تشهد مواطنة سورية أن قوات الأمن اعتقلت شقيقها، وهددتها بانتزاع طفلتها، إلا إذا سلّم زوجها نفسه لها. وتبعًا لهذا الأخير، وهو عضو في حركة معارضة سلمية، فإن النظام الحاكم يعني ما يقول، لأن أفضل سلاح يملكه من أجل بقائه هو قتل المعارضين وتخويف أهلهم.


أسامة نصار وزوجته ميمونة وطفلتهما

دمشق: منذ إبريل / نيسان الماضي، وأسامة نصار (33 عامًا) يعمل من عدد من المواقع السرية بغرض تنظيم صفوف المعارضة السورية وتوحيد صوتها وإسماعه إلى العالم الخارجي، وكل هذا في إطار المقاومة التي تنبذ العنف.

ويوم الجمعة الماضي، كانت زوجته ميمونة وحيدة مع ابنتهما في البيت في داريا (من ضواحي دمشق) وتتوقع زيارة من شقيقها صهيب (22 عامًا). فوصل فعلاً، لكنه كان مصحوبًا بشخصين.

تحكي هذه المرأة لصحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية ما حدث فتقول: laquo;فتحت الباب لشقيقي ومن افترضت أنهما صديقاه. لكن أحدهما دفعنا إلى داخل المنزل فجأة، وأخرج مسدسًا وصوّبه إلى رأس صهيب. ثم سألني عن زوجي، فقلت له إنه ليس في الدار. فقال إنه يعلم أن أسامة يختفي في مكان ما، وكرر السؤال نفسه، وأعدت عليه الإجابة نفسهاraquo;.

وتضيف: laquo;قال لي إنه في حال امتنع زوجي عن تسليم نفسه لقوات الأمن، فسيبعث فورًا برجال ينتزعون ابنتنا منا، إلى حين تسليم أسامة نفسه.

فنظرت إليه في غور عينيه وقلت له: laquo;عيب عليكraquo;!، وعندها أشار رجل المخابرات الآخر إلى هاتفي الجوال، وأمرني بالاتصال بزوجي فورًا، وإبلاغه بهذه الرسالة، فرفضت.

laquo;قال لي الأول: laquo;سنأخذ شقيقك في الوقت الحالي، وسننتزع الطفلة لاحقًا.. لا مراء في ذلك. وفي حال أصرّ زوجك على موقفه، فسنعيد إليكم شقيقك هذا نفسه داخل نعشهraquo;. ثم أخذا صهيب، ولم نره أو نسمع شيئًا عن مصيره منذ ذلك الحينraquo;.

كانت ميمونة نصار تتحدث مع laquo;تايمزraquo; عبر هاتف laquo;سكايبraquo; من مكان مجهول، بعدما فرّت من الدار فور رحيل رجلي المخابرات مع شقيقها.

وقالت إن هذه التطورات تزعجها وتؤلمها كثيرًا، لكنها لا تدهشها، لأن أساليب المخابرات هذه صارت معروفة، مؤكدة أنها تزايدت بشكل مخيف بعد تكثّف الانتفاضة على نظام الرئيس الأسد.

وقالت إنها كانت محظوظة، لأنها فقدت شقيقها فقط، وليس شقيقها وابنتها. وأضافت أن المخابرات كانت قادرة على انتزاع الطفلة أيضًا في ذلك الحين نفسه. والسبب الواضح في تركها، كما قالت، هو laquo;حرصها على ترهيبنا بأخذها حتى يسلم أسامة نفسهraquo;.

ومضت تقول إنها تعرف عائلات أخرى انتزعت المخابرات صغارهم من أجل معاقبة آبائهم المعارضين وتسلميهم أنفسهم.

تصديقًاعلى هذا القول، تقول قوى المعارضة إن 280 من الأطفال والصبيان قتلوا خلال الأشهر الثمانية الماضية. ويقول laquo;المرصد السوري لحقوق الإنسانraquo;، الذي يتخذ من لندن مقرًا له، إن أربعة صغار أعمارهم 10 سنوات و11 و13 و15 سنة على التوالي قتلواأخيرًا برصاص قوات الأمن عشوائيًا في إحدى نقاط التفتيش في حمص.

وأسامة نصار - وهو من laquo;الحركة السلمية السوريةraquo; - ليس الأول الذي تستهدفه قوات أمن الرئيس الأسد. ففي سبتمبر/أيلول الماضي أعيدت جثة صديق له، يدعى مطر، ويلقب laquo;غاندي الصغيرraquo;، وهي ممثل بها، إلى والديه، بعد أربعة أيام على اعتقاله.

وقبل شهرين، اعتقل ناشط صديق آخر لأسامة، هو يحيى الشوربجي، ولا يعرف مصيره حتىالآن، وما إن كان قد قتل أو ما زال على قيد الحياة.

وتعارض الحركة، التي ينتمي إليها أسامة، العنف، سواء كان من جهة الحكومة أو المعارضة. وهي تفضّل، بدلاً من هذا، استرعاء الانتباه إلى محنة السوريين عبر مظاهر تلفت النظر.

ففي دمشق وحلب - اللتين توصفا بـlaquo;المدينتين الصامتتينraquo;، لأنهما لم تشهدا نوع القلاقل التي اجتاحت معظم مدن البلاد الأخرى - تمكنت الحركة من صب صبغة حمراء في مستودعات بعض النوافير، حتى يصبح ماؤها رمزًا لدماء القتلى والجرحى.

ويقول أسامة نفسه إنه لا يجد خيارًا أمامه غير الوقوف في وجه التهديدات التي يكيلها النظام إلى المعارضة عمومًا، وإلى عائلته الصغيرة خصوصًا.

ويضيف قوله: laquo;يريدون ترهيبنا امتدادًا لسياسة التخويف، التي ظلوا يتبعونها على مدى عمر حكم آل الأسد، لأنهم اكتشفوا أن الخوف هو أفضل رادع لكل من تسوّل له نفسه المعارضة. وهؤلاء القوم يقتلون الشجاع والجبان على حد سواء.. فلماذا أموت جبانًا؟raquo;.