في مؤشر الى تخبط استراتيجية القذافي التفاوضية اليائسة التي أقنعت وزراء بريطانيين بأن نهايته حتمية، أبلغ الزعيم المخلوع بريطانيا في رسائل سرية بأنه مستعد لإطلاق عملية سياسية يصبح في نهايتها رمزا للدولة على غرار ملكة بريطانيا دون أن يكون له سلطة، الأمر الذي رفضه الثوار.

دايفيد كاميرون إلى جانب مصطفى عبد الجليل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء زيارتهما إلى ليبيا

لندن: كشف تحقيق صحافي أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون واجه معارضة من داخل حكومته والاستخبارات الخارجية ضد قراره التدخل العسكري في ليبيا.

وقالت صحيفة الغارديان إن المقابلات التي أجرتها في إطار التحقيق مع مسؤولين كبار في الحكومة البريطانية أظهرت أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي أكد لبريطانيا أن خلايا نائمة مستعدة للانتفاض في طرابلس ما إن يدخلها الثوار. وأقرت مصادر في وزارة الدفاع ان بريطانيا قدّمت دعما لوجستيا للثوار في العاصمة وفي جبال نافوسة بما في ذلك تنفيذ عمليات قصف مهّدت الطريق أمام الثوار للنزول من الجبال صوب طرابلس.

كما تبوّأت بريطانيا موقع الصدارة في المطالبة باستخدام العمليات العسكرية للضغط على معمر القذافي في الغرب. وكان الفرنسيون الذين قادوا الدعوة الى فرض منطقة حظر جوي يعتقدون أن بالامكان إسقاط القذافي انطلاقا من بنغازي في الشرق. وتحدث وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس عن تغير الموقف بوصفه quot;انعطافا نحو الغربquot; ، وهذا ما أكده ايضا رئيس الأركان البريطاني السير ديفيد ريتشاردز.

كما أظهر التحقيق أن القذافي ابلغ بريطانيا في رسائل سرية وجهها الى وزارة الخارجية بأنه مستعد لإطلاق عملية سياسية يصبح في نهايتها رمزا للدولة على غرار ملكة بريطانيا.

وفي مؤشر الى تخبط استراتيجية القذافي التفاوضية اليائسة التي أقنعت وزراء بريطانيين بأن نهايته حتمية ، لفت الزعيم المخلوع الى ان عمره في السلطة بقدر عمر الملكة على رأس الدولة ولكنه مستعد للقيام بدور فخري مثلها. وقال احد الوزراء البريطانيين للغارديان ان القذافي وافق على quot;ان يكون رئيسا بلا سلطة ، ولا حتى في السلطةquot; مضيفا ان هذا لم يكن مقبولا للثوار.

وتوصل التحقيق الى ان رئيس الوزراء البريطاني تجاوز التحفظات التي أبداها أعضاء في حكومته وأقدم على واحدة من أكبر المقامرات منذ توليه رئاسة الحكومة لمطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يجيز استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين. من جهة أخرى كان وزير العدل كينث كلارك يعتقد ان التقسيم هو quot;الشيء المنطقيquot;.

كما ان جهاز الاستخبارات الخارجية أم 6 نظر بارتياب الى جدوى العمل العسكري داعيا الى مواصلة التعامل quot;مع الشيطان الذي نعرفهquot;.

ونقلت صحيفة الغارديان عن وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس ان العالم كان quot;يبعد 48 ساعة عن مشاهدة كارثة انسانية تقعquot; في بنغازي قبل بدء العمليات الجوية الاميركية والفرنسية والبريطانية.

كما كشف التحقيق ان الولايات المتحدة التي كانت تشك في جدوى منطقة الحظر الجوي طالبت في نهاية المطاف بقرار أشد حزما من مجلس الأمن الدولي. وأدّى هذا الموقف الى صدور القرار 1973 في آذار/مارس الذي أجاز استخدام quot;كل الوسائل اللازمةquot; لحماية المدنيين. وقال فوكس quot;ان عملية حلف شمالي الأطلسي كانت متعذرة من دون مساهمة الاميركيينquot;.

وكان عرض القذافي بأن يكون رئيسا شكليا زائد المعلومات الاستخباراتية من طرابلس من أسباب بقاء وزير الخارجية وليام هيغ على اقتناع بأن استراتيجية quot;المعصرة العسكريةquot; ستنجح في خلع القذافي. وحذر هيغ الذي وصف الربيع العربي بأنه أهم حدث في القرن الحادي والعشرين ، من ان عواقب وخيمة ستترتب على فشل بريطانيا وفرنسا في إقناع مجلس الأمن بالموافقة على العمل العسكري.

واكد مسؤولون بريطانيون كبار قابلتهم صحيفة الغارديان ان بريطانيا وفرنسا ربما كانتا ستقومان بعمل عكسري حتى من دون قرار يصدره مجلس الأمن على أساس درء وقوع كارثية انسانية.

وقام مسؤولون باطلاع وزير التنمية الدولية اندرو ميتشل على الدروس التي استخلصتها الحكومة البريطانية من تجربة العراق ما ان طلب منه كاميرون ان يعد خطة لإعادة الاستقرار بعد سقوط القذافي. وقدم ميتشل خطة ذات خمس نقاط لتفادي أخطاء العراق. وتشكل هذه الخطة الآن أساس مشاريع المجلس الانتقالي الليبي ، بحسب تحقيق الغارديان.

وأثنى ميتشل على كاميرون لتجاهله المنتقدين الذين قالوا ان الحملة العسكرية لن تنجح. واشار الى ان كاميرون كان محقا من البداية لأنه قال quot;إننا لايمكن ان نسمح بوقوع مجزرة في بنغازيquot;. وقال جميع الخبراء الذين كانوا يتابعون الوضع من مسافة بعيدة ان إسقاط النظام لن يتحقق من الجو فيما قال الاميركيون ان العملية ساذجة ، لكن كاميرون ظل متمسكا بموقفه ، بحسب وزير التنمية الدولية البريطاني.