مسارعة المعارض المصري البارز سعد الدين إبراهيم إلى نفض يديه من الجدل المحموم، وإدارة الظهر له بعد تصريحات وتوضيحات بشأن ملف مساعي توريث رئاسة مصر إلى الابن الأصغر للرئيس مبارك، تعني أنه نجح في صد محاولات إستقطابه بين المعسكرات المتصارعة.

القاهرة: ترك المعارض المصري البارز سعد الدين إبراهيم مسافة كبيرة بينه وبين الجدل المتصاعد فصولا بين معسكرين رئيسين في المشهد السياسي المصري، الأول يدعو علنا إلى نقل موقع الرئاسة المصرية الى جمال النجل الأصغر للرئيس المصري حسني مبارك، الذي يصعب تعيين موقفه وقراره من ترشيح جديد له قد يبقيه رئيسا، حتى العام 2016، رغم إشتداد الجدل حول وضعه الصحي في السنوات الأخيرة، فيما يرى المعسكر الثاني أن مصر لا تصلح لنموذج التوريث الرئاسي، وأن الأمر ينبغي أولا أو أخيرا أن يؤول الى المصريين لتقديره، والتقرير بشأنه، خصوصا وأن متطرفي هذا المعسكر يرون أن حكم مصرمهمة كبيرة جدا على مبارك الإبن، كونه لا يملك مواصفات الحاكم، وسيكون في حال ترئيسه أول قائد مصري من خارج المؤسسة العسكرية وفقا للتقليد السياسي الذي روعي لاحقا لثورة تموز|يوليو 1952.

وتأتي تصريحات وتوضيحات المعارض المصري إبراهيم، لتشكل ضربة إستهدفت الإنتعاشة الموقتة للفريق الداعم لمبارك الإبن، بعد اعتقاد هذا الفريق أن استقطاب شخصية مصرية بوزن المعارض سعد الدين إبراهيم، من شأنها أن تطوق ملف توريث الحكم لمبارك الإبن، بالوقار السياسي، والجدية التي تؤهله لبلوغ هذا الموقع، خصوصا وأن المعارض المصري هو الأشد معارضة لحكم الرئيس المصري حسني مبارك الذي يرأس مصر منذ العام 1981، دون أن يقبل ضغوطات داخلية بتسوية ملف تعيين نائب له، لاعتلاء منصب الرئيس في حال وقوع غياب مفاجئ للرئيس لأي سبب، ولتلافي تعقيدات قد تنجم عن الغياب المفاجئ للرئيس، أو مرضه الشديد، على الرغم من أن الدستور المصري يسوي هذا الأمر عبر إجراء عدة.

وخلال اليومين الماضيين كان سعد الدين إبراهيم، والمقربون منه ومنهم زوجته باربرا، يسعون بحثاثة لصد محاولة إقحامه في معسكر أطلق على نفسه إسم quot;الإئتلاف الشعبي لدعم جمال مباركquot;، الذي زار وفد منه المعارض المصري في مركزه إبن خلدون- الذي أسسه ويرأسه قبل سنوات- في العاصمة المصرية القاهرة، وطلبوا منه التوقيع على بيان يدعم حق ترشيح مبارك الإبن في الترشح مستقبلا لمنصب الرئاسة، وهو الأمر الذي أجابه المعارض المصري، قبل أن تصل الأنباء مشوهة الى الشارع المصري، الذي تحرك عبر قواه السياسة المدنية الى مهاجمة سعد الدين إبراهيم، والتنديد بدعمه لمبارك الإبن، وهو الأمر الذي كان قد روّجه المعسكر الداعم لمبارك الإبن، خلافا للوثيقة نفسها التي وقعها سعد الدين إبراهيم.

وقبيل سفره الى الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب زيارة شارفت الشهر لبلده، إستطاع المعارض المصري أن يحبط الهجمات عليه، من خلال تصريحات، وبيانات حملت توقيعه على حقيقة ما دار من إجتماعات ونقاشات مع الفريق الشعبي الداعم لمبارك الإبن، مؤكدا تحت بيان عنونه بquot;بيان إلى الأمة عن بدايات التزوير والتضليلquot;، أن حقيقة ما صرحت به لوفد من هذه الجماعة ، الذين وفدوا إلى مركز ابن خلدون هو أنني مع حق أي مواطن صالح، تنطبق عليه شروط الترشح، بما في ذلك جمال مبارك، في أن يسعى إلى شغل أي منصب عام، أسوة بغيره من المواطنين، ومنهم على الأخص من تم تداول أسمائهم في الأشهر الأخيرة، كمرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية، مثل محمد البرادعي وأيمن نور.

ويؤكد المعارض المصري إبراهيم في بيانه: quot;لا ينبغي خلط تأييدي لمبدأ ترشيح أي مواطن تنطبق عليه الشروط لذلك الموقع، وتفضيلي الشخصي أو دعمي لانتخابه. فإذا تعمد أي من العاملين في حملة جمال مبارك الخلط بين إعلاني لدعم المبدأ من ناحية، ودعمي لشخص جمال مبارك من ناحية أخرى، فإن ذلك ينطوي على سوء نية مُبيت، وعلى تضليل كامل للرأي العام، كما أنه نذير سوء لاحتمالات تزوير قادمة لكل من الانتخابات النيابية 2010 والرئاسية 2011quot;.

وفي إشارة أقرب الى مهاجمة مبارك الإبن، ورفض ضمني لأن يصبح رئيسا يقول المعارض إبراهيم كيف يصدق عاقل أنني بهذه الخفة والسذاجة أؤيد دعم شخص لم يعلن ترشيحه، ولم يفصح عن برنامجه، وفوق هذا وذاك فهو محدود أو منعدم الخبرة التنفيذية العملية.

ومع قرب الإنتخابات الرئاسية العام المقبل، وظهور بوادر صحية مقلقة بشأن صحة مبارك الأب، فإن المعركة بين المعسكرين ستحتدم بوتيرة أقوى خلال المرحلة المقبلة، وستشتد مساعي استقطاب معارضين بارزين، وشخصيات معروفة للمعسكرين، خصوصا وأن الأجواء والتقديرات الآتية من العاصمة المصرية القاهرة تشير بحذر الى أن مبارك الإبن قد بات يشق طريقه نحو موقع الرئاسة المصرية، وسط انطباعات لدى النخبة المصرية أن ملف التوريث أو خلافة مبارك، لابد وأنها ستطرح على طاولة النقاش خلال لقاءات أميركية ومصرية على هامش زيارة الرئيس المصري الى واشنطن، للإسهام في دفع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قدما.

ومنذ عام 2000 إنطلقت لأول مرة أنباء رغبة الرئيس المصري في أن يخلفه نجله الأصغر، وذلك بالتزامن مع أنباء أخرى عن سعي مماثل من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي توفي في العام ذاته، وخلفه نجله بشار الرئيس الحالي، ورغبة أخرى للرئيس اليمني على عبدالله صالح، بأن يخلفه اللواء أحمد نجله البكر القائد الشاب للحرس الجمهوري، إلا أنه مذاك الوقت، فإن مواقف مصرية متعددة، وعلى مستويات عدة ترفض صراحة أن يرث مبارك الإبن منصب أبيه، خارج سياق المؤسسات الرسمية والدستورية، وأن حقه مكفول بالترشح بالتساوي مع فرص أي مواطن مصري، ورغم صدور أكثر من نفي رسمي على لسان أكثر من مسؤول رفيع المستوى، بينهم مبارك الإب، وأيضا الإبن المرشح، ووالدته سوزان سيدة مصر الأولى، إلا أن الجدل لم يتوقف أبدا.

وفي الأشهر الأخيرة لوحظ أن ما اصطلح على تسميتهم ب(الحرس القديم)، قد تركوا مسافة بينهم وبين تأييد مبارك الإبن، بسبب إبتعاده عنهم، وإحاطته نفسه بفريق من رجال الأعمال الأثرياء الشباب، وتقربه من الطبقة الشابة في مستويات الإدارة المصرية، وهو الأمر الذي أعطى إنطباعا لرفاق وبطانة مبارك الأب، أن الإبن متى ما تسلم منصبه رئيسا، فإنه سيطيح بهم، بل وربما يبادر الى محاكمتهم وسجنهم، كمسعى منه لحصد شعبية مبكرة في الشارع المصري، الذي صد في السنوات الأخيرة من معارضته الشديدة لأداء بعض المسؤولين وفسادهم.

ويشك قطاع واسع من المصريين أن حملات دعم مبارك الإبن شعبيا، ليست مبرمجة من قبل النظام المصري، وأنها تأتي إستعجالا من فريق مبارك الإبن، خصوصا وأن رئيس هذا الإئتلاف الشعبي مجدي الكردي قد دعا صراحة الإثنين الماضي الى ضرورة تنحي مبارك الأب، و إفساحه المجال أمام جمال مبارك، بوصفه الخيار الأنسب لمصر حاليا، وسط تساؤلات واسعة في الشارع المصري عن سر صمت النظام المصري عن هذا الأمر، وكذلك مبارك الإبن الذي يلوذ بالصمت منذ تحرك هذه المبادرات الداعمة له، علما أنه وفقا للمدون المصري على شبكة الإنترنت عاطف حمدي فإن تفوهات أقل تأثيرا وحدة من دعوة الكردي لمبارك الأب بالتنحي، كانت تجابه بالإعتقال والتعذيب، والفصل من العمل الحكومي، بل والبطش بأسر بأكملها.