قرار بيع القصور الرئاسية يثير جدلاً في تونس

أثارت مسألة إعلان بيع القصور الرئاسية في تونس، الذي اتخذه رئيس التونسي منصف المرزوقي جدلاً واسعاً، فهناك من رحّب بالفكرة واعتبرها اهتماما من قبل الرئيس بشعبه في حين ظن البعض الآخر أن هذه الخطوة تمسّ بتراث تونس.


تونس: أعلن الرئيس التونسي الموقت منصف المرزوقي عن اعتزامه بيع القصور الرئاسية المترامية الأطراف باستثناء قصر قرطاج وتخصيص عائداتها لتوفير مزيد من فرص العمل، سعيا لامتصاص غضب فئات واسعة من المهمشين والعاطلين عن العمل خاصة بعد تدني مستوى المعيشة وتزايد عدد العاطلين الذي قارب المليون بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد .

وقد أثارت هذه المسألة ردود أفعال متفاوتة حيث رحّب بعضهم بهذا القرار، واستنكرته الجمعية التونسية للشفافية المالية التي أكدت أنها لن تتوانى عن اللجوء إلى القضاء ضدّ كل من يحاول التصرّف بأموال المجموعة العمومية مهما كانت رتبته وصفته.

إرث وطني ثمين

تقع القصور الأربعة التي تأخذ حيّزا كبيرا من اهتمام السياسيين والرأي العام في تونس، في أجمل المواقع السياحية والغابية على غرار مدينة الحمامات السياحية ومنطقة قربص الاستشفائية، التي تجمع بين المياه الحارة المنطلقة من جوف الأرض والغابات الجميلة والسواحل الخصبة، ومدينة عين دراهم في الشمال الغربي للبلاد التونسية التي تتميز بطبيعة خلابة صيفا وبثلوج ناصعة شتاء توحي لزائرها أنه في إحدى المقاطعات الثلجية في أوروبا، ومنطقة مرناق في العاصمة التونسية التي اشتهرت على مدى العصور بإنتاج أرقى أنواع الخمور واجودها وهي قصور فاخرة كان بن علي وأصهاره يرتادونها صيفا وشتاء للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تتميز بها هذه المناطق.

وقال الدكتور سامي الرمادي رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية في تصريح لـquot;إيلافquot; إن هذه القصور لا يمكن بأي حال من الأحوال بيعها أو التفريط فيها لأنها ملك للدولة التونسية، وإرث ثمين لا يمكن الاقتراب منه، وإن الرئيس الموقت منصف المرزوقي او غيره مهما كانت مكانته او صفته السياسية، لا يحق له أن يتصرف في هذا الإرث الوطني الذي تعود ملكيته للمجموعة وانه لا طائل من اعتماد هذا الأسلوب .

واعتبر الرمادي أن القصور الرئاسية تعتبر ملكا للدولة التونسية وإرثا لها ولا يجوز لرئيس موقت التصرف فيها بالبيع، معتبرا أن هذه الحركة هي انطلاقة لحملة انتخابية سابقة لأوانها، وسعي للشعبوية وذر للرماد على أعين شعب أرهقه الفقر والبطالة والأرقام الكاذبة التي لطالما روّجتها حكومة الرئيس المخلوع، لمدّ الغشاوة على أعين العالم بأسره فيزداد الغني غنى والفقير إملاقا .

وأضاف الرمادي أن الجمعية مستعدة لرفع الأمر إلى القضاء إن لزم الأمر، ولن تسكت على مثل هذه القرارات التي من شأنها أن تضر بالمصلحة العامة للبلاد، وهذه القصور لا تقدر بثمن فهي بمثابة الكنوز الوطنية التي لا يمكن فصلها عن تاريخ تونس وتعاقب الحضارات الضاربة في القدم .

و تحدث رئيس الجمعية سامي الرمادي في هذا الإطار عن جهود جمعيته في مجال مكافحة سوء التصرف المالي في تونس، وقال إن جمعيته تأخذ على عاتقها مسألة القيام بالإتصالات مع الجهات الأجنبية لدفعهم نحو إعادة الأموال المنهوبة من طرف الرئيس السابق زين العابدين بن علي وعائلته والموجودة في البنوك الأجنبية.

ويذكر أن الجمعية التونسية للشفافية المالية التي نظمت في شهر مارس تظاهرة أمام السفارة السويسرية في تونس للمطالبة بعودة أموال الشعب التونسي التي نهبها نظام الرئيس المخلوع، انتقدت تقصير السلطات التونسية الموقتة (الحكومة والرئيس) في استرجاع الأموال التي نهبها الرئيس التونسي المخلوع إلى خزينة الدولة.

قصور تساوي المليارات

اعتبر أحمد الرحال الخبير المالي والاقتصادي أن مسألة بيع القصور الرئاسية تكتسي صيغتين إحداهما ايجابية والثانية سلبية، الايجابية تتمثل في اعتبار قرار اعتزام البيع خطوة أولى في اتجاه تحقيق المسار الديمقراطي في البلاد، والتوزيع العادل للثروات التي كانت حكراً على العائلة الحاكمة، فلطالما استمتع البعض بالعيش الرغيد في قصور تساوي المليارات من الدولارات في حين تزداد فئة أخرى في الغوص في بؤرة الفقر وسوء المعيشة.

وقال إن قرار البيع الذي ستؤول عائداته إلى الصندوق الوطني للتشغيل، قد يساهم بصورة كبيرة في امتصاص البطالة التي استفحلت في صفوف الشباب وخاصة حاملي الشهدات العليا، والتي فاقت هذه السنة ال 18 بالمائة مع انتشار الاضطرابات الاجتماعية والإضرابات .

وقال ان صورة استثمار عائدات القصور في مشاريع تنموية كبيرة تهم الجهة، خاصة بعد انسحاب العديد من الشركات الأجنبية من الاستثمار في بعض المناطق الداخلية التي تعاني الفقر والبطالة والتهميش. وذكر في هذا السياق انسحاب شركة يازاكي من منطقة قفصة، وتسريح آلاف العمال وهو ما سيثقل كاهل الدولة ويضيف عددا جديدا إلى العاطلين في المنطقة.

وقال إن مسألة بيع القصور الرئاسية، هي بادرة تنم عن موقف مسؤول ومتزن لرئيس لم تلهه المناصب السياسية عن مطالب الشعب، بل وفي أول يوم لاستلامه مقاليد الحكم في البلاد يقرر بيع قصور تقدر بمليارات الدولارات لفائدة شعب ينوء بأحمال قسمت ظهره لأكثر من ربع قرن.

وقال إن وزارة أملاك الدولة ستتولى القيام بجردة لهذه القصور ثم تعيين المكلف العام بنزاعات الدولة ليتولى مهمة متابعة مسألة البيع.

وأما الجانب السلبي فقال المحلل إن القصور هي رموز تاريخية وحضارية شامخة، وهي تراث وطني من باب أولى وأحرى تحويلها إلى متاحف وطنية ومنظمات للمجتمع المدني، خاصة وأن اغلبها يقع في أجمل المناطق السياحية والغابية في البلاد كما يمكن استغلال هذه القصور في شكل كليات دولية ومعاهد كبيرة أو مراكز سياحية لإيواء الطلبة والباحثين من تونس والخارج.

وقال إن القيمة الحقيقية لهذه القصور إنما تكمن في تاريخها ومعمارها الذي لا يمكن أن يوجد في دول أخرى وهي مكسب وطني يجب المحافظة عليه.

ونوه المحلل بقرار الرئيس التونسي الموقت القاضي بإرجاع القطع الأثرية الموجودة في قصر قرطاج الرئاسي إلى المتاحف الوطنية للمحافظة عليها والاستفادة منها، بعد معاينتها من المعهد الوطني للتراث، حرصاً على الحفاظ على تاريخ تونس وصيانة تراثها الحضاري وتمكين الباحثين من الاطلاع على الآثار ودراستها.