وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي في تونس في مايو الماضي

تعرض بولندا تجربتها في الانتقال إلى الديمقراطية لدول الربيع العربي من خلال دورات تدريبية، كان التونسيون اول من استفاد منها.


لندن: تعرض بولندا الدروس التي تعلمتها بمشقة من مرحلة الانتقال الصعبة الى الديمقراطية إثر انهيار الشيوعية عام 1989 في مسعى يهدف الى تيسير عملية الانتقال السياسي في بلدان الربيع العربي.

ويأمل القادة البولنديون ان حملتهم التي شهدت مؤخرا حضور عشرات التونسيين الى العاصمة وارسو للمشاركة في دورات تدريبية، ستعزز مكانة بولندا في منطقة حيوية وتقوي موقعها الدبلوماسي في الاتحاد الاوروبي وحلف شمالي الأطلسي وربما الظفر بعقود تجارية ايضا.

واعتبر وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي ان بولندا مثال صالح وهي تتعاطف مع الشعوب المناضلة من اجل حريتها.

وكانت بولندا قدمت مساعدات انسانية وطبية منذ انتفاضات تونس ومصر وليبيا ضد حكامها المستبدين ولكن دورها تركز على العمل غير الظاهر لترويج الديمقراطية.

ورعت بولندا في تشرين الثاني/ نوفمبر تمرينا يعتمد على المحاكاة بمشاركة عشرات التونسيين لتدريبهم في ادارة شؤون الدولة خلال انتقال البلاد الى الديمقراطية. ويشتمل التدريب على قيام المشاركين بدور وزراء ومسؤولين. ومن هؤلاء المشاركين حاتم الشاوي الذي قام في مدرسة للادارة العامة بدور وزير يبحث عن سبل تقليص الميزانية العسكرية وخفض انفاق الدولة. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن الشاوي الذي يعمل موظفا في وزارة الأشغال العامة التونسية ان الانتخابات احدثت تغييرا كبيرا وان هناك حاجة الى مزيد من الشفافية في الادارة ومزيد من المساواة وتكافؤ الفرص لبناء الثقة بالنظام الديمقراطي.

وقالت السفيرة التونسية في وارسو نادرة دريجة ان تجربة بولندا في التحول الديمقراطي عام 1989 مفيدة جدا لتونس وانها تتيح معرفة الأدوات المطلوبة لتنفيذها بنجاح.

وكان وزير الخارجية البولندي سيكورسكي اصبح في ايار/مايو الماضي اكبر مسؤول غربي زار الثوار الليبيين في بنغازي التي وصلها بطائرة عسكرية. وكانت تلك الزيارة بداية حملة دبلوماسية بولندية لدعم المجلس الانتقالي الليبي، بما في ذلك نقل السفارة من طرابلس الى بنغازي خلال الانتفاضة لتصبح بولندا الدولة الوحيدة التي سفارتها في بنغازي.

وقال وزير الخارجية البولندي ان النصيحة الأساسية التي قدمها هي ان موجة التأييد والحماسة للتغيير، لا تدوم ويتعين الحذر من إضاعة الوقت في هذه الفترة الدقيقة مما سماه quot;السياسة الاستثنائيةquot;. وانه لفت انتباه محاوريه الى ان quot;الأشهر الثمانية عشر المقبلة ستكون حرجةquot;.

ولكن آدم بالتشر من مركز quot;ديموس اوروباquot; للاستراتيجية الاوروبية في وارسو أكد ان ثوار الربيع العربي يحتاجون الى أكثر من كلمات وهم بحاجة الى موارد مالية ودعم لبناء المؤسسات.

وكان الرئيس السابق ليخ فالينسا ورئيس مجلس الشيوخ بوغدان بوروسيفيتش وغيرهما من ابطال حركة التضامن البولندية التي ناضلت ضد النظام الشيوعي في الثمانينات ، زاروا تونس ودولا اخرى في المغرب العربي للحديث عن خبراتهم.

ونظمت الحكومة البولندية سلسلة من البرامج والدورات التدريبية. وقامت بزيارة بولندا وفود من مصر وليبيا وتونس لمراقبة الانتخابات البولندية في تشرين الأول/اكتوبر. كما زارت هذه الوفود حكومات محلية والتقت بولنديين قادوا تحول بلدهم السياسي قبلهم.

وبالاضافة الى الدورة التدريبية التي نُظمت مؤخرا للتونسيين تعتزم بولندا تنظيم دورات مماثلة للمصريين العام المقبل. كما أعدت برنامجا لليبيين وابدت استعدادها لتدريب قوات الشرطة وحرس الحدود الليبية.

وقال الدبلوماسي البولندي المخضرم آدم كولاخ الذي عمل مبعوثا خاصا في المغرب العربي ان الفكرة الرئيسية هي اطلاع الآخرين على خبرة بولندا في الانتقال الديمقراطي وبامكانهم استعارة ما يجدونه مفيدا في ظروف بلدهم. واضاف quot;نحن حقا نعتقد ان من واجبنا ان نقدم يد المساعدةquot;.

ونقلت صحيفة وول سريت جورنال عن كولاخ ان من أهم الأسئلة التي يثيرها الناشطون العرب هي طريقة التعامل مع تركة الماضي. واوضح ان المرحلة الاولى من الانتقال في بولندا أُنجزت في ظل ما يُسمى quot;الطاولة المستديرةquot; بمشاركة ممثلين عن النظام الشيوعي وفصائل المعارضة. وقال كولاخ quot;ان الواقع ليس اسود وابيض فقط ونحن نشجع على التفكير بأُفق أوسع وألا نرى جانبا واحدا من القصةquot;.

ويرى مراقبون ان بولندا مثال صالح لبلدان الربيع العربي من عدة نواحي. فهو بلد محافظ ومتدين نسبيا في اوروبا والكنيسة الكاثوليكية قامت بدور كبير في الانتقال. وبخلاف فرنسا وبريطانيا فان بولندا ليست مثقلة بإرث استعماري في العالم العربي ولم يكن لهاد دور يُذكر في دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.

بل ان بولندا نفسها كانت ضحية الاستعمار بتقسيمها بين المانيا النازية والاتحاد السوفياتي الستاليني في بداية الحرب العالمية الثانية ثم وقوعها تحت الاحتلال النازي قبل تحولها الى تابع يدور في فلك الاتحاد السوفياتي.

وقالت زينة ثابت الموظفة في شركة تأمين صحي تونسية قامت بدور وزيرة الصحة في الدورة التدريبية التي شاركت فيها الشهر الماضي في وارسو quot;ان التجربة البولندية مهمة بالنسبة لناquot; لأن البولنديين مروا بمرحلة مشابهة للوضع في تونس الآن. واضافت ان احد الدروس التي ستأخذها معها الى تونس هي quot;ان نلتقي وننسى خلافات الماضي وان يكون لنا هدف واحد هو بناء الديمقراطية التونسيةquot;.