تتواصل ردود الفعل الدولية على العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الأمن الدولي على ايران، وبينما لاقى القرار ترحيبًاغربيًاإلا ان محللين يتوقعون تجاوز طهران للصدمة سريعًا ومواصلة عملها في برنامجها النووي عبر بوابة السوق السوداء،ولا سيما أن موقف المعارضة البرازيلية والتركية خفف من وقع العقوبات الجديدة إلى حد ما.

عواصم: يصل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عصر الخميس الى الصين غداة مصادقة مجلس الامن الدولي على سلسلة رابعة من العقوبات ضد بلاده انضمت اليها الصين بعد تحفظ طويل. ويفترض ان يصل احمدي نجاد الى شنغهاي (شرق) في زيارة تتزامن مع quot;يوم ايرانquot; في المعرض العالمي.

وليس متوقعًا ان يتوجه الى بكين ولا ان يجري مباحثات على مستوى رفيع مع قادة النظام الصيني الذين يعتبرون عادة من حلفاء بلاده. لكن الصين العضو الدائم في مجلس الامن والتي تتمتع بحق النقض (الفيتو) وخضعت لضغوط غربية شديدة طيلة اشهر، صوتت الاربعاء بالنهاية على فرض عقوبات عسكرية ومالية جديدة على ايران.

واعتبر احمدي نجاد الذي يشتبه في ان بلاده تطور برنامجا نوويا عسكريا ان تلك العقوبات quot;صالحة لسلة المهملاتquot;. واستاءت ايران من تصويت بكين، اكبر شركائها الاقتصاديين والتجاريين، على القرار ضد طهران وانتقد رئيس الوكالة الايرانية للطاقة النووية علي اكبر صالحي بشدة الصين على ما افادت وكالة ايسنا.

وقال صالحي quot;فاجأتني الصين (...) التي تقبل هيمنة (الولايات المتحدة)quot; محذرًا من ان هذا quot;الموقف ستكون له بالتاكيد مضاعفات في العالم الاسلاميquot;. واضاف ان الصين quot;ستفقد تدريجيا مكانتها في العالم الاسلامي وعندما تستيقظ سيكون فات الاوانquot;.

كما اتهم صالحي الصين بانتهاج سياسة quot;الكيل بمكيالينquot; مشددا على ان بكين تدافع على كوريا الشمالية التي انسحبت من معاهدة الحد من الانتشار النووي بينما ايران ما زالت عضوًا فيها. وقد نقلت وكالة الصين الجديدة عن لي باودونغ سفير الصين في الامم المتحدة قوله ان quot;هذا القرار الجديد يهدف الى اعادة طهران الى طاولة المفاوضات وتحريك (...) المساعي الدبلوماسيةquot;.

وفي بكين تحدث كين غانغ الناطق باسم وزارة الخارجية في بيان عن ضرورة مواصلة quot;الحوار والمفاوضات وغيرها من الطرق الدبلوماسية من اجل ايجاد حل من شانه ان يلبي مطالب الطرفينquot;. ووصف جو فينغ المتخصص في العلاقات الدولية في جامعة بكين لهجة صالحي تجاه الصين بانها quot;مدهشةquot;. وقال لفرانس برس ان quot;هذا يدل على مدى استياء طهران من الصينquot;.

واكدت سفارة ايران في الصين انه ليس هناك اي مواعيد رسمية لاحمدي نجاد بعد وصوله الى شنغهاي. ولم يتسن معرفة مدة زيارة الرئيس الايراني. ويزور احمدي نجاد الجمعة جناحي ايران والصين في المعرض العالمي قبل عقد مؤتمر صحافي في الساعة 15,30 (07,30 ت.غ) حسب مسؤولي الجناح الايراني.

الصحف الإيرانية تدين

ومن جانبها،دانت الصحف الايرانية المتشددة والاصلاحية على حد سواء الخميس العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الامن الدولي على ايران، معتبرة ان الاجراءات العقابية ترسم طريق مواجهة جديدة. وكتبت صحيفة كيهان اليومية في عنوانها الرئيس quot;انتظروا ردًّا حاسمًا من ايران على العقوبات غير الشرعيةquot;.

وحملت الصحيفة صورة للرئيس محمود احمدي نجاد وهو يجري مقابلة مع تلفزيون في تركيا بداية الاسبوع واقتبست عنه قوله ان quot;مصداقية مجلس الامن الدولي انتهتquot;. اما صحيفة افتاب يزد الاصلاحية فكتبت ان مجلس الامن quot;رسم طريق المواجهةquot; بين الغرب وايران.

ورفضت الصحيفة quot;ادعاءاتquot; واشنطن بان طهران تعارض التعاون عندما يتعلق الامر ببرنامجها النووي. وقالت الصحيفة quot;بتوقيعها اتفاق طهران اثبتت ايران انها جدية في تعاونهاquot;، في اشارة الى الاتفاق الذي ابرمته ايران مع تركيا والبرازيل حول تبادل اليورانيوم المخصب وتلقاه الغرب بفتور.

وقالت صحيفة افتاب يزد ان العقوبات لن تدفع ايران الى quot;التخلي عن حقوقها الثابتة في السعي للحصول على تكنولوجيا نووية سلميةquot;. واضافت انه quot;بعدما تبنى الغرب مع روسيا والصين طريق المواجهة اليوم، فإن رد ايران سيكون قويًاquot;.

اما صحيفة جمهوري اسلامي المحافظة التي تعد قريبة من زعيم المعارضة مير حسين موسوي، فعبرت عن دعمها للحكومة ونقلت على صفحتها الاولى تصريح كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي سعيد جليلي قوله quot;الوقوف في وجه حقوق ايران سيكون مكلفا وغير مجدquot;.

كما نقلت الصحيفة تصريحا لوزير الخارجية الايراني منوشهر متكي اكد فيه ان quot;الدبلوماسية المنطقية لايران هزمت الغربquot;.

فنزويلا إلى جانب إيران

في هذه الاثناء،عبر الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز عن تأييده للموقف الايراني من العقوبات الجديدة، مؤكدا ان العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الامن الدولي على ايران quot;لا تساوي قرشاquot;. وقال تشافيز الحليف الرئيسي لطهران في اميركا اللاتينية في خطاب بثه التلفزيون quot;انها لا تساوي قرشا فعلاquot;.

واضاف quot;لماذا لا يعاقبون اسرائيل؟quot;، مدينا quot;صلافة الامبراطورية الاميركية وحلفائهاquot;. وكان مجـــلس الامن أقر أمس الاربعاء رابع حزمة من العقوبات على ايران منذ 2006، في محاولة لدفعها الى تعليق نشاطاتها النووية الحساسة.

ومن ناحية اخرى أعربت تركيا عن قلقها من قرار مجلس الأمن معتبرة انه سيمس بالجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة الايرانية سلميًا. كما استنكرت البرازيل هذا القرار علما بأن تركيا والبرازيل كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين عارضتا قرار تشديد العقوبات في مجلس الأمن الدولي بينما امتنع لبنان عن التصويت.

وأصرت ايران على أنها ستمضي قدما في أنشطة تخصيب اليورانيوم في خضم هذا النزاع. وقال الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ان قرار مجلس الامن quot;لا قيمة لهquot; ويجب أن يلقى quot;في سلة مهملات مثل منديل مستعمل.

وبدوره رحب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان الخميس في قرار مجلس الأمن ضد إيران،مشيراًإلىان اسرائيل ترى ان العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الامن الدولي على ايران وبرنامجها النووي تشكل quot;اجراء ايجابياquot;.
الغرب يرحب بالعقوبات ونجاد يطلب رميها في سلة المهملات

وقال البيان ان quot;القرار الذي اعتمده مجلس الامن الدولي بفضل الجهود الحازمة للرئيس باراك اوباما تشكل اجراء ايجابياquot;. واضاف quot;نأمل ان يتبع هذا الاجراء الايجابي تحرك حازم من قبل الدول يستهدف خصوصا قطاع الطاقة في ايرانquot;.

كما رحبت الولايات المتحدة والدول الاوروبية بقرار تشديد العقوبات المفروضة على ايران ولكنها اوضحت ان الباب ما زال مفتوحا امام تسوية دبلوماسية لازمة المشروع النووي الايراني. وقال الرئيس الاميركي براك اوباما ان تشديد العقوبات يوجه رسالة لا تقبل التأويل الى ايران تؤكد عزم المجتمع الدولي على عدم السماح لها بالتهرب من التزاماتها.

وأوضح الرئيس اوباما مع ذلك ان هذا القرار لا يغلق الباب بوجه المساعي الدبلوماسية اذ ما زالت هناك فرصة امام ايران لتبني سياسة مختلفة.

وفي موسكو اعتبرت وزارة الخارجية الروسية ان قرار مجلس الأمن يغلق الباب امام فكرة القيام بعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية بينما أكدت الصين ضرورة اتباع اسلوب الحوار والتفاوض لتسوية القضية الايرانية.

ومن جانبها قالت وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين اشتون ان فرض العقوبات الجديدة يندرج في اطار السياسة المزدوجة المسارين التي يتبعها المجتمع الدولي معربة عن أملها في أن يأتي هذا القرار بايران الى طاولة المفاوضات.

ورحبت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بالقرار الجديد مؤكدا ان ايران رفضت مرة تلو الأخرى جميع المقترحات التي قدمت اليها لابداء قدر أكبر من الشفافية في ما يتعلق بمشروعها النووي. كما رحبت بهذا القرار حكومات بريطانيا وايطاليا واليابان.

ويدعو مشروع القرار الى فرض عقوبات على البنوك الايرانية الجديدة في الخارج اذا ما اشتبه في علاقة بينها وبين البرامج النووية أو الصاروخية الايرانية الى جانب مراقبة التحويلات مع اي بنك ايراني والتدقيق فيها بما في ذلك البنك المركزي الايراني.

كما يسعى المشروع أيضا الى توسيع الحظر الذي فرضته الامم المتحدة على السلاح ضد طهران كما أنه يضع ثلاث شركات تديرها شركة الخطوط الملاحية للجمهورية الاسلامية الايرانية و15 شركة تابعة للحرس الثوري الايراني على القائمة السوداء. كما يفرض مشروع القرار أيضا نظاما للتفتيش على الحمولات يشبه التفتيش المفروض على كوريا الشمالية.

وبالاضافة الى مشروع القرار تضاف قائمة من 40 شركة الى قائمة سوداء للامم المتحدة تضم شركات في أنحاء العالم تجمد أصولها بسبب الاشتباه في أنها تدعم البرامج الصاروخية الايرانية. وتتضمن القائمة السوداء الجديدة شخصا هو جواد رشيدي الذي يرأس مركزا نوويا ايرانيا تجري فيه معالجة اليورانيوم. ومن المقرر أن تجمد أصوله كما يواجه حظرا دوليا على سفره.

وكانت تركيا والبرازيل قد أعادتا احياء أجزاء من عرض تدعمه الامم المتحدة لطهران يتضمن تقديم الاخيرة 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب مقابل حصولها على قضبان وقود نووي خاصة لاستخدامها في مفاعل للابحاث الطبية.

وقال دبلوماسيون في فيينا ان روسيا وفرنسا والولايات المتحدة قالت في مذكرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان اقتراح ايران بشأن مبادلة اليورانيوم منخفض التخصيب أيضا يثير القلق.

وأقر مجلس الامن الجولتين الاوليين من العقوبات عامي 2006 و2007 بالاجماع. كما أقر المجلس جولة ثالثة من العقوبات عام 2008 بأغلبية 14 صوتا وامتناع دولة واحدة.

ويقول محللون ان ثلاث جولات سابقة من العقوبات التي تستهدف البرامج النووية والصاروخية الايرانية أثرت بشدة في الاقتصاد الايراني لكنها فشلت في اقناع القادة في طهران بوقف البرنامج النووي الايراني أو في اقناعهم بالتفاوض.

وبدلا من ذلك ما زالت ايران تواصل تخصيب اليورانيوم الى مستويات مرتفعة على الرغم من تلميحات بامكانية توجيه ضربة عسكرية أميركية أو اسرائيلية للمواقع النووية الايرانية.

ورغم إلا أن هناك من يشكك في فعالية قرار مجلس الأمن الجديد،ففي 9 يونيو / حزيران ، كشفت صحيفة quot;التايمزquot; البريطانية أن إيران تمارس quot;حيلا خداعيةquot; لحماية تجارتها الدولية وهو ما يقلل من تأثير العقوبات الدولية الجديدة.

وأضافت الصحيفة أن الشركة الإيرانية للملاحة التجارية التي لها ارتباطات بالحرس الثوري الإيراني ومذكورة بالاسم في لائحة العقوبات الجديدة تعتزم تغيير أسماء سفنها من أسماء فارسية إلى أسماء إنجليزية ، موضحة أن وزارة الخزانة الأمريكية اعترفت بأنها لم تتمكن من ضبط هذه العمليات وهو ما يطرح برأي الصحيفة مخاوف من أن تكون العقوبات الجديدة أقل فاعلية مما يتصور.

ويرى محللون أن طهران قدستتجاوز الصدمة سريعا عبر تكثيف سياسة الاكتفاء الذاتي واللجوء إلى ما يعرف بالتجارة الالتفافية والسوق السوداء أو ما يطلق عليه quot;خطة الثعلبquot;.

وتظهر وثيقة للاتحاد الاوروبي أن القوى الاوروبية الكبرى تعتزم فرض عقوبات أخرى على ايران علاوة على العقوبات التي أقرها مجلس الامن التابع للامم المتحدة يوم الاربعاء وقد تتم الموافقة على الاجراءات في الايام القادمة.

وتستهدف الوثيقة بحسب رويترزالقيود الاضافية ممارسة مزيد من الضغوط على طهران كي تتفاوض على برنامجها النووي بينما تعزز القرار الذي اتخذه مجلس الامن يوم الاربعاء والذي خففت من تأثيره المعارضة التركية والبرازيلية.

وستتولى كاثرين اشتون مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي وكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا مهمة اقناع دول أخرى في الاتحاد الاوروبي بفرض الاجراءات الاضافية على ايران.

والهدف من هذه الاجراءات هو اضافة ما يصل الى أربع شركات أخرى وبنكين وشركة تأمين الى قائمة الامم المتحدة السوداء التي تضم الشركات التي جرى تجميد أصولها في أرجاء العالم للاشتباه في تقديمها مساعدات لبرنامج ايران النووي أو لبرنامجها لانتاج الصواريخ.

وأفاد دبلوماسيون أوروبيون بأن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي سيبحثون الخطوات الاضافية التي قد يقرونها في اجتماع في لوكسمبورج يوم الاثنين القادم وقد يعدون الاجراءات كي تكون جاهزة كي يقرها رؤوساء دول الاتحاد الاوروبي في قمة في 17 يونيو حزيران.

وفي الوقت نفسه ستمضي أشتون قدما في جهودها لاقناع الايرانيين باستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي.

وتتطلع اشتون التي تحظى بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين للاجتماع مع سعيد جليلي كبير المفاوضين النوويين الايرانيين في الاسابيع القادمة لترى ما اذا كان ممكنا احراز أي تقدم.

وقال متحدث باسمها في بيان quot;الهدف من جهودنا هو تحقيق تسوية شاملة طويلة المدى تعيد الثقة الدولية في الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الايراني.quot;