طورخام: تتعاقب شاحنات كثيرة تنبعث من عادمها سحابات كثيفة من الدخان، لينزل منها مئات الركاب فيما يدفع عدد كبير من الاطفال عربات بعجلتين محملة بمستحضرات تجميل وعطور ومنتجات فاخرة اخرى امام انظار حرس الحدود المنهمكين في تلقي الرشاوى.

ففي مركز طورخام الحدودي تعم فوضى يصعب وصفها في قلب ممر خيبر الاسطوري الذي يشكل الطريق الرئيسية التي تربط بين باكستان وافغانستان على علو نحو الف متر في سلسلة جبال هندوكوش في الهيمالايا.

وقد كثرت البازارات مثل الفطر في خضم فوضى عارمة على الجانبين مما يجعل طورخام مركزا رئيسيا وحلقة وصل للتهريب الذي يسهم في ثراء اسياد الحرب ويمول تسليح عناصر طالبان الافغان والباكستانيين على حد سواء.

وهكذا يقوم رجال بتهريب سيارات غالبا ما تكون مسروقة اضافة الى سلع استهلاكية عادية واسلحة الى افغانستان مع دفع رشاوى لرجال الشرطة. وبالنسبة للمنتجات الاكثر quot;ترفاquot;، يساعد مئات الاطفال الذين تسلمهم عائلات تعيش في العوز المهربين في بيعها.

ورد محبة خان الذي يؤكد انه في العاشرة من عمره عندما قال له مراسل وكالة فرانس برس انه يبدو اكبر سنا، quot;تعال الى هنا وقم بجر عربة مثلما افعل خلال سنة وسنرى كيف ستكونquot;. فمحبة ورفاقه يعملون عشر ساعات يوميا مقابل 40 روبية كحد اعلى للعبور (37 سنتيما من اليورو) وهم ينقلون بناء على الطلب من هذا الجانب او ذاك حزما مليئة مما هب ودب، وحتى اشخاصا عاجزين او من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وهو يقول ان هذا المال يستخدم لشراء وقود التدفئة او لتغذية فرن المنزل العائلي او حتى لدفع مهر شقيقاته، خصوصا وان والده توفي منذ سنتين. فوالدته اخرجته من المدرسة وهو في السادسة وقالت له انه كبر وبات قويا يمكنه دفع عربة. وقال الصبي الذي تغطي جسده ثياب رثة quot;ما زلت اتذكر المدرسة لكن امي واشقائي قالوا لي ان وضعي افضل الان واني شجاعquot;.

وتسد الطريق بوابة حديدية ضخمة تعلوها لافتة كتب عليها بالانكليزية واللغة الباشتونية رسالة quot;ليعم السلام على الارضquot;. كما ترفرف في الهواء اعلام باكستانية وافغانية يغطيها الغبار. انها الحدود بين افغانستان التي ادمتها اكثر من ثلاثين سنة من الحرب والحروب الاهلية، ومناطق قبلية باكستانية التي تعد معقلا لعناصر طالبان المحليين وقاعدة خلفية لطالبان الافغان وكذلك معقلا للقاعدة.

وفي الجانب الباكستاني تكلف الشرطة القبلية ووحدات شبه عسكرية بحراسة الحدود، لكن مع عبور مئات السيارات والاف الاشخاص يوميا نادرا ما تجرى عمليات تفتيش، حتى انه يمكن العبور بدون جواز سفر او تأشيرة كما قال وكالة فرانس برس. فافراد القبائل التي تقطن في هذه المناطق لا يعتبرون انفسهم افغانا ولا باكستانيين بل من الباشتون، كما انهم لا يأبهون بخط دوراند، الحدود التي رسمها في 1893 عسكر الهند البريطانية.

ويعتبر رجال الشرطة القبلية (الخسادار) البخشيس حقا لهم. وقال ودود خان وهو زعيم قبيلة افريدي التي التحق افراد منها بالخسادار quot;انه حقنا، الحكومة لا تعطينا شيئاquot;. وفي طورخام يتقاضون شهريا ما بين 5800 و7500 روبية (50 الى 70 يورو). اما ال1500 او 2000 روبية التي يتقاضوها كل يوم كرشاوى فتضمن لهم عائدا مريحا. انه عمل حقيقي، حتى ان الشرطي يرمي بازدراء 200 روبية يحاول سائق شاحنة ان يعطيه اياها لان هذا المبلغ زهيد.