فيما تتصاعد درجة العنف في سوريا يتخوف الكثير من المراقبين من إمكانية ذهاب البلاد إلى الحرب الاهلية ما سيزعزع استقرار المنطقة بأكملها، وتزداد المخاوفبعد فشل مجلس الأمن ومبادرة الجامعة العربية الأخيرة في نزع فتيل الأزمة.


من جلسة الجامعة العربية الطارئة التي عقدت لمناقشة العنف المتصاعد في سوريا

تشهد الثورة الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد اشتباكات مسلحة وعنفا متزايدا بين المتظاهرين وقوات الأمن، الأمر الذي يقلق النشطاء والدبلوماسيين من تصاعد العنف إلى نقطة اللاعودة.

في هذا السياق، تناولت صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot; أعمال القنص والقتل التي تشهدها الشوارع السورية، والتي تعتبر الأكثر حدة منذ بدء الاحتجاجات السورية قبل سبعة اشهر. وتناولت الصحيفة خبر اغتيال ضابط الاستخبارات العسكرية على يد القناصة يوم الثلاثاء في محافظة ادلب، مشيرة إلى أن هذا الحادث يأتي بعد ارتفاع مستويات العنف وأعمال القتل والتفجيرات إلى مستويات جديدة على الرغم من الجهود التي يبذلها زعماء المعارضة في سوريا للحفاظ على سلمية الاحتجاجات.

من جانبها، قتلت القوات الحكومية 11 شخصاً على الأقل، يوم الثلاثاء واعتقلت العشرات في البلدات المحيطة بدمشق، وفقا للجان التنسيق المحلية. وسبق ذلك غارات شنتها القوات العسكرية اليوم الاثنين أدت إلى مقتل 32 شخصاً، من ضمنهم نحو 24 قتيلا في مدينة حمص، حيث واجهت الحكومة مقاومة شرسة من قبل الجنود المنشقين والمدنيين المسلحين.

يتجاوز اليوم عدد الضحايا في سوريا الـ 3000 قتيل، وفقاً لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، التي حذرت الجمعة من أن استمرار عمليات القتل سيؤدي إلى quot;حرب أهلية شاملة.quot;

وقال سفير الولايات المتحدة لدى سوريا روبرت فورد إن إدارة أوباما تبحث عن سبل للمساعدة على تشجيع المعارضة السورية للحفاظ على سلمية تحركاتها وسط تزايد إراقة الدماء. واعتبر فورد أن الحكومة السورية لا تزال قوية جداً بحيث لا يمكن هزمها من قبل المعارضة المسلحة، والسوريون واعون الى عدم التسبب بتصدع طائفي بين غالبية السكان من السنة والطائفة العلوية الأقلية التي ينتمي اليها الأسد.

بدلاً من ذلك، رأى السفير الأميركي أن المعارضة ينبغي أن تقوم بجهود كبيرة من أجل تعزيز قضيتها السياسية لجذب المزيد من السوريين. وقال إن الولايات المتحدة تعتزم توسيع العقوبات للضغط على النظام السوري، وتعمل مع البلدان الأوروبية والعربية، وتركيا وغيرها لزيادة الضغوط على الأسد.

لكن النشطاء يرون أن الجهود الدبلوماسية متعثرة، وذلك لأن محاولات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض عقوبات قوية ضد سوريا تواجه عراقيل من قبل الصين وروسيا. كما أن الدول العربية اجتمعت يوم الاحد الماضي وحاولت ممارسة ضغوط دبلوماسية على الأسد، لكنها لم تخطط للقيام بإجراءات عقابية ضد نظامه.

وقال بيتر هارلينج، مدير مجموعة الازمات الدولية في دمشق: quot;هناك تردد وإحباط ويأس شديد على أرض الواقع، والجميع ينتظر حلاً، سواء أكان ذلك في انقلاب عسكري، أو انهيار اقتصادي أو ضغط من قبل المجتمع الدولي. الجميع بحاجة ماسة إلى حل ماquot;.

وأضاف هارلينغ : quot;إن النظام يرفع تكلفة الاحتجاجات السلمية لدفع الناس للتوقف والعودة إلى بيوتهم، فيكون الرابح، أو إجبارهم على المتابعة واللجوء إلى المواجهة المسلحة، وفي هذه الحالة يكون الرابح أيضاًquot;. يشير زعماء المعارضة، الذين طالبوا المجتمع الدولي في أواخر الشهر الماضي بحماية المدنيين السوريين، إلى أن عدم الاستجابة إلى مطالبهم ولّد إحباطاً في الشارع السوريquot;.

quot;لقد أصبح من الصعب ثني المتظاهرين عن ممارسة العنف، لأنهم يلمسون عدم تجاوب من قبل المجتمع الدولي أو الجهات الاقليميةquot;، قال ياسر طبارة، عضو في المجلس الوطني السوري، مضيفاً: quot;لكننا لم نقرر الانتقال إلى المواجهة المسلحة حتى الآنquot;.

وبينما يعترف الناشطون عموماً بأعمال العنف التي تحصل في سوريا، يتهم البعض المجرمين أو تجار المخدرات بممارسات هذه الأعمال، في حين يعتبر آخرون أن النظام الأمني التابع للاسد يحرّض السوريين لتقسيم صفوف المحتجين. لكن البعض الآخر من الذين فقدوا أحباءهم أو يريدون حماية عائلاتهم، يدعمون الجنود المنشقين ويتسلّحون بالبنادق وقاذفات القنابل الصاروخية.

وقال محللون إن اللجوء إلى المقاومة المسلحة في سوريا من شأنه أن يخلق أزمة أكثر تعقيداً في المنطقة. ومن المرجح أن تُستدرج القوى الاقليمية بما فيها تركيا والمملكة العربية السعودية إلى الحرب في سوريا، بوصفها ساحة للصراعات الإقليمية بين حلفاء الغرب العرب وإيران، الأمر الذي سيهدد الاستقرار الطائفي في العراق ولبنان.

وتتصرف القوى الإقليمية والدولية بحذر بالغ لتمنع نفسها من الانجراف، كما يدرك الدبلوماسيون أنه في حال شن أي عمل دولي ضد سوريا، ستستخدم دمشق هذا التدخل كحجة لتعزيز مزاعمها بأن ما يجري في شوارعها هو تنفيذ لمخططات المتآمرين الأجانب.

وقال دبلوماسيون إن حلفاء الولايات المتحدة الاوروبيين والعرب يتفقون على ضرورة تركيز جهودهم على مساعدة المعارضة لتوحيد صفوفها ووضع خارطة طريق لسوريا بعد الاسد، الأمر الذي من شأنه أن يولد مزيداً من الدعم السياسي لحركتهم.

في اجتماع طارئ يوم الأحد الماضي لبحث الأوضاع في سوريا، طلبت جامعة الدول العربية من حكومة الأسد إجراء محادثات مع المعارضة في القاهرة، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غضون 15 يوماً.

وأشار اقتراح الجامعة العربية إلى أن دمشق لم تعد قادرة على التعامل مع الأزمة من تلقاء نفسها، الأمر الذي يؤكد العزلة المتنامية لسوريا في المنطقة. وقال مصدر دبلوماسي عربي إن quot;الاقتراح بأن يتحاور النظام السوري مع المعارضة في القاهرة بدلاً من دمشق يشكل دلالة مهمة، وهذا لا يعني أن النظام سيسقط غداً، ولكن هذا تغير دبلوماسي كبيرquot;، لكن الحكومة السورية رفضت مبادرة جامعة الدول العربية، واتهمت quot;الدول العربية الشقيقةquot; بتمويل الجماعات المسلحة داخل سوريا.

ويقول نشطاء في سوريا إن الدبلوماسية البطيئة تشعرهم باليأس من إمكانية تحقيق أهدافهم بالطريقة السلمية. وتساءل أحد المتطوعين في مستشفى مدينة درعا الجنوبية: quot;كيف يمكن التحكم في شاب رأى خمسة من أقاربه يقتلون على يد النظام السوري ويريد الانتقام؟