استبعد محللون سياسيون توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران لأسباب منها صعوبة وصول إسرائيل إلى أهدافها وتأثير اي ضربة للمنطقة على مصالح الغرب، موضحين أن التصعيد الأخير يسعى إلى مكاسب سياسية والضغط باتجاه فرض مجلس الأمن عقوبات أكثر صرامة على طهران.
إستبعد محللون سياسيون إمكانية إقدام إسرائيل أو أميركا على توجيه ضربات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، وأشاروا إلى أن التصعيد الإعلامي والسياسي الذي تشنه تل أبيب وواشنطن ضد طهران، يهدف إلى الضغط عليها لتقديم تنازلات، وإيقاف السير قدماً في التسليح النووي، فضلاً عن حصول إسرائيل على مكاسب عسكرية وإقتصادية من أميركا وأوروبا.
مكاسب سياسية
وحسب وجهة نظر الدكتور مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية التي شرحها لـquot;إيلافquot;، فإن هناك مبدأ متعارفا عليه في العلوم الإستراتيجية يؤكد أن أية نزاعات عسكرية تهدف بالأساس للحصول على مكاسب سياسية.
وأضاف أن التصعيد الإعلامي والسياسي ضد إيران هذه المرة يختلف عن المرات السابقة، لكنه يستهدف الحصول على مكاسب سياسية، وأوضح أن إسرائيل تسعى لأن يكون الملف النووي الإيراني هو الملف رقم واحد دولياً، لاسيما أن إيران ربحت الكثير من الوقت منذ انتهاء المفاوضات مع الوكالة الدولية والإتحاد الأوروبي منذ عامين، تمكنت خلالهما من تطوير برنامجها بشكل تراه إسرائيل خطراً على أمنها.
وأشار إلى أن تل أبيب تسعى من وراء التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران إلى توجيه نظر أميركا والدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وإنكلترا نحو إعادة الملف إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات أكثر صرامة ضد طهران من العقوبات التي تضمنها القرارات السابقة أرقام 1737 و1747 و1803 و1927، بحيث تشمل الحصار الإقتصادي والعسكري إن أمكن.
إسرائيل غير قادرة على ضرب إيران
ولفت اللباد إلى أن إسرائيل قامت بعملية تسخين سياسي وإعلامي للملف النووي الإيراني عبر التهديد باستخدام القوة المسلحة ضد المحطات النووية الإيرانية، بهدف الضغط على المجتمع الدولي لفرض عقوبات على إيران، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع القيام بضربات جوية ضد إيران، موضحاً أن هناك عدة أسباب تحول دون ذلك، منها: توزع المحطات النووية الإيرانية في عموم الجغرافيا الخاصة بالدولة وإحاطتها بسياج صلب من السرية، عدم قدرة القوات العسكرية الإسرائيلية على الوصول إلى أهدافها بسهولة. وهناك معارضة شديدة من بعض الدول الكبرى لتلك الخطوة، وفي حالة حدوث الضربات سيشتعل الشرق الأوسط بما يؤثر في مصالح الغرب. كما ليست هناك معلومات مؤكدة حول حصول إيران على القنبلة النووية.
تهويل بشأن قدرات إيران النووية
وأعرب اللباد عن إعتقاده أن هناك بعض التهويل بشأن قدرات إيران النووية، رغم أنها تعمل في برنامجها منذ ثلاثة عقود، موضحاً أن أطرافاً غربية تقول إن إيران تقترب من امتلاك رأس نووي، ما يهدد احتكار إسرائيل هذا السلاح. لكنه أكّد أن ذلك ليس كافياً لإعلان إيران دولة نووية، لأن ذلك يتطلب إمتلاكها ثلاث رؤوس على الأقل، وصواريخ باليستية قادرة على حمل تلك الرؤوس إلى أهدافها بدقة، وتوفير الحماية لتلك الصواريخ، وهو ما لم تصل إليه إيران حتى الآن.
ويستبعد اللباد أن تكون تلك الضغوط تهدف بالأساس إلى فك الإرتباط بين إيران وسوريا، مشيراً إلى أن الملف الإيراني معقد جداً، لأنها تتعامل مع محور غير مستقر سياسياً، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان وحزب الله وتحالف 14 آذار. وأوضح أن هذا المحور الآن صار في موقع الدفاع أو رد الفعل، ويتعرض للحصار دولياً، فالنظام السوري يعاني إنتفاضة شعبية وضغوط خارجية، ومن جهتها تعاني قوى 14 آذار وحزب الله اللبناني ضغوط المحكمة الدولية في مقتل الحريري، اما العراق فيرزح تحت عبء إضطرابات سياسية وأمنية.
فرصة ذهبية لخنق إيران
ووفقاً للدكتور أسامة نور الدين الخبير في الشؤون الإقليمية فإن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران والتهديد بتوجيه ضربات جوية ضد أهداف نووية، يمكن قراءته من أكثر من زاوية، مشيراً إلى أن إسرائيل وأميركا تعتقدان أن التوقيت الراهن يمثل فرصة ذهبية لتضييق الخناق على إيران للتخلي عن برنامجها النووي العسكري. لكنه استبعد إمكانية قيام أي من الدولتين باستخدام القوة العسكرية لحل تلك المسألة.
وقال نور الدين لـquot;إيلافquot;: إن توقيت التصعيد مهم جداً، لاسيما بعد الأزمة الدبلوماسية التي تعرضت لها إيران في أعقاب الكشف عن محاولة اغتيالها السفير السعودي في واشنطن، وحدوث توتر في العلاقات بين إيران من جانب وأميركا والسعودية من جانب آخر، فضلاً عن تعرّض إيران لانتقادات عديدة من الشعوب العربية وبعض الحكومات، بسبب موقفها الداعم للنظام السوري في مواجهة الإنتفاضة الشعبية المشتعلة ضده منذ منتصف آذار (مارس) الماضي، لاسيما بعد ورود تقارير حقوقية تفيد بمشاركة قوات من الحرس الثوري الإيران في أعمال القمع والقتل بحق المتظاهرين السوريين السلميين. بالإضافة إلى معاناة إيران من أزمات إقتصادية وإجتماعية داخلية متصاعدة.
العمل العسكري مستبعد
وأرجع نور الدين عدم وصول التهديدات إلى حد الإستخدام الفعلي للقوة العسكرية ضد إيران، إلى عدة أسباب، أوجزها في التالي:
- سبق أن كررت إسرائيل السيناريو نفسه مرات عديدة في السابق، وحصلت على مكاسب عسكرية واقتصادية من أميركا وأوروبا، بحجة دعمها في مواجهة القوة الإيرانية المتصاعدة.
- تدرك إسرائيل جيداً أن توجيه أية ضربة إلى إيران سيكون له عواقب وخيمة على أمنها، لاسيما أنها تعلم أن لدى إيران قدرات عسكرية يمكنها أن تصل إلى عمق تل أبيب، وتوجه إليها ضربات موجعة.
- لدى أميركا جنود يقدر عددهم بعشرات الآلاف في العراق، وإيران قادرة على توجيه ضربات قاصمة إليهم في أية لحظة.
- يعاني الإقتصاد الأميركي أزمات شديدة، كما أن الرئيس باراك أوباما يعاني تدهور شعبيته بشكل حاد، في الوقت الذي صارت الإنتخابات الرئاسية على الأبواب.
حصار إيران ومساعدت عسكرية لإسرائيل
ولكن ما الأهداف الحقيقية من وراء التصعيد والتهديات العسكرية؟ ويجيب نور الدين بالقول إن التصعيد يسعى إلى تحقيق عدة أهداف: أولها:
- الحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي، والإكتفاء بامتلاكها التكنولوجيا النووية، لاسيما أن أميركا لديها يقين أن طهران صارت تمتلك التكنولوجيا، لكنها لا تمتلك السلاح النووي.
- عرقلة حدوث أي تواصل إسلامي بين إيران ودول الربيع العربي التي تشهد صعوداً للتيارات الإسلامية فيها، وعرقلة أية محاولات لتصدير التكنولوجيا النووية إلى أي من تلك الدول مستقبلاً.
- العمل على التصعيد دولياً بما يعود بالملف الإيراني إلى الواجهة من جديد، وفرض حصار إقتصادي على إيران، لإحداث أزمات داخلية، تفضي إلى ثورة شعبية على غرار الربيع العربي تطيح بحكم الملالي. ويعزز تلك الفرضية أن إيران تعاني أزمات إقتصادية طاحنة، وإضطرابات سياسية منذ إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. ويقول نور الدين إن إسرائيل ستحصد في الوقت ذاته مكاسب جمة في صورة مساعدات عسكرية أميركية، وإقتصادية من أوروبا لمواجهة مزاعمها حول وجود خطر إيراني على أمنها.
واستبعد نور الدين أن يكون لتلك الضغوط علاقة بالملف السوري، مشيراً إلى أن أميركا ودول أوروبا ليست لديهم الرغبة في تغيير النظام السوري، بل يسعون لإطالة عمره، وإلا كانوا تعاملوا معه بالطريقة ذاتها التي تعاملوا بها مع القذافي.
لا شيء مستبعد
ويرى الدكتور نبيل عزت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة أن لا شيء مستبعد في عالم السياسة. وقال لـquot;إيلافquot; إن إيران ليست في أفضل أحوالها في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنها تعاني أزمات داخلية وخارجية شديدة، ولديها علاقات متوترة مع جيرانها في الخليج، لاسيما السعودية، ويمكن أن تستغل إسرائيل تلك الأجواء لتوجيه ضربة ضد أهداف نووية في حالة الحصول على الضوء الأخضر من أميركا.
وأضاف عزت لـquot;إيلافquot; أن من المستبعد أن تمنح أميركا إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بذلك، لاسيما في ظل تصاعد النفوذ الإيراني في العراق، كما أن قدرات إيران العسكرية لا يستهان بها. وينبه عزت إلى أن الحقيقة الساطعة الآن، هو سعي إسرائيل إلى عرقلة حصول إيران على القنبلة النووية بأي شكل، لكنها سوف تصعد القضية دولياً بحيث يتم فرض عقوبات قاسية على إيران أولاً، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن استبعاد استخدام القوة العسكرية، ولو في وقت لاحق.
التعليقات