بائع عراقي يعرض أقلاما للبيع
لسنوات خلت كانت لأقلام الحبر المسال من ماركة quot;باركرquot; وquot;شيفرquot; رمزا للاناقة لدى العراقيين ويفتخر بها من يتلقاها كهدية رسمية أو شخصية. وكانت أناقة المتعلمين لاتكتمل الا بوضع واظهار أحد هذه الاقلام في الجيب الاعلى الظاهر للسترة. لكنها اختفت اليوم الا لدى أحد الباعة الذي حاورته إيلاف عن تاريخ هذه الذكريات وسبب تمسكه حتى اليوم بها.

أقلام الباركر والشيفر تلك التي ما كان لاحد أن يستغنى عنها، والتي لابد ان تراها تتشكل على الصدور بشكلها المميز لاسيما الباركز منها بالعلامة على شكل سهم، والتي ما عاد لها حضور الا في الذاكرة احيانا، ومن النادر ان تجد قلما من هاتين الماركتين يعلق في قميص شاب، ليس هذه السنوات فقط بل لاكثر من عشرين عاما بعد ان كان لها حضورا واسعا عند جميع شرائح المجتمع، من الطلبة الى الموظفين وصعودا، ولا يكاد جيب في قميص يخلو منها، وقد كانت هذه الاقلام من علامات الاناقة، وربما.. ليس انيقا من لا يضع في جيب قميصه قلما من احدى هاتين الماركتين الشهيرتين جدا، الا ان هذه الظاهرة تراجعت كثيرا خلال العشرين سنة الماضية بعد ان اجتاحت اقلام (الجاف) ومن ثم (السوفت) الرغبات واصيبت الاذواق بمتغيرات عصر السرعة والظروف، فلم يعد للباركر والشيفر مكان الا في الذاكرة او ضمن التحف الموروثة عن الاجداد والاباء.

قلم الـ (باركر) اخترعه الأميركي جون باركر عام 1831، وقلم الـ (شيفر) اخترعه جون شيفر عام 1819، قبل ان يخترع مواطنان من المجر قلم الحبر الجاف في عام 1938.
لكن هاتان الماركتان اختفتا من الاسواق العراقية كل تلك السنين، ولم يعد لهما ذكر الا في احاديث الذكريات، ولكن.. هناك من وجدناه لا زال يرتبط بعلاقة وثقى معها، ربما هو الوحيد في بغداد الذي ما زال محتضنا تلك الاقلام واصابعه تعيد اليه الحياة بعد ان تستبد بها الاعطال، وتكاد تذهب الى هوامش الحياة.

عباس كاظم الذي يقف امام صندوقه او معرضه الزجاجي الصغير الذي يحتوي على عشرات الاقلام المختلفة، على جانب في سوق (السراي) الشهير في بغداد، والمتخصص ببيع القرطاسية، يقول عباس: منذ عام 1970 وانا في هذه المهنة، وكنت قبلا اعمل مع والدي فيها، الذي كان يصلح اقلام الحبر وييبعها، لدينا محل داخل احد افرع السوق كنا نمارس فيه تصليح الاقلام هذه،ولكن حولناه الى مخزن، ونحن هنا في شارع السوق نتواصل في اختصاصنا التصليح والبيع والشراء، مصادرنا الناس ممن يمتلكون تلك الاقلام، وهناك من يبيعه مرغما لحاجته المادية.

واضاف: ما زال هناك من يبحث عن الباركر والشيفر، منهم مدراء عامون، وموظفون كبار وكتاب ومثقفون، ما عدا الطلاب الذين حاليا يستخدمون اقلام الجاف والسوفت لانهم يتماشون مع عصر السرعة، وهناك من يهوون هذه الماركات من الاقلام لان خطها اجمل، وارشق، لازال هناك من يعتني بخطه، وهناك الاكثر منهم من يصلحون اقلامهم، التصليح اكثر من البيع، والبيع حسب الطلبيات، والرزق على الله، احيانا يأتون واحيانا لا يأتون، هناك اقلام بسعر 20 الف دينار عراقي و30 الف وهناك بمئة الف، وهو المطلي بالذهب، والتصليح يؤكد حرصهم هؤلاء الناس على هذه الاقلام واعتزازهم بها، واسعار التصليح مختلفة وتصل الى عشرين الف دينار، وهؤلاء اغلبهم من القدماء وهناك وجوه جديدة ولكن قلةquot;

وتابع: هذه الاقلام هي الاصلية وكلها قديمة، وهي من المنشأ الامريكي والتي كانت (الاجهزة الدقيقة) التابعة للاسواق المركزية تستوردها سابقا، اما الماركات الحالية فهي صينية مقلدة وهذا غير مرغوب، لا يوجد جديد حاليا من المنشأ الامريكي بتسمياتها 21 و 45، لم يعد العراق يستوردها ان كانت لازالت تصنع، انقطع استيرادها منذ عام 1990، كانت الاسواق المركزية تستورده وبكميات كبيرة.
عباس قال ايضا : هناك فرق كبير بين السبعينيات والان، الفرق بنسبة 80 بالمئة، حاليا البيع اقل، فيما كان ذلك الوقت للذواقة و (الرغابة)، تلك السنوات البعيدة كان الاغلب يحرص على شراء هذه الماركات وربما لاتجد شابا لا يتباهى بقلم يعلقه في قميصه كجزء من الاناقة، واجمل الهدايا هي الاقلام.

واشار عباس الى ان :هناك ناس تستغرب وجودي كمصلح وبائع لهذه النوعية من الاقلام ولكن هناك من لا يستغرب بل ولديهم علاقة قديمة معها، فهو يختلف عن الاقلام العادية وتكون كتابته سلسة، بينما الصيني فيه خشونة، هناك شباب من الجيل الجديد يقتنونها، واغلبهم يعرفها من ابيه، وقد اثرت على عملي هذه الاقلام التجارية الصينية.

كما قال حسن : ان مزاج الناس في السابق افضل من الحالي، تشعر حين يشتري الباركر او الشيفر انه يقتني شيئا ثمينا، والاجمل في زبائني الذين اغلبهم من كبار السن هو استذكارهم لحكاياتهم مع هذه الاقلام وكيف انها كانت تسحرهم (ريشة السلاية) بسلاستها،اما في هذا عصر السرعة فيبحثون عن السوفت ولا يكلفه كثيرا فالقلم بألف دينار، وهو لايريد الا ان يكتب فيه اي كتابة بينما الباركر بـ 15 الف دينار وهذا فرق، وفي السابق كان الاجانب زبائن دائمين لنا، اما في السنوات الاخيرة لا يوجد احد منهم.