تسونامي سياسي هز العالم وسمر عيون المشاهدين الأميركيين أمام شاشات التلفزة لما رأوه من حشود مؤلفة من الناس وهي تجتاح شوارع مصر جراء المظاهرات السياسية التي عمت البلاد كافة مطالبة بصوت واحد بالتغيير والإصلاح السياسي والإجتماعي الجذري في الدولة ومطالبين الحكومة بالرحيل متهمين إياها بسرقة المال العام والوصول بالشعب إلى حافة الفقر وعلى رأسهم الرئيس حسني مبارك الذي طالبته بالتنحي عن الحكم وتغيير الدستور المصري الذي يؤهل احتكار السلطة للحاكم. ما جعل الحكومة الأميركية تعيد حساباتها مرة أخرى، وتبقى على حالة الإنتظار والترقب لما قد تؤول له الأحداث في الأيام المقبلة.


متظاهرة تحمل العمل المصري خلال مظاهرة في واشنطن

أجمع محللون سياسيون في الولايات المتحدة الاميركية على أن ما يحدث في مصر هو ميلاد جديد وتغيير حقيقي لن يسمح بعودة الساعة إلى الوراء. فمصر اليوم هي ليست مصر الأمس. والحكومة المصرية انتهت ولابد من ادخال دماء جديدة، وثقافة جديدة تحمل معنى الفكر المتطور الجديد الذي يسمح لجميع أطياف المجتمع المصري في صنع القرار والمشاركة فيه.

وكان البيت الأبيض قد أصدر بيانا عقب إجتماع جمع الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس جو بايدن ومستشاره للأمن القومي تووم دويتون شدد فيه على ضرورة ضبط النفس من قبل الحكومة المصرية ومعارضة ممارسة العنف على المتظاهرين وتأييدها للحقوق العالمية واجراء اصلاحات سياسية واسعه.

وقد ذهبت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية إلى أن الجيش المصري الذي أهل بمليارات الدولارات عن طريق التدريب الأميركي والتكنولوجيا الحديثة، يمنح المسؤولين الأن فرصة معرفة إذا ما كانت استثماراتهم في بناء مؤسسة متماسكة اجتماعيا أو أنها مؤسسة لتتحول إلى معارضة للحكومة.

ومنذ الساعات الأولى للثورة والإدارة الأميركية تراقب عن كثب ما يدور لحظة بلحظة باهتمام وقلق محذرة من استخدام القوة والعنف في قمع المتظاهرين واستخدام الإسلحة ألأميركية الصنع في ذلك.

وقالت الصحيفة إن في حال استخدام الأسلحة الأميركية الصنع كالدبابات والطائرات المروحية الأميركية الصنع من قبل الجيش في قمع الناس وقتل المحتجين، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستخسر كثيرا وذلك أن أية مواجهات تحصل بأسلحة أميركية ستؤدي إلى تأليب الشارع المصري والعربي بشكل عام على الولايات المتحدة.
وقد حذرت هيلاري كلينتون اخيرا في بيان امام وسائل الإعلام المتلفزة من مغبة ما يحدث وطالبت الرئيس حسني مبارك بالإستجابة لمطالب الشعب واجراء انتقال منظم وسلس.

محرز الحسيني: سقوط نظام مبارك إيذانا بسقوط جميع الأنظمة غير الديمقراطية

File photo of Hosni Mubarak and Barack Obama ...
ألرئيسان أوباما ومبراك خلال لقاء في البيت الابيض- آب 2009

مدير المركز العربي الأميركي للحوار والدراسات الإستراتيجية وناشر ورئيس تحرير جريدة المنصة العربية الصادرة من نيو جيرسي الدكتور محرز الحسيني قال إن ما يحدث اليوم في مصر هو ميلاد جديد للشعب المصري الذي استيقظ أخيرا من حالة سباته. وان المواطن المصري اليوم أصبح لديه وعيا سياسيا مؤكدا في الوقت ذاته أن النظام المصري فقد شرعيته منذ الساعة التي طالبه الشعب بالتنحي وليست إلا مسألة وقت للإعلان عن ساعة الرحيل. فجميع المؤشرات تدل على ذلك. محذرا جميع الأنظمة غير الديمقراطية من مواجهة نفس المصير.

ويعتقد الحسيني بأن ما قام به الرئيس مبارك من تغييرات في جهاز الحكومة وتكليف حكومة جديدة ما هو إلا ترقيع والمطلوب هو التغيير الجذري للنظام ليس فقط في المؤسسة الحاكمة وإنما في الدستور أيضا. معتبرا أنه لابد من تعديل الدستور المصري بشكل يسمح بحرية انتخاب وحرية ترشيح وتأمين الديمقراطية للشعب وتشكيل حكومة ائتلافية تمثل كل أطياف المجتمع المصري.

وندد مدير المركز العربي الأميركي بسحب الجيش المصري والشرطة من الشوارع معتبرا إياها جريمة وخيانه في حق الشعب المصري الأعزل الذي ترك وحيدا بدون حماية لمواجهة اللصوص وقطاع الطرق وأنه لابد من محاكمة القائمين على ذلك.

ابراهيم عويس المطلوب التغيير في الدستور وتشكيل حكومة انقاذ وطني

أما المحلل السياسي الدكتور ابراهيم عويس والذي كان قد حذر مرارا وتكرارا مما قد يحدث في مصر quot; ثورة الجياعquot; كما يطلق عليها، إعتبر أنها بركان حقيقي وانفجار خلّف ما نراه اليوم من حشود مؤلفة من الشعب المصري الذي تعب على مدار أكثر من ثلاثين عاما. مشيدا بتعامل الجيش المصري مع الناس والذي أثبت أنه مؤسسة اجتماعية متلاحمة مع الشعب فيما أثبتت الشرطة أنها مؤسسة قمعية في حق الشعب وذلك من خلال تعاملها مع المتظاهرين الذين خرجوا للتعبيرعن غضبهم بطريقة سلمية .ويعتقد عويس بأن تصريح الرئيس باراك أوباما الأخير ينطلي على عدم رضى الولايات المتحدة عما يجري في مصر في هذه الظروف الصعبة، اذ ليس من مصلحتها أو مصلحة مصر ما يحدث. ومصر الذي يبلغ تعدادها حوالي 85 مليون لها وضع خاص في أفريقيا وفي الوطن العربي. واستقرارها يعني إستقرارا للمصلحة الأميركية في العالم العربي.

ويرى عويس بأن اختيار عمر سليمان كنائب لرئيس الجمهورية لا يعد تغييرا جذريا على الرغم من أنه يلغي عملية التوريث وهذا مطلوب وجيد. ولكن المطالب الشعبية تطالب بتنحي الرئيس ومحاكمته ومن معه وتغيير النظام ككل. وعمر سليمان هو أحد رموز هذا النظام مما يجعل بقاء النظام، واستكمال ما يحدث من استغلال وقمع ولكن بوجوه جديدة. ويضيف عويس ان التغيير غير كاف ولا يلبي مطالب الشعب المصري الذي تزداد مع مرور الوقت، مشيرا إلى أن الرئيس إذا لم يتنح بطريقة سلمية فمن الممكن أن يتم تنحيته بطريقة قسرية وربما تكون هناك فوضى عارمة. وذلك على حد تعبيره.

أما عن البرادعي فيعتقد عويس بأنه يمتلك دعما من الشعب المصري والدول الأوروبية أكثر من الولايات المتحدة كي يمتلك زمام الأمور في مصر في الوقت الحالي للخروج من الأزمة بسلام كما أنه يمتلك عقلية منفتحة على المجتمعات الغربية ومن الممكن أن يحدث تغيير على الأقل في الوقت الراهن.

كلوفيس مقصود: معاهدة السلام هي ما يحكم استراتيجية أميركا تجاه مصر

Obama calls regional leaders to discuss Egypt ...
التظاهرات مستمرة في مصر لليوم السابع على التاولي

من جهته أكد الدكتور كلوفيس مقصود السفير السابق للجامعة العربية بأن ثورة مصر اليوم هي quot;ثورة الشباب الملهمةquot; التي ستفرض الوحدة بين أقطاب قوى المعارضة وهي التي توحد كلمة الشعب. لذلك يجب على الأحزاب المعارضة أن تراجع حساباتها وأن يتم لحمة الشعب المصري مع جميع الأحزاب اليسارية والدينية لشكيل حكومة انقاذ وطني.

كما يرى مقصود بأن ما حدث في مصر أصاب الولايات المتحدة الأميركية بالذهول فقد كانت مفاجأة صادمه لذلك قامت الإدارة الأميركية بعمل خطاب ملتبس يؤيد الإنفتاح والشفافية والديمقراطية وإلى حد ما الحماية. وطالبت الحكومة المصرية بألإستجابة لمطالب الشعب والعمل على التغيير والإصلاح، ومن جهة أخرى فان أولويتها ليست ديمقراطية الشعب المصري التي قد تؤدي إلى تغيير في السياسة في الشرق الأوسط وخاصة معاهدة الصلح مع اسرائيل التي ستكون مهددة وهذا هو المفتاح الحقيقي للمساندة فأمن اسرائيل جزء ثابت في السياسة الأميركية.

وفي ما يخص البرادعي فيرى مقصود بأن البرادعي هو أحد رموز المعارضة المستجدة ولكنه ليس متجذرا في مصر كونه مقيم في الخارج فهو يذهب ثم يعود والعمل السياسي يحتاج إلى استقرار في البلد.

تأييد من النقابات والجمعيات واللجان الشعبية

من جهة أخرى ما أن أعلنت المظاهرات في مصر حتى خرج المصريون في بعض الولايات الأميركية في مظاهرات حاشدة أمام السفارات والقنصليات المصرية تأييدا لأخوانهم وأهلهم في مصر. وقد شاركت الجموع من المصريين في المظاهرات مطالبين بتنحي الرئيس حسني مبارك وخروج النظام من مصر.

نادين عبد الوهاب والتي تعمل في الجمعية المصرية للتغيير في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية واشنطن دي سي تقول:quot; خرجنا للمظاهرات مع الناس وكنا حوالي 2000 شخص للتنديد بالنظام المصري وما فعلوه بالمتظاهرين السلميين ونطالبهم بالخروج من مصر.quot; وتكمل: quot; ما يحدث اليوم في مصر هو جريمة في حق الشعب المصري. ونحن لا نريد تغيير وجوه وكراسي فقط نحن لا نريد النظام ككل.quot;

وفي هذا الإطار ترى نادين بأن البرادعي هو أفضل الوجوه الموجودة على الساحة لإستلام الحكم الأن. فهو عقلية منفتحة ولديه الكثير من الخبرات التي قد تأهله لقيادة المرحلة الحالية.

من جهة أخرى أصبح الحدث في مصر هو الحدث الابرز الذي يسيطر على حديث الشارع العربي وحديث الصالونات العربية في أميركا لما شكله من صدمة قوية لم تكن متوقعة على الأقل بهذه السرعة فلم يستفق الشارع العربي الأميركي من صدمة أحداث تونس حتى تلتها أحداث مصر بأيام قلائل. ويسود القلق بين أفراد الجالية المصرية وبعض أفراد الجالية الفلسطينية الذين لديهم أهل يعيشون في مصر. كما أكد بعض مدراء مكاتب حجوزات الطيران بأنه حتى الأن لم تتأثر الحجوزات كثيرا آملين أن تحل المشاكل سريعا لأنها بالتأكيد ستؤثر على عملهم فالكثير من المصريين في انتظار ما ستؤول له الأمور في المستقبل والكثير من السواح العرب الأميركيين يفضلون الذهاب في الصيف إلى مصر وخصوصا شرم الشيخ والغردقة.