خرق طاقم استخباراتي اميركي الحظر المفروض على الحوار مع الجماعات المتشددة مثل حزب الله وحماس. وقد التقى الوفد قيادات في الجماعتين واصدر تقريرا شكك فيه بالسياسة الأميركية الحالية الخاصة بعزلهما وتهميشهما كما دعا الى دمجهما في القوات الامنية لكل من لبنان وفلسطين.
في الوقت الذي يُنظر فيه داخل دوائر واشنطن الرسمية إلى مسألة التواصل مع الجماعات المتشددة مثل حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس على أنها جهود ملعونة، تكشف اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية عن أن طاقما من أبرز ضباط المخابرات في القيادة العسكرية المركزية الأميركية قد قام بتلك المهمة خلال الفترة الماضية.
وفي تقرير لهذا الطاقم الذي أُطلِق عليه quot;الطاقم الأحمرquot;، واصدر في السابع من شهر أيار/ مايو الماضي تحت عنوان quot;ترويض حزب الله وحماسquot;، شكك ضباط استخباراتيون كبار بالقيادة العسكرية المركزية الأميركية في السياسة الأميركية الحالية الخاصة بعزل وتهميش الحركتين.
وبدلا ً من ذلك، أوصى الطاقم الاستخباراتي بإحداث مزيج من الاستراتيجيات التي من شأنها دمج المنظمتين في التيارات السياسية الخاصة بكل منهما. ثم تمضي المجلة لتقول إنه وفي الوقت الذي تم فيه تصميم العمل الخاص بهذا الطاقم الاستخباراتي عن عمد لتزويد كبار القادة بالإحاطات والافتراضات التي تُشكِّل تحدياً للاستراتيجيات المقبولة، تحول التقرير على الفور إلى تقرير استفزازي، ومثير للجدل، ومتناقض مع السياسة الحالية للولايات المتحدة.
ومن بين النتائج الأخرى، دعا التقرير المكون من خمس صفحات إلى دمج حزب الله في القوات المسلحة اللبنانية، وكذلك حركة حماس في القوات الأمنية الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس quot;أبو مازنquot;. ورأت المجلة في السياق ذاته أن النتيجة الختامية التي خلص إليها الطاقم البحثي هي النتيجة الأكثر إثارة ً للجدل، وهي المتعلقة بأن الضباط الاستخباراتيين قد وجدوا أن مساعدة واشنطن في تشكيل قوة دفاع لبنانية متكاملة تضم حزب الله؛ والاستمرار في تدريب قوات الأمن الفلسطينية داخل كيان فلسطيني يضم حماس في حكومته، ستكون خطوة أكثر فعالية عن تقديم المساعدة لكيانات ( الحكومة اللبنانية وحركة فتح ) تمثل فقط جزءا ً من الشعب اللبناني والفلسطيني على التواليquot;.
وتابع التقرير بالقول إنه وفي الوقت الذي تتبنى فيه حماس وحزب الله سياسات رفض قوية مناوئة لإسرائيل، تتميز كلتا الحركتين بالنفعية والانتهازية. وافتتح التقرير بتلك المقولة التي سبق وأن أوردها مفاوض السلام الأميركي السابق، آرون ديفيد ميللر، في كتاب له، وأكد فيها على quot;بزوغ نجم حماس وحزب الله باعتبارهما لاعبين سياسيّين حقيقيَّين، يحظيان باحترام الشارع في العواصم العربية، وبجميع أنحاء المنطقة. وأن القيام بتدميرهما لم يكن أبدا ً خياراً يمكن الارتكاز عليه لمواجهتهما. وأن تجاهلهما قد لا يكون خيارا ً أيضا ًquot;. كما سارع معدو التقرير للاعتراف بأن الجماعتين المسلحتين مختلفتين بشكل كبير، وأنه من الخطأ التعامل معهما سويا ً.
وعلى الرغم من ذلك، فقد رفض الطاقم الاستخباراتي الأميركي وجهة نظر إسرائيل التي تذيعها علنا في ما يتعلق بأن الجماعتين غير قادرتين على إحداث تغيير وأنه لا بد من مواجهتهما بالقوة. وهنا، واصل التقرير حديثه ليقول quot;إن الفشل في إدراك مظالمهم وأهدافهم بصورة منفصلة سيؤدي إلى استمرار الفشل في تليين سلوكياتهمquot;. ومضت المجلة في السياق عينه لتنقل عن ضابط بارز بالقيادة العسكرية المركزية الأميركية وعلى اطلاع بالتقرير، قوله :quot; هناك استغراق في التفكير الآن بالمؤسسة العسكرية وبخاصة بين ضباط المخابرات في تامبا ( حيث المقر الرئيسي للقيادة العسكرية المركزية الأميركية ) بشأن تلك الجماعاتquot;. ومع هذا، فقد نفى هذا الضابط أن يكون قادة عسكريون كبار يضغطون الآن بنشاط على إدارة الرئيس، باراك أوباما، لصياغة مدخل أو بداية للتعامل من خلالها مع الحركتين المسلحتين.
وتعقيباً من جانبه على الأحاديث التي تم الترويج لها من قِبل المسؤولين الإسرائيليين في أعقاب حادث الاعتداء على أسطول الحرية نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، في ما يتعلق بأن من كانوا على متن السفينة مرمرة تربطهم علاقات بعملاء الإرهاب الدولي، والإسلام الدولي، وحماس، وتنظيم القاعدة، وغيرهم، قال هذا الضابط الاستخباراتي :quot; إن وضع حزب الله، وحماس، والإخوان المسلمين، والقاعدة في نفس الجملة، كما لو كانوا واحدا ، هو مجرد أمر غبي. ولا أعرف أي ضابط استخباراتي في القيادة العسكرية المركزية الأميركية يمكنه تصديق أمر كهذاquot;.
أما الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في التقرير فقد انصبت على حزب الله، حيث قلَّل الطاقم الاستخباراتي من الأحاديث التي تقول إن الجماعة الشيعية اللبنانية تعمل كوكيل لإيران. وخلص التقرير في هذا الشأن إلى أن نشاطات حزب الله تعكس بصورة متزايدة احتياجات وتطلعات الحركة في لبنان، خلافا ً للمصالح الخاصة بداعميها الإيرانيين. كما انتقد التقرير الحرب التي شنتها إسرائيل في آب/ أغسطس عام 2006 على حزب الله، وقال إنها قد تسببت في حدوث نتائج عكسية. وأضاف معدو التقرير :quot; بدلا ً من استغلال الخط المستقل لحزب الله .. ربما أسفرت التصرفات الإسرائيلية في لبنان عن تأثير عكسي، تمثل في تشديد علاقاتها مع إيرانquot;.
ثم انتقل التقرير ليشير إلى هذا الاجتماع الذي انعقد عام 2009 بين السفير البريطاني لدى لبنان وقادة من حزب الله، لتقديم نموذج مناسب للبدء في دمج التنظيم في القوات المسلحة اللبنانية. وقد أوصى التقرير في هذا الجانب بضرورة أن تستمر مثل هذه المحادثات بنفس القوة التي استمرت بها محادثات السلام في السابق بأيرلندا الشمالية. وفي الوقت الذي لم يُقدِّم فيه تقرير الطاقم الأحمر توصيات سياسية واضحة، أشار خبراء استخباراتيون بارزون إلى قلقهم بشأن سياسات إسرائيل المعادية لحماس، وبخاصة استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة. كما أكد ضباط القيادة العسكرية المركزية الأميركية على أن إستراتيجية إسرائيل المتبعة للإبقاء على غزة تحت الحصار، تُبقِي المنطقة كذلك على حافة انهيار إنساني دائم ndash; وهي السياسة التي يرى التقرير أنها قد تتسبب في تطرف المزيد من الأشخاص، وبخاصة الشباب، وكذلك زيادة عدد المجندين المحتملين للحركة.
ولفت التقرير في السياق ذاته أيضا إلى أن اتخاذ إسرائيل قراراً برفع الحصار قد يُمهِّد الطريق لإتمام المصالحة بين فتح وحماس. كما زعم الضباط الاستخباراتيون أن المصالحة مع فتح، عندما تجتمع مع نبذ حماس الصريح للعنف، ستحظى بدعم دولي واسع النطاق وتحرم الإسرائيليين من أي مبرر شرعي لمواصلة بناء المستوطنات وتأخير المفاوضات المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية. ودعماً لإنشاء جهاز أمني فلسطيني موحد، أَبعَد الطاقم الاستخباراتي نفسه عن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الآن لتدريب القوات الأمنية التي تخضع لسيطرة حركة فتح في الضفة الغربية.
التعليقات