يؤكد مسلمو الجنوب السوداني الاصليون انهم جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة ولا يخفون تأييدهم للانفصال، في الوقت الذي يبدي فيه المسلمون النازحون من الشمال بعض المخاوف على مستقبلهم في حال استقل الجنوب.


جوبا: يعمل قسم كبير من مسلمي جوبا، عاصمة الجنوب السوداني، في التجارة، وهم من الميسورين مقارنة بغالبية السكان التي تعيش في حالة فقر شديد. ابو عبيدة مصطفى كوراك (55 عاما) يرتدي الجلباب الابيض والعمامة وقد غطى الشيب لحيته الكثة، يقول quot;انا مواطن جنوبي اصلي اتمتع بكل حقوق جنوبيي السودانquot;.

من حركته في سوق جوبا الرئيسي في وسط المدينة، ومن التحيات التي تلقى عليه من المارة يبدو ابو عبيدة من النافذين في السوق. وهو نائب رئيس هيئة الشورى في المجلس الاسلامي لجنوب السودان.

ويقول ابو عبيدة quot;انا لن اغادر جوبا باي حال من الاحوال. لقد قدم جدنا الاكبر الى جوبا قبل 110 سنوات من ولاية نهر النيل، شمال الخرطوم، واصبحنا جزءا لا يتجزأ من هذه المدينةquot;.

واضاف quot;حصلت احداث العام 2005 ولم اغادر، وانا مطمئن الى ان اسرتنا ستبقى هنا في جوباquot;. وكانت حصلت احداث دامية في مناطق عدة من السودان كردة فعل على مقتل الزعيم التاريخي للتمرد الجنوبي جون قرنق في حادثة تحطم طائرة عام 2005.

3.9 ملايين ناخب يدلون بأصواتهم اعتباراً من الأحد
مصير السودان يتحدّد خلال 48 ساعة وتوقعات باستفتاء quot;هادئquot;

وعن طريقة تصويته الاحد اجاب ابو عبيدة quot;انا جنوبي ابن جنوبي والاجابة لا تحتاج الى سؤالquot; في اشارة الى عزمه على التصويت لصالح الانفصال. عن تخوفه من تعرض المسلمين لتجاوزات في حال الانفصال قال quot;انا لا اتخوف ما دامت هناك حكومة في الجنوب لديها دستور وقانون وتحفظ امن البلد، والاجهزة الامنية هي التي تضبط الانفلاتات في حال حصولهاquot;.

ويعتبر ابو عبيدة ان مشاركة رئيس حكومة الجنوب سالفا كير في المؤتمر الاول لمسلمي جنوب السودان الذي عقد في جوبا في كانون الاول/ديسمبر كانت حاسمة لجهة طمأنة المسلمين والشماليين على املاكهم في الجنوب. ويؤكد ان الزعيم الجنوبي قال امامهم quot;ان امن المسلمين والشماليين واملاكهم في الجنوب هو خط احمرquot;.

وكان المؤتمر الاول لمسلمي جنوب السودان عقد بحضور ممثلين عن عدد من الهيئات الاسلامية من دول عربية واسلامية وانتهى الى صدور تطمينات من حكومة الجنوب السوداني بحماية التعددية الدينية في الجنوب وعدم التفرقة بين المسلمين والمسيحيين.

وحول التسامح الديني في الجنوب المسيحي بغالبية سكانه قال ابو عبيدة ان quot;المساجد الكثيرة في جوبا هي الشاهد على الحرية الدينيةquot; داعيا مسلمي الجنوب الى quot;وضع ايديهم في ايدي الحكومة الجنوبيةquot;.

ويختلف وضع الضابط في الجيش الشعبي لتحرير السودان داود اكيم نوي (48 سنة) عن وضع ابو عبيدة. فهو ولد من اب يعتنق الديانات الارواحية الافريقية واعتنق الاسلام بملء ارادته. يقول quot;انا من مواليد ولاية وارات الجنوبية قدمت الى جوبا مع عائلتي واعتنقت الاسلام لدى بلوغي ال14 من العمرquot;.

يؤكد داود انه يعمل في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان منذ 18 عاما، ولا يجد اي حرج في ان يكون مسلما وايضا مقاتلا في صفوف الجيش الشعبي، ويؤكد ان نحو عشرة بالمئة من قوات هذا الجيش من المسلمين.

تلقى داود دراسات اسلامية في جامعة الخرطوم قبل ان يعود الى جوبا. ومع دعوته الصريحة الى الانفصال يعتبر quot;ان عدم الانفصال سيؤدي الى ثورة ثالثةquot; للجنوبيين ضد الشماليين، في اشارة الى التمرد الجنوبي الاول عام 1955 ثم الثاني عام 1983 الذي انتهى باتفاقية نيروبي للسلام عام 2005. لكن اللهجة تختلف بالنسبة للمسلمين القاطنين في الجنوب منذ سنوات وليسوا من ابنائه، حيث تظهر المخاوف على المستقبل في حال الانفصال.

عبدالله يونس (45 عاما) من مواليد الجنينة في اقليم دارفور، قدم الى جوبا في عام 1985 للدراسة في جامعة جوبا ويعمل حاليا في التجارة. يقول quot;التخوف موجود في حال الانفصال وربما قد اجد نفسي مضطرا الى العودة الى الشمالquot; قبل ان يضيف quot;نحن تجار ولا مشكلة لدينا مع احد وحكومة الجنوب ليس لديها مشكلة معنا وافضل بالطبع البقاء في جوباquot;.

الشيخ علالا رمضان نائب امام جامع الملكية في جوبا يقول انه من الشمال ويعمل في التجارة في جوبا منذ الثمانينات. وعن مخاوفه في حال الانفصال قال هذا الرجل الستيني quot;كنا متخوفين لكن الكلام الذي صدر خلال الفترة الاخيرة عن المسؤولين جعلنا نطمئنquot;.

وعن احتمال اضطراره الى العودة الى الشمال قال quot;نحن كتجار نستطيع ان ننتقل، الا انني افضل البقاء في جوبا اذا امكنquot;. وكان آخر احصاء سكاني تناول ديانات السكان في الجنوب جرى عام 1956 وقدر حينها نسبة المسلمين بنحو 18%، والباقي من المسيحيين والارواحيين.

وينظم ابتداء من الاحد القادم ولمدة اسبوع في ولايات الجنوب السودان العشر استفتاء على تقرير المصير يختار الجنوبيون خلاله بين الانفصال او التمسك بالوحدة مع الحكم المركزي في الخرطوم. وتؤكد كافة المعلومات ان الجنوب يتجه نحو التصويت بكثافة لصالح الانفصال.

إجراءات اقتصادية قبيل أيام من الاستفتاء

وعلى صعيد متصل، صدرت في السودان ردود فعل متباينة عقب إعلان حكومة الخرطوم عن سلسلة إجراءات اقتصادية، قبل أيام قليلة على الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. ورفعت الحكومة بموجب القرارات الجديدة أسعار الوقود، وخفضت رواتب شاغلي المناصب الدستورية بنسبة 25 بالمئة وقلصت تكلفة سفرهم إلى الخارج بنسبة 30 بالمئة.

فقد رأى سليمان صندل القائد العام لقوات حركة العدل والمساواة أن ارتفاع الأسعار سيزيد من معاناة المواطنين ولاسيما في دارفور، معتبرا أن تلك الزيادة تشكل سببا إضافيا للتكاتف بهدف الإطاحة بالحكومة. وأيد هذا الموقف الخبير الاقتصادي جبريل إبراهيم، مضيفا أنه كان بإمكان الحكومة أن تتخذ خيارات أخرى.

أما وزير المالية السودانية علي محمود، فأكد أن القرارات الجديدة ضرورية رغم صعوبتها، مضيفا أن التطورات الحاصلة في السودان دفعت بالحكومة إلى اتخاذ تلك القرارات. وأضاف محمود أن واردات السودان تفوق صادراتِه، مما يشكل ضغطا على أرصدة الدولة من النقد الأجنبي واحتياطات البنك المركزي.

آخر الاستعدادات لتنظيم الاستفتاء

هذا، وأعلنت الأمم المتحدة استقرار الوضع الأمني في جنوب السودان واستعداده التام لتنظيم الاستفتاء ابتداء من الأحد المقبل. وقال ديفيد غريسلي مسؤول جنوب السودان في بعثة الأمم المتحدة إن كل شيء يبدو جاهزا في المناطق التي تضم مراكز الاقتراع والتي ستفتح صباح الأحد.

وأضاف خلال لقاء مع الصحافيين في جوبا إن الذين شككوا واعتقدوا أن جنوب السودان لن يكون جاهزا لتنظيم الاستفتاء هذا الأحد قد خسروا الرهان. ولفت غريسلي إلى أن التوتر على طول الحدود بين الشمال والجنوب تراجع خلال الأسابيع الماضية.

من ناحيتها، أعلنت منظمة أوكسفام الدولية أن جنوب السودان سيكون بحاجة لمساعدة المجتمع الدولي على المدى الطويل بعد الاستفتاء على مصير الجنوب. وقالت ملينا يانغ مسؤولة منظمة أوكسفام الخيرية في جنوب السودان في بيان أصدرته الجمعة إن الفقر المزمن ونقصَ التنمية وخطر العنف الجاثم لن تختفي بعد الاستفتاء.

وتوقعت أن تستمر تلك المشكلات على المدى الطويل بغض النظر عن النتيجة التي سيُفضي إليها الاستفتاء. وشددت على ضرورة معالجتها للحؤول دون تقويض التقدم الذي أنجز خلال السنوات الماضية، حسب تعبيرها.