لا يزال الفوز المفاجئ لإد ميليباند على أخيه ديفيد بزعامة حزب العمال الشغل الشاغل لصحافة بريطانيا.
إد ميليباند (اليمين) وأخوه ديفيد |
لندن: طبيعي أن يكون الموضوع الشاغل لوسائل الإعلام البريطانية هو الفوز المفاجئ لإد ميليباند على أخيه الأكبر بفارق ثلاث سنوات ديفيد بزعامة حزب العمال خلفا لغوردون براون المستقيل.
وثمة شقان لهذا الحدث: الأول هو فوز إد laquo;اليساريraquo; بالزعامة محمولا على ظهر نقابات العمال وإعلانه laquo;وفاة حزب العمال الجديدraquo; الذي استحدثه توني بلير.
والثاني هو التكهنات المحمومة بما إن كان أخوه ديفيد، المهزوم بفارق 1.3 في المائة فقط من الأصوات، سيعمل تحت إمرته في مجلس وزراء الظل أم أن الطريق السياسي قد بلغ نهايته بالنسبة له.
وكما و متوقع فقد ركزت الصحافة اليمينية - مثل laquo;تايمزraquo; وlaquo;تليغرافraquo; وlaquo;ديلي ميلraquo; - على ما أسمته انعطافة الحزب الهائلة نحو اليسار باعتبار هذا بعبعا حقيقيا وتهديدا يجب أن تتنبه له الطبقة الوسطى وهي عماد رفاه المجتمع. فركزت بشكل أو آخر الى أن laquo;النقابات تهلل لإد ميليباند وهو يدفن حزب العمال الجديدraquo;.
وlaquo;العمال الجديدraquo; الذي أعلن إد قبره في حديث صريح لتلفزيون laquo;بي بي سيraquo; الأحد، هو مجموعة المبادئ الجديدة التي حملت توني بلير إلى السلطة بعد تزعمه الحزب عام 1994 خلفا لجون سميث.
وكان بلير قد بدأ توجهه الى وسط الطيف السياسي واستخدم مصطلح laquo;حزب العمال الجديدraquo; ليؤذن بانعطافة أساسية للحزب من سياسته الاشتراكية التقليدية الى دعم القطاع الخاص.
بعبارة أخرى كان بلير يقول إن الحزب تحت زعامته سيغير مساره التقليدي الى آخر خال من نفوذ نقابات العمال التي خُلق الحزب من أجلها في المقام الأول
ولأجل ذلك ألغى laquo;البند الرابعraquo; في الميثاق العمالي الذي يلزم الحزب بانتهاج سياسة التأميم الشامل، وهو ما صادق عليه مؤتمر العمال في مارس (اذار) 1995. وبذل بلير جهدا كبيرا لإقناع قطاع الصناعيين والرأسماليين الآخرين بأن laquo;حزب العمال الجديدraquo; سيرعى مصالحهم على نحو أفضل من المحافظين.
وفي انتخابات 1997 أحرز بلير والعمال - بفضل هذا الوعد - نصرا ساحقا على جون ميجر لينهي 18 عاما متتالية من قبضة المحافظين الحديدية على السلطة.
لكنه أثار بذلك انتقادات حادة من أهل اليسار مفادها ان الحزب الجديد ما عاد يمثلهم لأنه محا الفروق التقليدية الأساسية بينه وبين المحافظين.
وكانت هذه هي الثغرة التي وجدها إد لخطب ود النقابات خلال حملته الانتخابية الأخيرة: العودة الى الأساسيات وضرورة التخلص من تركة بلير أي laquo;دفنraquo; حزبه الجديد. وقد أثمرت استراتيجيته هذه أيما إثمار.
فبينما تغلب ديفيد (البليري) على إد من حيث عدد الأصوات وسط أعضاء حزب العمال والبرلمانيين العمال في ويستمنستر والبرلمان الأوروبي، اكتسح إد (الأحمر) أصوات النقابيين بالكامل تقريبا وتمكن من انتزاع الكعكة بفارق 1.3 في المائة لا أكثر.
لكن ضآلة هذا الهامش ما عادت تهم في ما يتعلق بالزعامة نفسها لأنها حسمتها لصالح إد الذي أصبح - تبعا للأصول الديمقراطية - كمن حصل على 100 في المائة من الأصوات.
على أن هذه هي الديمقراطية على الورق، وهناك الواقع.
ويقول هذا الواقع إن ديفيد حصل على 49.35 في المائة من الأصوات مقابل 50.65 لإد. بعبارة أخرى فقد شق الأخوان الحزب نصفين متساويين تقريبا. فماذا تراه فاعل إد في حال قرر ديفيد - المعتبر من أكبر laquo;أصولraquo; الحزب الحقيقية - أنه لا يقبل بالعمل تحته؟ من أين لإد توحيد الحزب بدون اولئك الذين اختاروا أخاه وأخفقوا بهامش 1.3 في المائة لا أكثر؟
وهل ارتكب إد خطأ سياسيا قاتلا بميثاقه غير المكتوب مع النقابات؟ هل يصبح أداة في يدها وهي التي أتت به الى الزعامة؟ من جهته سارع الرجل، كما هو متوقع، لإعلان أنه ليس رهينة لدى أحد.
لكن هذه المقولة تتعارض بشكل مباشر مع التزامه laquo;الأخلاقيraquo; تجاه النقابات التي حملته منفردة تقريبا الى الزعامة. هذه ورطة حقيقية مفارقتها الكبرى هي أن الخروج منها يعتمد على ما سيقرره ديفيد الآن.
وربما أن إد وجد متنفسا صباح الاثنين عندما خاطب ديفيد مؤتمر الحزب في مانشيستر. ورغم أنه لم يجب بشكل مباشر على السؤال المهم وهو laquo;هل سيعمل تحت إمرة أخيهraquo; بالإيجاب، فقد امتنع عن الإجابة بالنفي أيضا.
لكنه ربما قدم شيئا من بلسم لأخيه عندما ألمح الى أنه سيقف خلفه بتشديده على أن السبيل الوحيدة أمام الحزب الآن هي laquo;الوحدةraquo; وعن laquo;حزب عمال موحد ضد حكومة منقسمةraquo;.
وقال ديفيد إن فخره بأخيه فوق الكلمات.
ومضى ليتحدث عن العلاقة الخاصة التي تجمعهما وحث أعضاء الحزب على تبني نوع هذه العلاقة الخاصة معه لأنها السبيل الوحيدة أيضا الى أن تكون علاقته، كزعيم لحزب العمال، خاصة مع بقية الأمة.
ومضى ديفيد يتحدث من موقع وزير خارجية الظل عن ضرورة الحل السياسي في أفغانستان، وعن حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، وعن أن الإصرار الإسرائيلي على المضي في إقامة المستوطنات على أراض ليست لهم laquo;خطأ أخلاقي وانتهاك صريح للقانون الدولي في الوقت نفسهraquo;.
وتحدث عن حاجة المظلومين في سري لانكا وبورما لحكومة عمالية تنقذهم على غرار ما فعلته في كوسوفو حيث أقامت لأهلها دولة مستقلة معترف بها دوليا الآن.
هكذا تحدث ديفيد، وكأن شئا لم يكن.. وكأنه لم يخسر لتوه معركة الزعامة لأخيه الأصغر الأقل وزنا سياسيا.
فهل نقرأ من كل هذا أنه على استعداد للانضمام بنصف الحزب الى نصفه الآخر؟ نعم، يحق لنا ذلك. لكن الحقيقة التي تبقى الآن هي أنه لم يقل ذلك صراحة فيصح القول أيضا إن باب التكهنات يبقى مفتوحا.
والمثير الآن هو أن مستقبل حزب العمال صار - للمرة الأولى في تاريخه - يرتبط عضويا بالعلاقة بين شقيقين ورهنا بالقرارات التي سيصدرها كل منهما في الأيام القليلة المقبلة.
التعليقات