إيلاف وحدها كسرت حاجز الصمت في أزمة بلاك بيري

يؤكّد خبراء أمنيّون أنّ حكومة برن ستتهاون مع السريّة التي يوفّرها هاتف quot;بلاك بيريquot;، فإضافة إلى كونها جنة quot;السريّة المصرفيّةquot; تعتبر سويسرا إحدى الجنّات التجارية للكثير من الشركات. أمّا في روسيا فمن يودّ اقتناء هاتف quot;بلاك بيريquot; عليه أن يعرف مسبقاً أنّ هناك قيوداً صارمة وضعت على وظائف هذا الهاتف الذكي. وهذه القيود جعلت quot;بلاك بيريquot; يدخل السوق الروسيّة من دون ضجيج.

طلال سلامة من برن وفالح الحمراني من موسكو: بدأت شركة quot;ريسيرش ان موشنquot; (RIM) الكنديّة تخوض عمليّات حسابية معقدة للخروج بـquot;لياقةquot; من مأزق، يهدّد حالياً quot;الأمن القوميquot; لدول، معظمها يقع في الشرق الأوسط والخليج.

وُلد هذا المأزق، أساساً، في الكويت وسرعان ما تفشّى ليشمل لبنان والامارات والجزائر والسعودية. وتكمن المشكلة في أنّ الرسائل الفورية، لهواتف quot;بلاك بيريquot;، غير قابلة للتعقّب، الأمرالّذييمثل منفعة كبرى للجواسيس ورجال الأعمال على حساب الأمن القومي لهذه الدول التي تريد الآن الحصول، بأسرع ما يمكن، على مفاتيح آلية التشفير لهكذا هواتف.

في الحقيقة، بدأت المصائب تقع على هذه الشركة الكندية منذ شهر مايو - أيار الفائت، عندما طلبت السلطات الكويتيّة مراقبة الاتصالات والبيانات المُرسلة عبر هذه الهواتف. فالكثير من المستهلكين في الكويت أقبلوا على زيارة المواقع الالكترونيّة الاباحية بأسهل الطرق عن طريق هواتف quot;بلاك بيريquot;. لاحقاً، طفا على السطح، في عدد من الدول العربية ودول الشرق الأقصى التقاطع العصبي الحساس لهواتف quot;بلاك بيريquot;، المتمثل في تهديد الأمن القومي مباشرة.

ومن الهند الى اندونيسيا مروراً بالجزائر والامارات والسعودية (التي تحتضن أكثر من 750 ألف هاتف quot;بلاك بيريquot; الذكي) تريد الحكومات فك تشفير المعطيات الحساسة التي تعبر القارات في ثوان معدودة. وإلاّ، فإنّ سوق quot;بلاك بيريquot; هناك ستموت!

من جانبهم يرى خبراء الأمن في سويسرا أنّ التوترات في منطقة الشرق الأوسط، التي قد تُشعل صراعاً عسكريًّا اقليميًّا، في المنطقة برمّتها، ساعدت في تحويل الأمن القومي الى quot;هاجسquot; تتبنّاه الآن تلك الدول التي تشعر بأنّها مهدّدة.

ويُجمع خبراء الاتصالات السويسريّون على أن مئة مليون وحدة من هواتف quot;بلاك بيريquot;، المباعة في 175 دولة، نجحت في تأسيس أكبر شبكة تجسس عالمية، هذا القرن، بصورة لا ارادية، وذلك بفضل سهولة الدخول الى شبكات الاتصالات اضافة الى امكان ارسال واستلام رسائل البريد الالكترونية بصورة فورية.

وفي ما يتعلق بكيفية عمل هذه الهواتف، فإنّها تعمل وفق بنية تكنولوجية تحتية، مختلفة عن شبكات الاتصالات العادية، مؤلفة من مئات خوادم الكمبيوتر (سيرفر) المنتشرة خصوصاً في كندا وأوروبا. ومن دون الحصول على البرمجيات، القادرة على فك شفرات هذه الهواتف، لا تتمكن الدول من مراقبة الاتصالات التي ينفذها المعارضون السياسيون أو الارهابيون أو الجواسيس، على أراضيها!

وفي سياق متصل، يشير رونالد كيمشي، خبير البرمجيات الأمنية في شركة quot;سويس كومquot;، لـ quot;إيلافquot; الى أن المعلومات التي تُبرز اتفاقية سرية، أبرمتها شركة quot;ريسيرش ان موشنquot; مع روسيا والصين، تعطي الشركة الكندية من خلالها مفاتيح فك تشفير هواتف quot;بلاك بيريquot; مقابل مساعدتها (من جانب موسكو وبكين) في التوغل في أسواق هذين البلدين، ما زالت غير رسمية بعد.

ولعدم تهديد التوسع التجاري للشركة الكندية، في بعض الأسواق، لا يستبعد هذا الخبير أن تضع الشركة، في تصرف الهند ودول أخرى، عربية خصوصًا، خلال الشهور المقبلة، برمجة خاصة لمراقبة حركة الرسائل الفورية، الداخلة والخارجة من هواتف quot;بلاك بيريquot;.

إنّ الهندسة الأمنية التي تبنّتها شركة quot;ريسيرش ان موشنquot;، خلال انتاج هواتفها النقالة، موحدة في جميع أنحاء العالم. أما تقينات التشفير، فهي، وفق رأي هذا الخبير، كثيرة الاستعمال في شبكات، معروفة باسم quot;في بي آنquot; (VPN) أي (Virtual Private Network)، وهي شبكات اتصالات خاصة تحتاج الى آلية التحقق من الهوية (Authentication) لضمان دخول العملاء المرخّص لهم quot;حصراًquot; اليها. هذا وتعمل شبكات quot;في بي آيquot; على شبكات الاتصالات، السلكيّة واللاسلكيّة، لحماية الشركات والدول معاً.

وعلى صعيد quot;ما بعد هواتف بلاك بيريquot;، يتوقع الخبير كيمشي أن تثير غرف الدردشة الالكترونية وبرمجيات أخرى، من المستحيل فك شفراتها، تابعة لشركات quot;غوغلquot; وquot;سكايبquot;، القلق الأمني لدى بعض الدول، الشرق أوسطية وغيرها.

وينوه الخبير بأنّ سويسرا ستتهاون مع السرية التواصلية، التي توفرها هواتف quot;بلاك بيريquot; اليوم. فإضافة الى احتلالها مركزاً مرموقاً في quot;الجنات الضريبيةquot;، حول العالم، تعتبر سويسرا كذلك احدى الجنات التجارية للكثير من الشركات، المتعددة الجنسيات.

الأمر الّذييعني أن حكومة برن لن تردع، حاليًّا، الشركة الكندية من بيع هواتفها وتحقيق الأرباح على أراضيها. بالنسبة إلى التحرّكات الأوروبية، على رأسها تلك الألمانية، الرامية الى وضع هواتف quot;بلاك بيريquot; تحت مجهر السلطات الأمنيّة، يفيدنا هذا الخبير أنها مبادرة أوروبية، وليست سويسرية!

روسيا وخصوصيّة إستعمال quot;بلاك بيريquot;

خلافاً للدول الأخرى، اتخذت روسيا عدّة تدابير إحتياطيّة قبل أن يدخل quot;بلاك بيريquot; أسواقها. وهدفت تلك الاجراءات الى التقليل من الإختراقات الأمنية سواء التي تتعلق بأسرار الدولة أو بأسرار الأفراد الشخصية.

وجاءت تلك الاجراءت كما يبدو من الهاجس الامني الذي يساور الروس. وقبل دخوله وضعت روسيا شروطاً قاسية على استخدامه واختصرت استخدامه على quot;الفئات المتحدةquot; بشركة أو مؤسسة، وسمح للأفراد إستخدامه ولكن من دون الفضائل المعروفة للجهاز.

ووافقت الأجهزة الأمنية في روسيا على مضض على دخول أجهزة quot;بلاك بيريquot; أسواق موسكو بعد أن أفرغت منذ البداية الهاجس الأمني لهذه الاجهزة. ومنحت، بعد انتظار طويل شركتي اتصالات ترخيصًا لتوريد واستعمال خدمات بريدية لـquot;بلاك بيريquot;. وحُدّد توزيعها في السنة الاولى بـ 16 شريحة. ويرى الخبراء أنّ مكاتب الشركات الاجنبية هي المستخدم الرئيس لـquot;بلاك بيريquot;، فالروس يفضلون استعمال الوسائل المحلية المتوافرة لحماية أمن المعلومات والسطو عليها.

وثمة جانب تكنولوجي يحول أيضًا دون استخدام كافة خدمات quot;بلاك بيريquot; ويحرم المستعمل من الاستفادة منها. فروسيا ما زالت تستخدم تقنيات قديمة نسبيًّا ولذلك فإنّ الاقبال على هذه الاجهزة في هذا البلد أقلّ بكثير منه في المناطق الاخرى.

ففي الوقت الذي أعلن أن عشرات الملايين تستخدم الجهاز في أوروبا وأميركا. ففي روسيا لم يتخطَّ العدد عشرة آلاف اضافة الى أنّ غالبية تستعمله كجهاز اتصال يتمتّع ببعض المميزات التي يمكن إيجادها في أجهزة الشركات العالمية المعروفة الأخرى.

وتعرض اليوم خدمات quot;بلاك بيريquot; في روسيا لفئات متحدة من المستخدمين وكذلك للراغبين الآخرين الذين ليس لديهم عنوانين بريد فئوية وانما شخصية وتعرض على المستخدم العادي خدمات رمزية اساسية فقط تتركز على استلام البريد الالكتروني. وفي المحصّلة فإنّ المواطن الروسي حصل على تكنولوجيات راقية ولكن تخضع استعماله للخصوصية الوطنية.