فورين بوليسي:

مصر على أعتاب تغيير عميق

أفردت مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية تقريرا خاصا بالوضع في مصر، واستضافت ثلاثة من أبرز الكتاب تناولوا بالتحليل والعرض إمكانية حدوث تغيير حقيقي في البلاد في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك. وخلص التقرير إلى أنّ quot;المؤسسات السياسية الراكدةquot; هي الي تقف حاجزاً حقيقياً أمام التغيير.

القاهرة: في أعقاب حالة الجدل التي أثارتها تقارير صحافية أميركية الأسبوع الماضي حول صحة الرئيس مبارك، وما تردد عن إصابته بمرض السرطان، ومن ثم مبادرة المسؤولين المصريين بنفي هذه التقارير، تفرد مجلة فورين بوليسي الأميركية تقريراً لثلاثة من أبرز الكتاب، يتناولون فيه بالتحليل والعرض إمكانية حدوث تغيير حقيقي في البلاد في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، وإذا ما كانت البلاد قد تغيرت بالفعل، وما هي أنواع التغيير التي ستكون مصر في حاجة ماسة إليها في ما هو قادم من سنوات.

وفي أولى المحاور، تتطرق الكاتبة ليزا أندرسون، إلى الوضع الاقتصادي في البلاد، مشيرة إلى أن هذا القطاع قد شهد بالفعل قدراً من التغيير. وترى الكاتبة أن التساؤل حول ما إن كان بمقدور مصر إحراز تغيير أم لا يصنع خطأ ً أساسياً، لكنه اعتيادي، حول ما يحدث في مصر اليوم. ثم تشير إلى حدوث قدراً كبيراً من التغيير في مصر خلال العقد الأخير، وأن معظم المصريين يشعرون بالسعادة في وقت واحد، ويتوقين للحصول على المزيد، لكنهم يشعرون بعدم ارتياح تجاه هذا الأمر. وتلفت في السياق ذاته إلى أن التساؤل الأصح الآن هو ذلك المتعلق بمدى سرعة وكيفية إدارة الآلية الخاصة بالتغيير، وليست الاحتمالات الخاصة بمدى تحقيقه من عدمه.

وتمضي أندرسون لتؤكد على أن المعضلة الأساسية لا تكمن في خلافة الرئيس مبارك، بل في المستقبل الكئيب الذي ينتظر الأجيال المقبلة على الصعيد الاقتصادي. وتشير الكاتبة إلى ميلاد 40 ألف طفل في مصر هذا الأسبوع فحسب، وتوقع وصول عدد المواليد الجدد إلى 2 مليون بحلول نهاية العام، فتقول إن معظمهم سيواجه تحديات كبيرة، وأن نسبة 20 % منهم ستعيش بأقل من دولار واحد يومياً، وستذهب الأغلبية العظمى منهم إلى مدارس تكتظ بالتلاميذ، بالإضافة لضعف التدريب الذي يحصل عليه المُدرسين، جنباً إلى جنب مع الرواتب الأكثر ضعفاً التي يتقاضونها. كما سيستهلكون المزيد من مياه النيل، وسيدخلون سوق عمل يتطلب مهارات لا يمتلكونها.

ورغم اعتراف الكاتبة بوضوح التحديات السياسية التي تواجهها الحكومة المصرية الحالية، وستواجه أي حكومة مصرية أخرى، إلا أنها شددت على أن آفاق النمو السكاني في مصر تتغير هي الأخرى. وترى أندرسون أن من مظاهر تطور الاقتصاد المصري هو انتشار التكنولوجيا الحديثة، وتشير هنا إلى حقيقة التأثيرات الكبرى التي خلفها التطور التكنولوجي الرهيب على حياة المصريين، بعد أن وصل عدد مستخدمي الهاتف الجوال إلى 60 مليون مستخدم، بعد أن كان مليون فقط قبل عشرة أعوام. وكذلك ثورة الإنترنت، والقنوات الفضائية المصرية الخاصة، وازدهار الصحافة.

وعلى محور آخر، يؤكد المحلل السياسي ستيفن كوك على أن المؤسسات السياسية الراكدة في البلاد هي التي تقف حاجزا حقيقيا أمام التغيير. ومن واقع الأحداث التاريخية، يدلل الكاتب على قدرة مصر على إحراز التغيير، وهو ما سبق أن تحقق في شهر تموز / يوليو عام 1952، حين قام الضباط الأحرار بعزل الملك فاروق، ثم إقدامهم بعدها بفترة قصيرة على التخلص من جهودهم الأولية الخاصة بإصلاح النظام البرلماني المصري لصالح بناء نظام سياسي جديد تماماً. ثم يلفت الكاتب إلى أن مصر تغيرت أيضاً عام 1970 حين خلف أنور السادات الرئيس جمال عبد الناصر.

ثم جاء التغيير مرة أخرى في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981، مع اغتيال الرئيس السادات وقدوم الرئيس مبارك. ويؤكد كوك أيضاً على أن مصر تشبه الآن بشكل كبير تلك البلد التي تولى قيادتها الضباط الأحرار قبل أكثر من 58 عاماً، فقيرة، تعتمد على قوى خارجية في أبسط احتياجاتها، ويشيع بها الاستبداد والسيطرة. ويشير إلى أن المشكلة المركزية تكمن في طبيعة المؤسسات السياسية بمصر. ويقول إن الإصلاح يتضارب مع المصالح المادية لقادة مصر ودوائرهم الانتخابية.

ثم يتحدث كوك عن سبب فساد المنظومة السياسية في مصر، ويقول إن هذا يرجع لعصر الرئيس جمال عبد الناصر، حين قام رفقة معاونيه بوضع مجموعة من المؤسسات السياسية والقواعد والأنظمة التي كان من المفترض أن تساعدهم عقب الثورة، لكن تلك القوانين كانت بطبيعتها قوانين مناهضة للديمقراطية، وكان يتم تزويرها لخدمة مصالح الضباط جنباً إلى جنب مع مصالح حلفائهم من المدنيين، وشكلت أساساً للتنمية المؤسسية اللاحقة، كما ساهمت في انتشار سياسية الانفتاح التي استفاد منها العسكريون ومثقفو النظام وذوو النفوذ ورجال الأعمال. وهذا هو السبب الذي يقف وراء عدم اعتزام الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم فعل أي شيء سوى إضفاء الطابع المؤسسي على سلطة الحزب الحاكم تحت ستار التغيير السياسي.

أما ميشيل دن، واحدة من كبار مؤسسي معهد كارنيجي لدراسات السلام، فقد رصدت من جانبها التحولات التي قامت بها مصر خلال العقد المنقضي. وقالت في مستهل حديثها إن مصر تبدو هذه الأيام وكأنها بحر لا يهدأ، دون أن يكون لديها اتجاه واضح. وأشارت إلى أن البعض قد يزعم أن مصر على أعتاب تغيير عميق وأنها ستحصل على خلافة في السنة أو السنتين المقبلتين والعودة بشكل كبير إلى الوضع السابق.

وعلى الصعيد السياسي، شددت دن في السياق ذاته على حقيقة التغيير الذي طرأ على المشهد السياسي للبلاد خلال السنوات العشر الأخيرة، فيكفي النظر، حسب قولها، إلى مساحة الحرية التي بدأت تكتسبها وسائل الإعلام الخاصة والمحطات الفضائية بشأن قدرتها على تناول الجوانب الحساسية للحياة السياسية والاجتماعية، مع انتشار شباب الصحافيين والمدونين في كل مكان بالقاهرة مثلهم مثل سيارات الأجرة. وأنه لم يعد يتبقى سوى عدد قليل من المحظورات التي لا يجب التطرق إليها في البلاد، وبخاصة تلك المتعلقة بتوجيه أي انتقادات مباشرة للجيش المصري.

كما تبرز الكاتبة حقيقة التغيير الذي طرأ على طريقة تعامل السلطات مع العاملين بالمنظمات غير الحكومية المعنية بمعالجة قضايا حساسة مثل حقوق الإنسان والحرية السياسية. فلم تعد هناك إشكالية كبرى في نشر آراء العاملين بمثل هذه المنظمات بشكل بارز في وسائل الإعلام المستقلة، وظهورها في بعض الأحيان أيضاً على صفحات الصحف القومية مثل الأهرام. وترى دان في ختام حديثها أن أوجه الحراك السياسي ( المتمثل في وسائل الإعلام الحرة وتأييد المجتمع المدني)، والذي لم يكن ظاهراً منذ عشر سنوات، قات بات مهمة بالنسبة للمواطنين المصريين، ومشروعة في نظر الحكومة.