لا تزال الشكوك تساور الكثير من السودانيّين الجنوبيّين حول التوصّل لإتفاق سلام حقيقي، على الرّغم من الدعوات التي يطلقها بعضهم لنسيان الماضي والصفح عن الشمال في ما يتعلق بما اقترفه من أفعال خلال الحرب الأهليّة التي شهدها السودان.


لا تزال الشّكوك تساور الكثير من سكان جنوب السودان بشأن فرص التوصل لإتفاق سلام حقيقي، على الرّغم من الدعوات التي بدأ يطلقها بعضهم لنسيان الماضي والصفح عن الشمال في ما يتعلق بما اقترفه من أفعال خلال الحرب الأهلية التي شهدها السودان.

بما يتواكب مع مساعي تحقيق السلام، ولا سيما بعد الإنتهاء من عملية التصويت في الإستفتاء الخاص بتحديد مصير الجنوب والإنفصال عن الشمال، قال دان إيفي، المراقب المخضرم لشؤون السودان والذي يعمل في مجال الإغاثة بالبلاد منذ العام 1987: quot;يفترض أن أكون خبيرًا في الشأن السوداني. ومع هذا، لم أكن أعتقد أن يتحقق ذلك يومًا ما. وقد كنت متأكدًا في حقيقة الأمر من أن حربًا أخرى ستندلع قبل أن يحرروناquot;.

بعد مرور 22 عامًا من الحرب الأهلية ndash; التي توصف بالصراع الأطول في القارة الإفريقية ndash; والتي راح ضحيتها مليوني شخص ونزح بسببها 4 ملايين شخص آخرين، ها هو جنوب السودان يقف الآن على حافة الاستقلال، تبعًا لما أوضحته النتائج الأولية. وقال تيمون واني، أحد أعضاء اللجنة المسؤولة عن الاستفتاء، إن 99.9 % من الناخبين أدلوا بأصواتهم لصالح الانفصال في العديد من المقاطعات الجنوبية.

وتأكيدًا على أن هناك إمكانية لتحقيق سلام دائم في السودان، نقلت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية اليوم عن زاك فيرتين، المحلل في الشأن السوداني لدى مجموعة الأزمات الدولية التي يوجد مقرها في نيروبي، قوله: quot; سيحترم الشمال النتيجة التي سيتمخض عنها الإستفتاء. صحيح أن كثيرين في الشمال يشعرون بالحزن نتيجة لتلك الظروف، إلا أنهم مستسلمون الآن لواقع التقسيم. وفي وقت يبدي في الحزب الحاكم اعتراضه على الانفصال، فإنه يُركِّز بصورة متزايدة على تأمين مستقبله السياسي والاقتصادي في الشمال، في وقت لا تتّضح لمستقبله ملامحquot;.

ويعتقد فيرتين أن الشيء الأكثر أهمية الآن هو أن يقوم الطرفان (الشمال والجنوب) بإرساء أسس لعلاقة بنَّاءة في مرحلة ما بعد الاستفتاء. وأضاف: quot;يجب أن يتم استئناف المفاوضات على الفور لتحديد مجموعة من القضايا الهامة الرئيسية التي يجب أن تُحَل مثل المواطنة والجنسية وترسيم الحدود المشتركة وإدارة الموارد الطبيعية والأمن والأصول والمسؤوليات والعملة، وكذلك المعاهدات والالتزامات الدوليةquot;.

مخاوف حول استراتيجية واشنطن

في تقرير آخر لها، أكدت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور أن الإستفتاء الموثوق بنتائجه الذي أجري بطريقة سلمية نسبيًا الأسبوع الماضي في جنوب السودان سيدافع على ما يبدو عن سياسة الإدارة الأميركية الحالية بشأن السودان على مدار العامين الماضيين، مع أن أعضاء طاقم الرئيس السابق جورج بوش المنوط بالشأن الإفريقي، الذين ظلوا ينتقدون الرئيس باراك أوباما بشأن سياسته مع الملف السوداني منذ العام 2009، لا يزالون يثيرون المخاوف بشأن نهج البيت الأبيض.

وتبين أن النقاش المثار حاليًا حول إستراتيجية واشنطن تجاه السودان قد وَضَعَ أمرين على المحك، أولهما متعلق بطبيعة السياسة الأميركية في إفريقيا، والثاني متعلق بتوزيع السُمعَة حول ما يقال إنه أعظم انتصار دبلوماسي أميركي منذ تسعينات القرن المنصرم.

كما رأت الصحيفة أن بوش وغيره من المسؤولين الذين ساهموا في التوصل لإتفاق السلام الشامل العام 2005، والذي أنهى عقودًا من الحرب الأهلية في السودان وأرسى خططًا للاستفتاء، قد وضع تصوّرًا في البداية لإنتقال سلس لأوباما بشأن السودان. وبعد نجاحه مباشرةً في انتخابات الرئاسة، كتب جون دانفورث السيناتور الأميركي السابق والمبعوث الخاص للسودان، بشجاعة قائلاً quot;يمكن لإدارة أوباما أن تساعد في إنهاء العمل الذي بدأناه. ويمكن لواشنطن أن تساعد في إنقاذ اتفاق السلامquot;.

لكن سرعان ما طالت الإنتقادات الرئيس أوباما بشأن سياسته تجاه السودان، حيث تم تصويره على أنه غير إيجابي، ووصف معاونوه بأنهم مفككين في مواجهة التهديدات المتعلقة بتجدد الحرب الأهلية في السودان. وسبق لأندرو ناتسيوس، المبعوث الخاص لدى السودان إبان حقبة الرئيس جورج بوش، أن كتب في 2009 quot;تحول الخلافات الموجودة داخل إدارة أوباما دون إتمام جهود الولايات المتحدة الرامية إلى منع انزلاق السودان نحو حرب أهلية، في وقت كان يتوجب فيه توحيد الإدارة الأميركيةquot;.

جمهورية جنوب السودان

في غضون ذلك، نقلت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن مسؤولين جنوبيين قولهم إن جنوب السودان، التي أجري فيها أخيرًا استفتاء للانفصال عن الشمال، سيطلق عليها جمهورية جنوب السودان بعد الاستقلال. وعلى الرغم من أن الاسم لم يُطلق بعد بصورة رسمية، إلا أن أعضاء لجنة توجيهية بشأن الحكم في مرحلة ما بعد الإستقلال قالوا إن القرار، الذي اتخذ الأسبوع الماضي، من الممكن أن يتم الإعلان عنه قبل الرابع عشر من شهر شباط-فبراير المقبل، حين يتم الإعلان عن النتائج النهائية للإستفتاء.

في هذا الصدد، قال بنيامين ماريال وزير الإعلام لدى حكومة الجنوب والعضو باللجنة التوجيهية، التي تبحث عن اسم جديد للبلد الذي يتوقع ولادته في غضون أيام جنبًا إلى جنب مع عدة قضايا أخرى: quot;ينصب تفضيل الأغلبية لصالح جنوب السودان. ولدينا الآن نماذج مثل كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، وفيتنام الجنوبية وفيتنام الشمالية، وكذلك جنوب السودان وشمال السودان. وعلى الرغم من اقتراح عشرات الأسماء، إلا أن الاختيار قد وقع على جمهورية جنوب السودان بسبب الألفة والارتياح إلى الاسمquot;.

وأشار ماريال كذلك إلى أن هناك قرارات أخرى بحاجة لأن تُتَخذ، مثل اعتماد شعار رسمي للنبالة، وعلم وطني، ونشيد وطني. وأضاف quot;هناك أشياء كثيرة ينبغي أن يتم تغييرها. لكن إن كان سكان الجنوب مستقبلاً يرغبون في اسم جديد، فستتاح لهم تلك الفرصةquot;.