يستمر الجدل في ظل تواصل إغلاق المعبرين الحدوديين بين تونس وليبيا، هذا في وقت يؤكد معظم الخبراء والمراقبين ضرورة تجاوز الفتنة بين البلدين لأن مصلحة الشعبين في المرحلة المقبلة تقتضي ذلك.


معبر رأس جدير

تونس: لليوم السادس على التوالي، يتواصل إغلاق المعبرين الحدوديين بين تونس وليبيا، رأس جدير وذهيبة، وذلك بسبب بعض التجاوزات التي حدثت في الفترة الأخيرة. إذ إن الثوار الليبيين الذين يتولون السلطة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي حاولوا مراراً الدخول للأراضي التونسية، وهم مدججون بأسلحتهم، ودون تنسيق مسبق، وهو ما أدى إلى توتر واشتباكات مع القوات التونسية في الجانب الآخر من الحدود.

المواطن التونسي علي القادري قال لـquot;إيلافquot; إنّ عدداً من التجار التونسيين الذين يحملون الخضروات والغلال التونسية لبيعها في ليبيا قد وجدوا معاملة سيئة من بعض الليبيين خاصة من الثوار في مدينتي نالوت وزوارة، سواء أكان ذلك من جهة معبر ذهيبة/وازن أم من جهة معبر رأس جدير.

ويضيف رفيقه حسن الفيتوري، مؤكداً التجاوزات التي حدثت في حق عدد من التجار التونسيين: quot;في مدينة نالوت الليبية أهانونا، وضربونا، بل رموا ببضاعتنا، بينما نحن كنا استقبلناهم أيام الثورة في منازلنا في مدن الجنوب التونسي وحتى في جهات أخرى من البلادquot;.

ولكن صابر يتدخل ليبيّن أنّه من غير العدل أن نجعل منها ظاهرة تحصل كل يوم للتونسيين الزائرين لليبيا، لأنّ ما حصل كان من بعض الأفراد الذين يعتبرون من بقايا أنصار القذافي، ولا يرغبون في حدوث تقارب بين الشعبين، كون الواقع يقول إنّ الشعبين التونسي والليبي محتاجان لبعضهما البعض، ولا يستطيع أحدهما الإستغناء عن الآخر لأنّ المصير واحد و الضرورة حتمية لربط الإقتصاد في البلدين ببعضهما البعض، وهو ما ينعكس إيجابا على الشعبين الشقيقين، وقد فهم المسؤولون في الجهتين ذلك، ولا يمكن أن يسمحا للبعض بإفساد الرغبة في الشراكة.

أما عمر المانع فرأى أنّ وضعية البلدين بعد نجاح الثورتين التونسية والليبية تتطلب التقارب، حيث إنّ ليبيا ستدخل قريباً في مرحلة إعادة البناء وتكوين الدولة الحديثة، ولا يمكنها ذلك دون الإعتماد على الخبرات التونسية في كل المجالات، وتونس واقتصادها يعيش وضعا صعبا بعد الثورة، فهي تبحث عن إيجاد آلاف فرص الشغل لأبنائها العاطلين عن العمل والذين يقارب عددهم المليون.

هذا الوضع أثار استياء التونسيين والليبيين على حد سواء فعبروا عن رفضهم للوضع القائم اعتباراً أنّ الرافضين للتقارب من الجهتين هم من كانوا وراء هذه المشاكل التي حدثت بين عناصر من الجمارك التونسية، وعدد من الثوار الليبيين في المعبرين الحدوديين بل إنّ أطرافًا من الجانبين من بقايا النظامين السابقين يعملون على الإساءة، وبث الفوضى حتى لا يحدث التقارب ولا تكون الشراكة التامة التي ينتظرها الشعبان اللذان تجمعهما أواصر القربى والمحبة والتاريخ.

وكان العديد من المواطنين اشتكوا من تجاوزات وتصرفات لا تليق بحجم الإعانات والتضحيات التي لم يبخل بها التونسيون على الليبيين في أحلك الظروف التي مرّت بها بلادهم حيث سمحت تونس بدخول اللاجئين الليبيين بعد اندلاع الثورة في ليبيا وبلغ عددهم قرابة مليون لاجئ، تمكنوا من التمتع بحرية الجولان داخل تونس ومنحوا الرعاية الصحية والاجتماعية.

كما أنّ الصادرات التونسية من أدوية ومواد غذائية وغيرها لم تتوقف خلال الثورة الليبية بل تواصل تزويد الليبيين بما يحتاجونه وهو ما أثر في القدرة الشرائية للمواطن التونسي بعد أن شهدت مختلف السلع ارتفاعا كبيرًا و غير مسبوق في مختلف الأسواق التونسية بسبب التهريب وتزويد السوق الليبية.

وقد كان ردّ الفعل غير مقبول من قبل بعض الأفراد التونسيين الذين اعترضوا سيارات لبعض الليبيين وأحرقوا سيارتين في أجواء شهدت توترًا شديدًا. وخلال الفترات الماضية كانت السلطات التونسية تعاملت بكثير من الحكمة أمام التجاوزات الإعتداءات ولم تردّ الفعل بعد أن قبضت على عديد الليبيين داخل المدن التونسية ومعهم أسلحة وذخائر وهو تجاوز واضح للقانون التونسي.

وأمام التجاوزات التي تكررت في الفترة الأخيرة فقد أبلغ وزير الداخلية التونسي الحبيب الصيد نظيره الليبي فوزي عبد العال القلق الشديد الذي تحسّ به تونس إزاء الخروقات والتعدي على حرمة الأراضي التونسية وأمنها.

ومن جهته، شدّد الوزير الليبي على أنّ هذه الخروقات يجب ألاّ تعكّر صفو العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين وتعهد اتخاذ إجراءات لوضع حدّ لعمل من شأنه أن يمسّ من حرمة التراب التونسي ويعرض سلامة الجيش والأمن والجمارك التونسية وأمن السكان للخطر. وأكّد التزام السلطات الليبية بوضع المعابر الحدودية المشتركة بين البلدين خلال هذا الأسبوع تحت مسؤولية موظفين نظاميين ومهنيين من الشرطة والجيش والجمارك الليبية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث وهو ما طالب به الجانب التونسي.

من ناحيته، دعا حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الشعب التونسي إلى quot; مواصلة حسن استقبال الأشقاء الليبيين الذين اعتادوا عليه والتصدي لدعاة الفتنة الساعين للتفرقة بين الشعبين الشقيقين اللذين وحدتهما الثورة والتضامن في أيام المحنquot;.

السفير الليبي لدى تونس جمال زناز أكد لراديو quot;سواquot; أنّ هناك جهات تفتعل الأزمة بين البلدين الشقيقين وتثير الفتنة بين الثورتين التونسية والليبية. وأضاف أن ما حدث كان نتيجة تصرفات شخصية غير مسؤولة ولا علاقة لها بالثورة الليبية أو على صلة بسياسة الدولة.

وقال السفير الليبي إن بلاده اتخذت خطوات فعلية حتى لا تتكرر هذه التجاوزات والخروقات على الحدود بين البلدين، ومن المقرر أن يؤدي وفد من السلطات الليبية إلى تونس خلال اليومين القادمين للتشاور والتفاهم حول ما سيتم اتخاذه.
من جانبه اتهم مصطفى بوشاقور نائب رئيس الوزراء الليبي quot;أشخاصا غير مسؤولينquot; بالوقوف وراء الحوادث التي سجلت في معبر رأس جدير الحدودي بين البلدين.

الخبير الإقتصادي عبدالرحمن اللاحقة قال لـquot;إيلافquot;إنّ البلدين تونس وليبيا في حاجة إلى بعضهما البعض وبالتالي يجب اتخاذ قرارات سريعة لعودة الإستقرار في المعبرين الحدوديين بين البلدين حتى تعود الحركة التجارية إلى سالف عهدها لمصلحة الشعبين فليبيا في حاجة إلى تنمية بشرية ومع التقارب التونسي الليبي والدعم الذي قدمته تونس لليبيا خلال الثورة يمكن أن تجد تونس المخرج لمأزق البطالة التي تعشش في المجتمع التونسي بما يقارب 800 ألف عاطل عن العمل وستكون السوق الليبية في حاجة إلى الإطارات العاملة التونسية وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم أما بالنسبة إلى ما تتطلبه السوق الليبية في قطاعي البترول والتكنولوجيا، فذلك سيبقى حكرا على الدول الغربية.

وإلى جانب ذلك فالتطور سيحصل في قطاع التجارة البينية بين البلدين التي كانت هامة قبل الثورة كذلك وستشهد قفزة نوعية في الأشهر القادمة، وإمكانيات الشراكة متوفرة بين تونس وليبيا، و الإخوة الليبيون يمكن لهم أن يستفيدوا من الخبرات التونسية، وبالتالي يمكن إرساء شراكة حقيقية في عديد الميادين، لأن السوق الليبية واعدة وحسب التقديرات الأولية يمكن أن تستقطب في السنوات القادمة نحو 200 ألف موطن شغل تونسي، كما أنّ الشراكة تعني في الواقع استفادة الطرفين منها أي من التجارة البينية والخبرات التونسية التي سيستفيد منها المجتمع التونسي.