التي ساعدت في صياغة خطاب أوباما الذي ألقاه في القاهرة. ولفتت مجاهد في تلك المقابلة إلى أن أوباما لم يقم بمتابعة ما قدمه للعرب من وعود في ذلك الخطاب، وأن التأييد الذي كان يحظى به في العالم العربي قد تراجع، بالإضافة إلى تأكيدها على ذلك الفارق الذي يفصل بين الأقوال والأفعال.

ومع هذا، فقد استهلت مجاهد حديثها مع المجلة الألمانية بالتأكيد على حقيقة حدوث تحسن بشكل إجمالي في العلاقات بين الولايات المتحدة والمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. ثم تابعت بإشارتها إلى أن جزءاً من إطار حسن النوايا الذي تكون بفضل انتخاب أوباما ومن ثم الخطاب الذي أدلاه في القاهرة، قد فُقِد بسبب عدم وجود تصور لمتابعة هذا الخطاب. ثم أبرزت مجاهد حقيقة تراجع شعبية أوباما لدى الشارع العربي مع بداية العام الحالي، على عكس ما سبق وأن حدث لدى انتخابه، وبعد خطاب القاهرة. وهو الأمر الذي أرجعته جزئيا ً إلى عدم إحراز قدر كبير من التقدم في ملف النزاع الإسرائيلي ndash; الفلسطيني. وأردفت بتأكيدها أن مسألة استعادة ثقة العالم العربي ومناطق أخرى حول العالم في الولايات المتحدة تتوقف على طبيعة المشكلة التي يعانيها في الأساس هذا الجزء من العالم. ففي المنطقة العربية، يستحوذ الملف الفلسطيني ndash; الإسرائيلي على حيز كبير، بينما تكون لدى مناطق أخرى حول العالم اهتمامات أخرى مثل نقل التكنولوجيا أو المساعدات الإنسانية.

وعن رأيها في ما أسفر عنه خطاب القاهرة من نتائج، أشارت مجاهد إلى أن الخطاب وضع نغمة جديدة للحوار بين الولايات المتحدة والمجتمعات المسلمة حول العالم. ورأت أنه ساهم في التخفيف نوعا ً ما من حدة ما يُقال عن حقيقة الحرب الدائرة على الإسلام، وأنه قد تسبب في إعادة النقاش مرة أخرى إلى ساحة السياسة بدلاً من الحديث عن الحرب بين الأديان، وهو ما اعتبرته مجاهد تحولا ً مهماً في العلاقات. ثم ختمت حديثها في النهاية بالتأكيد على نجاح خطاب القاهرة، لأن الكلمات التي يتلفظ بها أي رئيس تحظى بصبغة تاريخية، لا يمكن تغييرها، كما أنها تنذر بتغييرات أو تحولات سياسية في النهج. ورأت أن ما قاله أوباما في القاهرة يعد عملاً كبيراً جداً وأن أهمية ذلك الخطاب قد لا يتم التحقق منها لسنوات عديدة قادمة.

وفي السياق ذاته، طالب تقرير نشره موقع quot;هفنغتون بوستquot; الأميركي بحتمية تعزيز حقوق الإنسان في مصر، وذلك بعد مرور عام على الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة. ثم مضى ليؤكد أن مصر لم تحقق أي شيء على صعيد الإصلاح السياسي أو حقوق الإنسان أو النهوض بالديمقراطية، منذ أن أدلى أوباما بخطابه في الرابع من حزيران / يونيو العام الماضي.