اتفق أعضاء مجلس الرئاسة العراقية اليوم على البدء باتصالات مع كل القوى السياسية في البلاد لعقد اجتماع قمة يهدف إلى التوصل إلى مشروع وطني، ينهي خلافاتها، ويجنّب البلاد تبادل الاتهامات بشكل يؤثر سلبًا في الوضع الأمني في البلاد، ويعبر بها إلى مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، الذي يستكمل في نهاية الشهر المقبل.


قمة تدعو إليها الرئاسة العراقية

أسامة مهدي: جاء ذلك خلال اجتماع عقده الرئيس جلال طالباني مع نائبيه طارق الهاشمي وخضير الخزاعي، بحثت خلاله القضايا الراهنة في البلاد، حيث quot;تم التأكيد على بذل الجهود لتقوية تحالف القوى السياسية واتخاذ الإجراءات المحكمة والفاعلة لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، والبدء بالاتصال مع جميع رؤساء الكتل والقيادات السياسية، من أجل جمعهم في مؤتمر وطني عام، وصولاً إلى مشروع وطني شامل يلبّي رغبة العراقيين في المرحلة المقبلة، والدخول إلى عهد جديد بشكل موحد ورصينquot;، كما قال بيان رئاسي عقب الاجتماع.

وستشهد البلاد في نهاية الشهر المقبل انسحاب كل القوات الأميركية من العراق، بحسب الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في أواخر عام 2008، والتي تنص على وجوب سحب قوات الولايات المتحدة كافة من كل الأراضي والمياه والأجواء العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول (ديسمبر) من العام الحالي 2011، والانتقال بعلاقات البلدين من التعاون العسكري إلى التعاون السياسي والعلمي والاقتصادي والدبلوماسي والثقافي والتكنولوجي.

يذكر أن الدعوة إلى القمة السياسية الجديدة، التي ستكون الرابعة، في حال عقدها منذ بداية الصيف الماضي، تأتي في وقت تشهد الساحة السياسية خلافات واسعة بين الكتل السياسية، لا سيما بين دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، والتي تشهد علاقاتهما تأزماً، بسبب الخلاف على تنفيذ بنود اتفاقية أربيل، التي وقعت بين الكتل السياسية في أواخر العام الماضي، وتشكلت بموجبها الحكومة العراقية، لكن بنودًا أخرى فيها لم تنفذ بعد.

وتتهم العراقية ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بالالتفاف على اتفاقيات أربيل، التي تشكلت بموجبها الحكومة الحالية في أواخر العام الماضي. فبعد مفاوضات شاقة، استمرت أشهرًا، بعد الانتخابات النيابية العامة، التي جرت في مطلع العام الماضي، توصلت الكتل السياسية إلى اتفاق لتشكيل حكومة شراكة وطنية، لكن الخلافات لا تزال قائمة بين كتلتي علاوي والمالكي، ولاسيما المتعلق منها بالوزارات الأمنية، وتشكيل المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية.

وكثيرًا ما اتهمت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي ائتلاف المالكي بالتنصّل عن الاتفاقات المبرمة، وانضم إليها ائتلاف الكتل الكردستانية أخيرًا عندما مررت الحكومة مسودة لقانون النفط والغاز، اعترض عليها الأكراد.

وكانت القوى السياسية اتفقت، وفقًا لمبادرة رئيس إقليم كردستان في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي على حلّ الأزمة السياسية في العراق، التي نتجت من فوز الكتلة العراقية في الانتخابات العامة، وتشكيل التحالف الوطني الشيعي لائتلاف قوى، أهّله لتشكيل الحكومة بدلاً من العراقية، وتشكيل مجلس أعلى للسياسات الاستراتيجية، وإناطة رئاسته بزعيم العراقية إياد علاوي، إضافة إلى عدد من النقاط، منها الالتزام بالدستور وتحقيق كل من التوافق والتوازن في القرارات وفي الشراكة السياسية، وإنهاء عمل هيئة المساءلة والعدالة، وتفعيل المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة شراكة وطنية.

وكان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني أشرف على اتفاق بين الكتل السياسية في إربيل في أواخر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 2010 مهّد لإعلان حكومة المالكي الحالية في أواخر العام الماضي.

كما تضمن الاتفاق ضمن مبادرة بارزاني، التي تمخض عنها تشكيل الحكومة، منح منصب رئاسة الوزراء للتحالف الوطني، وتشكيل مجلس جديد، أطلق عليه quot;مجلس السياسات الإستراتيجيةquot;، تناط رئاسته بالقائمة العراقية، وتحديدًا إياد علاوي، الذي قرر في وقت سابق تخليه عن المنصب.
وتدور خلافات بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون بشأن بعض بنود اتفاقية أربيل، ومنها مسألة رئيس مجلس السياسات الإستراتيجية العليا، كما ظل الخلاف قائماً في تسمية الشخصيات، التي ستتولى الحقائب الأمنية، التي ترى العراقية أن منصب وزير الدفاع من حصتها، في حين يعارض المالكي ذلك، ويؤكد أن المنصب استحقاق للمكوّن السني، وليس للعراقية.

قمم سياسية سابقة وقرارات لم تنفذ
وكانت آخر قمة أشرف عليها طالباني لقادة القوى السياسية قد عقدت في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتم خلالها الاتفاق على إبقاء مدربين أميركيين بعد نهاية العام الحالي، لكنها رفضت منحهم أي حصانة وسط معارضة التيار الصدري لبقائهم.

وقد اتفق القادة على إبقاء المدرّبين في حال توقيع اتفاقية عراقية أميركية لإبقاء المدربين، باستثناء التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر،الذي رفض بقاء أي جندي أميركي على الأراضي العراقية بنهاية العام الحالي، كما هو مقرر في الاتفاقية الأمنية المعقودة بين البلدين في أواخر عام 2008.

وقد أكد القادة العراقيون آنذاك العمل على تحقيق سيادة البلاد الكاملة وتنفيذ الاتفاقية الأمنية الاميركية العراقية القاضية بانسحاب كامل القوات الأميركية في نهاية العام الحالي 2011. كما شددوا على المضي في تدريب القوات العراقية بشكل احترافي وتهيئتها في أسرع وقت لتكون قادرة على ردع أي اعتداء خارجي، كما قال مصدر رئاسي رسمي.

واتفق القادة العراقيون أيضًا على عدم منح الحق للمدربين الأميركيين، الذين سيبقون في العراق، والذين لم يعرف عددهم بالضبط بعد، أي حق بتنفيذ أي اعتقالات أو القيام بإجراءات عسكرية وشمولهم بالقوانين العراقية السارية. وأشار القادة إلى ضرورة تجهيز القوات العراقية بأحدث المعدات والأسلحة المتطورة ودعم الحكومة في هذا المجال.

وأمس قال أكبر قائد عسكري أميركي في العراق إنه يتوقع quot;اضطراباتquot; يثيرها مقاتلو تنظيم القاعدة ومتشددون شيعة، يسعون إلى زيادة نشاطهم مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد بحلول نهاية العام. ولم يبق في العراق إلا أقل من 20 ألف جندي أميركي، يستعدون حاليًا للانسحاب بحلول نهاية عام 2011 بعد قرابة تسع سنوات من الغزو، الذي أطاح بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وتراجعت أعمال العنف إلى حد بعيد منذ ذروة الصراع الطائفي، الذي شهده العراق قبل نحو أربعة أعوام، لكن متشددين من السنّة مرتبطين بتنظيم القاعدة وميليشيات شيعية لها صلات بإيران ما زالوا ينفذون هجمات وتفجيرات مميتة وعمليات اغتيال.

وقال الجنرال لويد أوستن للصحافيين quot;مع رحيلنا يمكن أن تتوقعوا بعض الاضطرابات في الأمن في بداية الأمر، وهذا لأنكم سترون عناصر مختلفة، تحاول زيادة حريتها في الحركة، وحريتها في العمل. تنظيم القاعدة سيكون واحدًا من تلك العناصرquot;. وتابع قوله quot;إذا أثبتت قوات الأمن العراقية وحكومة العراق قدرتهما على التصدي لذلك بكفاءة، فأعتقد أنه سيكون طيبًا. أما إذا لم يتمكنا من ذلك، فستستمر قدرات عناصرها في النموquot;.

ويقول العراق إن جيشه يستطيع السيطرة على المسلحين، لكنه يعاني نقصًا في القدرات في مجالات، مثل جمع المعلومات والدفاع الجوي وتأمين الحدود. وضعف تنظيم القاعدة في العراق بعد مقتل زعماء كبار، وبفعل ضغط القوات الأميركية والقوات المسلحة العراقية، التي أصبحت أفضل تدريبًا على مكافحة المسلحين. لكن مسؤولين عراقيين يقولون إن توقف المساندة الجوية والتكنولوجية الأميركية سمح للمسلحين بالظهور مجددًا في شمال العراق وغربه.

وأضاف أوستن إن الميليشيات الشيعية، التي ما زالت تستهدف القوات الأميركية المنسحبة، يمكن أن تشكل تهديدًا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بعد انسحاب الجنود الأميركيين. وذكر أن أسلحة ومتفجرات ما زالت تتدفق عبر الحدود من إيران على الجماعات، التي تستهدف القوات الأميركية بصفة رئيسة. وقال quot;إذا تركت تلك العناصر من دون كابح، فسوف تتحول في نهاية المطاف إلى عامل ضد الحكومة، ويجب أن يساور الحكومة القلق بهذا الخصوصquot;.

وانهارت خلال الشهر الماضي محادثات بين واشنطن وبغداد بخصوص بقاء مفرزة صغيرة من الجنود الأميركيين في العراق كمدربين، وذلك لرفض الزعماء السياسيين العراقيين منح الجنود الأميركيين حصانة قانونية. وسيكون قوام القوات الأميركية الباقية في العراق زهاء 150 فردًا من العسكريين الملحقين بالسفارة.

ويتوقع أن يتولى مئات المتعاقدين المدنيين تدريب القوات العراقية على عتاد جديد أميركي الصنع اشتراه العراق. وتنصّ الاتفاقية الأمنية الموقّعة بين بغداد وواشنطن في أواخر عام 2008 على انسحاب كل قوات الولايات المتحدة من الأراضي والمياه والأجواء العراقية كافة، في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول (ديسمبر) من العام الحالي 2011، بعدما انسحبت القوات الأميركية المقاتلة بموجب الاتفاقية من المدن والقرى والقصبات العراقية في 30 حزيران (يونيو) من العام 2009.