أصدرت صحيفة quot;غارديانquot; البريطانية مقالة رثاء في السياسي والكاتب السعودي غازي القصيبي، الذي توفي صباح 15 آب/أغسطس عن سبعين عاما إثر صراع طويل مع المرض، ويحظى القصيبي بتقدير كبير في السعودية لجرأته في تناول مشاكل المجتمع السعودي.

ورد في مقال لصحيفة quot;غارديانquot; البريطانية أن الدبلوماسي والشاعر السعودي غازي القصيبي الذي توفي متأثرا بسرطان المعدة عن 70 عاما، مثّل إنعكاسًا للمعضلات الشرسة التي تشكل تحديًا لمجتمع بلاده. وكان من دعاة التحديث فصار ممقوتًا لدى الإسلاميين المتشددين إضافة الى المحافظين داخل النخبة الذين حاولوا مرارًا سد هذه الطريق أمامه. ولأنه كان ملهمًا لدعاة الإصلاح والتصدي للتيارات الراديكالية المحافظة، فقد واجه عقبات كبيرة مع كل خطوة خطاها.

ولا شك في أن ثروته الهائلة ساعدته في وضعه كإصلاحي، بحيث إن البعض رأى فيه شخصا مؤهلا لأي منصب رفيع يسند اليه. وساعده أيضا تتويج صديقه ولي العرش عبد الله ملكا على البلاد في العام 2005 (وكان هو الحاكم الفعلي منذ 1996) لأنه أتى هو نفسه بالعديد من الإصلاحات. وكان القصيبي جزءا من مجموعة مختارة من التكنوقراط العامة الذين سعوا الى تحديث المملكة خلال السبعينات. وكانت أشعاره تستهدف الحكام العرب باحتراس مدروس:

كلماتنا ميتة
كضمير الطاغية
نحلم بعالم خال من الأغلال
ناهض من أقلامنا المشلولة

وعندما صار وزيرا للصحة في 1984، أصدر أوامره بتوخي الأمانة في ما يتعلق بعقود العطاءات للمستشفيات الإقليمية. لكن هذا التوجه اصطدم ببعض المصالح فوجد نفسه مجبرًا على التنحي. ثم عين سفيرا لدى البحرين ثمانية أعوام حيث يتخذ له بعض الجذور العائلية. وتسببت إحدى القصائد التي نشرها على صحيفة quot;الجزيرةquot; في إعفائه من منصبه من دون علمه مسبقًا. فقد قرأ على الصحيفة نفسها إنه قدم استقالته لأنه غير راض عن شروط عقد خدمته. وعندها كتب شاكيا الى الملك فهد:

بيني وبينك ألف واش ينعب
فعلام أسهب في الغناء وأطرب؟


وكان القصيبي، المتزوج من ألمانية، ذا شعبية كبيرة في الغرب وعمل سفيرا لبلاده في لندن في الفترة 1992 - 2002. وداخل السعودية نفسها، ناضل من أجل حقوق المرأة لكنه فشل في الحصول لها على حق قيادة السيارة، وهو أمر رمزي عالي الأهمية. وهاجم الإسلاميين الأصوليين في العديد من دواوينه الشعرية ورواياته وكتبه الفكرية.

وفي 2002 ألقى محاضرة في جامعة وبستمنستر طرح فيها آراءه عن أسامة بن لادن وقال: quot;أعطاني الانطباع، وأنا استمع الى هذيانه في بعض حواراته، بأنه مجنون يعتقد أنه هزم قوة عظمى وأنه على وشك هزيمة القوة العظمى الباقية. لست خبيرا بعلم النفس، لكن كلماته وأفعاله تكشف أنه رجل خطر موهوم بالعظمة. إنه لا يهتم حقا بالتصدي للظلم الواقع على الفلسطينيين أو إخراج

في إيلاف أيضًا:
في رحيل غازي القصيبي

الأميركيين من الخليج، رغم أنه يجد أن المناسب له تناول هاتين القضيتين. فما يسعى اليه هو تدمير أميركا نفسها. وأنا أرفض أن أشرّف أعماله بأي تبرير. إنه يقتل لأنه يستمتع بالقتل. وتشبيهه بياسر عرفات مسبّة لا تأتي الا من شخص مثل ارييل شارونquot;. وفي العام 2006 شنّ بن لادن في رسالة مسجلة في مخبئه هجوما لاذعا على القصيبي، متهما إياه بسوء تفسير الأحاديث النبوية وبأنه ليبرالي عميل في الطابور الخامس.

تلقى القصيبي شهادة في القانون من جامعة القاهرة (1961) والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سوذرن كاليفورنيا (1964) ثم الدكتوراه من جامعة لندن (1970). وربما كان أكبر إنجار له يتمثل في إنشائه هيئة الصناعات الأساسية السعودية quot;سابكquot; عندما كان وزيرا للصناعة والكهرباء من 1975 حتى 1982.

وكوزير للعمل منذ العام 2004، كافح من أجل فتح سوق العمالة، التي كان الأجانب يسيطرون عليها، أمام السعوديين. وعلى طريقته المتميزة، اشتغل quot;جرسوناquot; لثلاث ساعات في مطعم للهامبيرغر ليثبت أن بوسع السعوديين العمل في الوظائف التي كانوا يعافونها.

والشعراء العرب يتمتعون عادة بمقام رفيع في مجتمعاتهم. ولكن في العام 2002 نشر القصيبي قصيدته quot;أنتم الشهداءquot; في مدح ورثاء الصبية الفلسطينية آية الأخرس التي قامت بعملية انتحارية في quot;سوبرماركتquot; في القدس فقتلت اثنين من الإسرائيليين وجرحت 28 آخرين، وتمدح القصيدة quot;عروس العواليquot; التي quot;تقبّل الموت بابتسامةquot;، وتهاجم القصيدة أيضا quot;البيت الأبيض صاحب القلب المليء بالظلامquot;. وكان طبيعيا أن تثير حفيظة الإسرائيليين وقطاع كبير من الرأي العام الغربي، فأعفي من منصبه. وقال البعض إنه تعمد نشر القصيدة لأنه كان يعلم أنها ستعيده الى بلاده حيث يستطيع مواصلة مشواره الإصلاحي.

وقد كتب القصيبي قصائده على الطراز العمودي مستلهما الكثير من أعمال امرئ القيس ولبيد وغيرهم من الشعراء الجاهليين. وحتى أثناء تأدية مهامه الرسمية وزيرا للعمل، حظرت وزارة الإعلام السعودية كتاباته، ولم يرفع هذا الحظر الا قبل شهر من وفاته.

وربما كان أفضل الكتب الستين التي ألفها القصيبي روايته quot;شقة الحريةquot; التي ترجمت الى الانكليزية في العام 1996. وتروي هذه الرواية تجربة مجموعة من الطلاب الجامعيين العرب في القاهرة خلال فترة الستينات المضطربة. ورغم أن الرواية كانت تستهدف في ظاهرها الآيديولوجية البعثية، فقد نظر اليها البعض على أنها هجوم مشفّر على غياب الحريات في بلاده.

ولد القصيبي في حفوف شرق السعودية لأسرة من التجار أصحاب الثراء والنفوذ، وتوفيت والدته بعد تسعة أشهر من ولادته فأمضى طفولته متقلبا بين صرامة أبيه وحنان جدته. وكانت لهاتين العلاقتين آثار عميقة في حياته لاحقا، ولذا فقد قال ذات مرة إن السلطة الخالية من الحزم تقود الى اللامسؤولية الخطرة، وإن الحزم المستطير يقود الى قمع أشد خطرا. وربما كانت آراؤه الفلسفية، مثل هذه، هي التي ضمنت له شعبية على نطاق العالم.

* ولد غازي القصيبي في 3 مارس / اذار 1940 وتوفي في 15 أغسطس / اب 2010 تاركا وراءه زوجته وأربعة أبناء وثمانية أحفاد.