يتابع التونسيون بانتباه وخوف الأنباء المتعلقة باقتحام سلفيين لجامعة منوبة المعروفة، وتسببهم بتعطيل سير الدروس بعد تنظيمهم اعتصاما داخل الحرم الجامعيّ بغية الدفاع عن المنقبات والفصل بين الذكور والإناث داخل مؤسسات التعليم.


تونس: يتواصل في تونس جدل اقتحام عدد من المنتسبين إلى التيار السلفي لجامعة منوبة في تونس العاصمة ومطالبتهم بتمكين المنقبات من اجتياز الامتحانات إضافة إلى فصل الذكور عن الإناث في المؤسسات الجامعية ورفضهم المغادرة قبل الامتثال لما اعتبروه حقا، في مقابل تمسك شق كبير من الأساتذة بموقفهم الرافض لدخول أي شخص لقاعات الدروس دون التثبت من هويته خاصة خلال الامتحانات.

و يجري منذ يوم الخميس ممثلون عن قوات الأمن الداخلي مفاوضات مع بعض المعتصمين في كلية الآداب في منوبة، لمحاولة إقناعهم بفك الاعتصام بطرق سلمية بعد استنجاد عميد الكلية بالأمن في ظل تواصل الاعتصام فيما أكد المعتصمون في وقت سابق ومعظمهم من الملتحين انهم لن يبارحوا الكلية قبل الاستجابة إلى مطالبهم.

وقرر المجلس العلمي لكلية الآداب والفنون والإنسانيات في محافظة منوبة يوم الثلاثاء الماضي غلق الكلية بجميع مصالحها وإيقاف كل الخدمات بها إلى حدود فك الاعتصام وإخلاء المؤسسة الجامعية من جميع العناصر الدينية الموجودة داخلها.

وقال الحبيب القزدغلي عميد كلية الآداب في منوبة لـ(إيلاف) quot;محاولتنا في التفاوض معهم باءت بالفشل فهم يعتبرون أن المجلس العلمي مجلس كفار فأي نقاش آو حوار سيكون مع هذه المجموعة كما أنهم يتسترون بمطلبي إقامة مصلى في الجامعة والسماح للمنقبات باجتياز الفروض ولكن الموضوع الأساسي الذي قدموا لأجله هو الفصل بين الجنسين وهو ما يحاولون إخفاءه على وسائل الإعلام ولكن أكدوا لي بالحرف الواحد انه من غير المعقول أن يختلط الطالبات الإناث بالذكور في مجتمع إسلامي وأنهم سيحاربون هذه الظاهرةquot;.

وتابع العميد quot;ما يعتصمون لأجله ليست مطالب بل اهداف واتحمل مسؤوليتي في ما اقول فهم يريدون فرض نمط مجتمعي عبر الجامعة وتمرير صورة لها نابعة من عقيدتهم وأنا أرى أن الجامعة يجب ان تتخذ موقعا بين السياسة والدين وابعادها عن كل الصراعاتquot;.

وشدد القزدغلي خلال حديثه لـ(إيلاف) على أن قرار المجلس العلمي المتمثل في عدم السماح للمنقبات بالدخول لاجتياز الامتحانات لا رجعة فيه وهو قرار بيداغوجي وليس قرارا سياسيا أو نابعا من ايديولوجية معينة فالعملية التربوية اساسها الثقة بين المربي والطالب.

وفي المقابل قال سلمان رزيق المتحدث باسم المعتصمين quot; أتينا بنية تنفيذ وقفة احتجاجية والمطالبة بالسماح للمنقبات بالدراسة وإجراء الفروض وإقامة المصلى ولكن عدم تجاوب عميد الكلية ورفضه محاورتنا دفعنا للاعتصام، وكل ماهو متداول من مطالبتنا بالفصل بين الإناث والذكور في الجامعة محاولة لتشويه مطالبناquot;.

وقال حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة والمرشح لرئاسة الوزراء لـ(إيلاف )quot; قضية النقاب وما يشابهها من مواضيع تختلقها نخبة خسرت الانتخابات والآن تتعلق بافتعال مشاكل لا يمكن إنكار وجودها في المجتمع لكن ليست من أولوياته والذي يهم الشعب التونسي هو إيجاد حلول لمشاكله وهو مقتنع تماما أن هويته عربية إسلامية واقرها في أغلبية ساحقة ونعتقد انه انتخبنا لإيجاد مخارج لقضايا جوهرية وليس لتبادل الاتهامات وخلق قضايا جانبية كالنقابquot;.

سامي براهم أستاذ الحضارة العربية في الجامعة التونسية أكد لـ(إيلاف )quot; لا اسمح بأن ينوب عنه أي طرف في التثبت من هوية طالب أو طالبة انا مسؤول في قسمي أخلاقيا عن حماية الشفافية والانصاف بين الطلبة ومنع الغش والتزوير ولا اثق في اي طرف خارج القسم يمكنه ان يقوم بذلك نيابة عني كائنا من كانquot;.

واضاف براهم quot; نحترم المنقبات و نحترم قرارهن بارتدائه ولكن نعتبر النقاب إساءة لما في الإسلام من قيم التعارف والغيرية و التواصل كما انه معيق للعملية التربوية وهو أنسب للمجتمعات القائمة على الفصل بين الجنسين، النقاب إساءة للمرأة لأنّه يجعلها كائنا هلاميّا مبهما في الفضاء العامquot;.

ونفذت الجامعات في تونس إضرابا عاما احتجاجا على اقتحام عدد من السلفيين كلية الآداب في منوبة وتوجهوا لمقر المجلس التأسيسي للمطالبة بالتدخل ووقف الانتهاكات المتتالية التي يشهدها عدد من الجامعات والمعاهد الثانوية في تونس.

وتجدر الاشارة الى انه في غياب نص قانوني محدد حول ارتداء النقاب الذي يعد ظاهرة جديدة في تونس، يعتمد عمداء الكليات على مذكرة تعود الى 2005 تنص على ضرورة التعرف إلى هويات الطلاب.

وقالت منظمة حرية وإنصاف المساندة للمنقبات في بيان اطلعت عليه (إيلاف) إنها quot; تطالب بإجراءات وقتية تسمح للطالبات المنقبات باجتياز الامتحانات مع حفظ حق الإدارة والأساتذة في الكشف عن الهوية في انتظار حسم الموضوع بقرار وزاري و تذكر بمساندتها للمنقبات فيما يتعرضن له من تجاوزات خطيرة وذلك بمساومتهن بين حقهن في الدراسة ونزعهن للنقاب مع العلم أن المواثيق الدولية في كل معاهدات حقوق الإنسان تضمن حرية الملبس والمعتقدquot;.

هذا وترى رجاء بن سلامة الأستاذة في الجامعة التونسية من خلال إفادتها لـ(إيلاف) quot; أن عدد المنقبات لا يتجاوز 5 أو 6 لذا اعتبر أنها تعبيره لأقلية لكن فيها شيء من العنف وفي المقابل لا أنكر حق أي امرأة في ارتداء النقاب لكن ليس من حق هؤلاء فرض نمطهم المجتمعي النابع من عقيدتهم، وأنا كتونسية لا استسيغ هذا النمط من العلاقات القائم على الشك وعدم الثقة في التحكم في الغرائز واشدد على أن مطلب الفصل بين الجنسين خاصة مطلب هذيانيquot;.

وألغت تونس بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي العمل بquot;المنشور 108quot; الذي أصدره الرئيس التونسي حبيب بورقيبة سنة 1981 والذي يحظر على التونسيات ارتداء الزيّ الطائفي (الحجاب) داخل المؤسسات التابعة للدولة (الجامعات والمستشفيات والإدارات العمومية).

وكانت السلطات التونسية تمنع خلال فترة حكم الرئيس السابق ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية و الإدارية استنادا إلى المرسوم 108.

وتظاهرت أواخر الأسبوع الماضي عشرات المنقبات في العاصمة تونس وطالبن بالسماح لهن بالدراسة واحترام حريتهن في اختيار اللباس ورفعن شعارات من قبيل quot;لم ننكر حقكم في التعري فلماذا تنكرون حقنا في النقابquot;.

اسلمة المجتمع

وشهدت تونس بعد سقوط النظام السابق عددا من الأحداث التي أثارت مخاوف شرائح كبيرة من المجتمع بخصوص الحريات الفردية والعامة حيث قام عدد ممن يحسبون على التيار السلفي بمهاجمة أستاذة جامعية لأنها لا ترتدي الحجاب إضافة للسيطرة على مطعم الجامعة في محافظة قابس (جنوب تونس) وفرضوا تقسيمه على أساس جنسي وخصصوا قاعة للطلبة وقاعة أخرى للطالبات، إلى جانب التهجم على مدرسة تربية تشكيلية معتبرين أن الرسم والنحت والفن التشكيلي مخالف للشريعة الإسلامية.

وأكد محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري لايلاف quot; الخطير في حادثة منوبة وغيرها من الأحداث هو قدوم مجموعة من الأشخاص ليس للمطالبة بحرية اللباس بل يريدون فرض نمط جديد في العلاقة بين المواطنة ومكونات المجتمع وهذه الحادثة ليست جزئية انما تتمة لحوادث مضت وتطبيق لمنظومة كاملة quot;.

وأضاف الكيلاني quot;الحركة الإسلامية تتوجه لفرض نمطها المجتمعي بالقوة والتهديدات والتعدي على المؤسسات العامة عن طريق قواعدها وتمريره عبر المجلس التأسيسي الذي يمثل النهضة التيار الإسلامي فيه وتنسق مع التيار السلفي لتحقيق هذه الغاية بتبادل التدخل والتموقع بصفة مستمرة عن طريق الصادق شورو القيادي في حركة النهضةquot;.

وختم الامين العام للحزب الاشتراكي اليساري حديثه لـ(إيلاف) قائلا quot;التيار السلفي لا يتعدى غير كونه إحدى أدوات المشروع العام الذي تقوده النهضة في تونس والمتمثل في اسلمة الدولة وتغيير النمط المجتمعي والمرور بالمجتمع التونسي لمرحلة العودة الى الوراء وهذا المشرع موجود منذ ظهور الحركة الإسلامية في تونس و الآن يتجهون نحو تطبيقهquot;.

واقتحم حوالى مائتي شخص من المنتمين للتيار السلفي 8 تشرين الأول الماضي بالقوة كلية الآداب والعلوم الانسانية في جامعة سوسة (160 كلم جنوب تونس) احتجاجاً على منع طالبة منقبة رفضت الكشف عن وجهها من التسجيل في هذه الكلية.

وقال احمد إبراهيم الأمين العام لحركة التجديد لـ(إيلاف):quot; كل هذه المظاهر تبعث على القلق الشديد وتدفع للتعبئة وسنسعى من خلال موقعنا داخل المجلس التأسيسي وخارجه للتصدي لكل مظاهر التقهقر وسنعمل على أن نكون السلطة المضادة والساهرة على حماية المكاسب الحياتية والحريات الفردية والخاصةquot;.

وفي السياق نفسه أكدت سلمى بكار عضو المجلس التأسيسي: quot; سنسعى من داخل المجلس لمواصلة مسيرة تونس في مجال الحقوق والحريات الفردية والعامة حتى لو كنا أقلية داخل المجلس فلن نتردد في الاستنجاد بوزننا خارجه للتصدي لأي محاولة للمساس بهذه الحرياتquot;.

يشار إلى أن الحجاب والنقاب إنتشرا بشكل كبير في تونس ،حيث تزايد إقبال الفتيات والنساء على إرتدائهما بعد ثورة 14 جانفي/ يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي كان يمنع ارتداءهما.