رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان

تراخت محاولات تركيا في الإنضمام للاتحاد الأوروبي، إذ فطن أردوغان إلى أن التنسيق مع واشنطن حيال مناخ الربيع العربي، سيدعم نفوذ بلاده السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، ولم تختلف سياسة رئيس الوزراء التركي عن رغبة أكثرية شعبه، التي نأت بنفسها عن التعلق بأهداب أوروبا بسبب عثرتها الاقتصادية.


تمرّ العلاقة بين تركيا والاتحاد الاوروبي بتحول مفصلي غير متوقع، ففي حين تطلعت انقرة للانضمام إلى اتحاد القارة البيضاء، وبذلت جهوداً مضنية من اجل إحراز تقدم على هذا المسار، تؤكد مؤشرات صحيفة نيويورك تايمز الاميركية تراجع تركيا النسبي عن هرولة الماضي، على خلفية تطورات سياسية واقتصادية قلبت الأمور رأساً على عقب، ففي وقت تمر دول الاتحاد بأزمة اقتصادية عاصفة، بات التعويل على تركيا ملحّاً لتجاوز الأزمة او على الاقل تخفيف وطأتها، بينما ترفض حكومة انقرة في الوقت الراهن مساعدة الاتحاد مقابل الانضمام اليه، وترى ان الاتجاه للشرق وما يعتريه من تغيرات سياسية واقتصادية أفضل بكثير من إنقاذ تكتل دأبت انقرة على محاولات الانضمام اليه دون جدوى.

خيانة أجبرت إردوغان على التراجع

الصحيفة الاميركية استهلت مقالها بالاشارة الى انه منذ فوزه الجارف في انتخابات 2002، وضع رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان استراتيجية محددة وهي انضمام بلاده إلى الاتحاد الاوروبي، وتبني حزبه (العدالة والتنمية) شعارات تنادي بحقوق الاقليات ورفع القيود عن حرية التعبير، واعتبرت نيويورك تايمز ان التلويح بهذه الشعارات كانت محاولة من إردوغان لإظهار مدى ديمقراطية نظامه، ليؤهله ذلك للانضمام الى الاتحاد الاوروبي والتقارب مع الغرب بشكل عام، غير ان الجهود التركية في حينه قوبلت برفض وربما باستخفاف في كثير من الاحيان، وكان ذلك في اغلب الظن بسبب التعداد السكاني لتركيا الذي يدين معظمه بالاسلام، ووفقاً للمراقبين حاول رئيس الوزراء التركي ان يكون اول زعماء الدول الاسلامية المحافظة توطيداً لعلاقة بلاده بالغرب، غير انه بعد تعرضه لخيانة صريحة من اوروبا تراجع عن الفكرة، وتعمد استعراض عضلاته في منطقة الشرق الاوسط، ولعل ذلك بات واضحاً عندما فرضت تركيا عقوبات على سوريا، وأجرت استعدادات عسكرية تنذر باحتمالات المواجهة مع نظام الاسد، كما تحولت تركيا الى بوق يعكس سخط العالم العربي على اسرائيل بسبب سياستها مع الفلسطينيين، وبدأ ذلك على وجه الخصوص عندما جمّدت انقرة علاقتها بتل ابيب على خلفية مداهمة قوات من الكوماندوز الاسرائيلي لقافلة المساعدات التركية (مرمرة) حينما كانت في طريقها لقطاع غزة.

ويشير مقال صحيفة نيويورك الاميركية الى ان فتور العلاقة بين تركيا واوروبا، أضعف نفوذ الثانية في العالم العربي، فتركيا العضو في حلف شمال الاطلسي الـ quot;ناتوquot;، والتي تلتصق حدودها بسوريا والعراق وايران، تحولت بشكل سريع لممثل هام للغرب، ووفقاً لخبراء: quot;للمرة الاولى منذ عشرات السنين، اصبحت اوروبا في حاجة إلى تركيا اكثر من حاجة تركيا اليهاquot;، بالاضافة الى ان الجماهير العربية الثائرة في القاهرة وحمص، ترى في رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مسلما معتدلا يتولى رئاسة وزراء دولة متقدمة، تضم في بنيتها السكانية 78 مليون نسمة، كما يعتبره الثائرون رمزاً قوياً لإمكانية الجمع بين الديمقراطية والاسلام، في وقت تقلص فيه نفوذ اوروبا لدى شعوب الربيع العربي على خلفية النظرة الاوروبية المعادية للمسلمين، ويرى خبراء اتراك ان إردوغان يتباعد عن اوروبا في مقابل تقارب غير مسبوق مع الولايات المتحدة، ففي حين اعلن رئيس الوزراء التركي فرض عقوبات على النظام السوري، فطن المراقبون الى ان إردوغان نسق هذه الخطوة مسبقاً مع رئيس الادارة الاميركية باراك اوباما، بينما تقوم القارة البيضاء بدور اللاعب الثانوي.

ضعف النفوذ الاوروبي وتطلعات أنقرة

إحدى الأسواق التركية

على الرغم من ذلك يرى تقرير الصحيفة الاميركية ان ضعف النفوذ الاوروبي قد يؤثر سلباًفيتطلع تركيا في لعب دور النموذج الديمقراطي لدى شعوب العالم العربي، إذ تؤكد تقارير منظمات حقوق الانسان ان عدم انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي سيحول دون كبح جماح نظام رجب طيب إردوغان في قمع الحريات، وربما يؤكد ذلك تقرير المفوضية الاوروبية لحقوق الانسان الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الذي أكد اعتقال 64 صحافياً تركياً، بينما عوقبت دار اعلامية تركية كبرى بغرامة مالية قدرها 2.5 مليار دولار، على خلفية انتقادها للحزب التركي الحاكم.

ووفقاً للمقال التحليلي الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الاميركية، نبذت القارة البيضاء تركيا، ومنذ ما يربو على 100 عام، عانى الاتراك لقب (رجل اوروبا المريض)، بينما شهد الوضع الحالي تطوراً لم يتوقعه الاوروبيون، إذ لا يشعر الاتراك بانعكاسات ايجابية حال انضمامهم للاتحاد الاوروبي في ظل مؤشرات اقتصادية باتت تفرض نفسها على ارض الواقع، فمن المتوقع بحسب الصحيفة الاميركية ان يشهد الاقتصاد التركي نمواً بنسبة 7.5% هذا العام، وتأتي هذه المعطيات في وقت تعاني دول الاتحاد الاوروبي تردياً ملحوظاً في وضعها الاقتصادي، ولعل ذلك هو ما حدا بوزير الاقتصاد التركي الى التهكم على الاتحاد بقوله: quot;هؤلاء الذين اطلقوا علينا في الماضي لقب المرضى، اصبحوا اليوم هم المرضى، وندعو الله ان يعجل بشفائهمquot;.

ونقلت الصحيفة الاميركية عن مراقبين في واشنطن قولهم: quot;ان المباحثات المزمعة لانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي ستتوقف تماماً، نظراً لاحتمالات تولي قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد في 2012، إذ اعلنت حكومة انقرة انها ستقاطع هذه المحادثات، إذا تولت قبرص هذا المنصبquot;، وتعرب الدوائر عينها عن تقديراتها بأنه إذا وصلت المحادثات إلى طريق مسدود حتى عام 2014، فمن غير المستبعد ان تتخلى تركيا تماماً عن فكرة الانضمام للاتحاد.

قوة وضعية تركيا في المنطقة

على صعيد ذي صلة تفيد نتائج استطلاعات الرأي في الشارع التركي الى تقلص نسبة المطالبة بانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، ووفقاً للاستطلاع الذي أجراه صندوق quot;مارشالquot; الالماني، أيد 38% من الاتراك عام 2010 انضمام بلادهم الى الاتحاد، بينما لم تقل نسبة التأييد في عام 2004 عن 73%، وفي تعليقه على مسألة الانضمام، يرى الوزير التركي لشؤون الاتحاد الاوروبي quot;ايغمين باغيسquot; في مقابلة صحافية ان انقرة لم تعد تكترث بالانضمام الى الاتحاد، فعلى العكس من ذلك يحتاج الاتحاد الى انضمام تركيا في الوقت الراهن، خاصة ان القوى العاملة في تركيا قليلة، قياساً بالسوق المحلية الكبيرة، وقوة وضعية تركيا في المنطقة، واضاف الوزير التركي: quot;اثبتي يا اوروبا، فتركيا قادمة لإنقاذكquot;.

الى ذلك تراجع رجال الاعمال الاتراك عن تأييدهم السابق لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، إذ يرى رجل الاعمال التركي quot;آرور يرارquot;، الذي يدير مؤسسة تتألف من 404 شركات من بينها شركة (لزو) المنتجة لشاي اعشاب التفاح التركي الشهير، ان التجارة التركية تنتقل رويداً رويداً الى الشرق، فعلى الرغم من استيراد اوروبا 56% من الصادرات التركية عام 2010، بينما لم تتجاوز نسبة استيراد الشرق من تركيا نسبة الـ 20% من العام ذاته، مقابل 12.5% عام 2004، الا ان موسم الربيع العربي في الشرق الاوسط، سينعش نسبة التعاون مع تركيا بشكل يزيد عن السوق الاوروبية.

على الرغم من ذلك يتطلع الشباب في مدينة اسطنبول الكوزمبوليتية (متعددة الثقافات) الى الانضمام للاتحاد الاوروبي، ففي أحد المقاهي المزدحمة بروادها في الجانب الغربي من مضيق البوسفور، تمتلئ quot;توجتشي إيربدquot; (19 عاماً) بالحماس، عند ردها على مسألة انضمام بلادها للاتحاد الاوروبي، وتقول: quot;الشباب لا يكترثون بانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي الذي يشرف على السقوط، الا انني واصدقائي ما زلنا متعطشين للتقارب مع اوروبا اكثر من العالم العربي، فأنا افضل السفر الى باريس اكثر من بيروت على سبيل المثال، المشكلة ان تركيا ليست محسوبة على الشرق او الغرب، لذلك نحن نسير في كل الاتجاهاتquot;.