الإدارة الأميركية تتهم الحكومة اليمنية بالتضليل

اتهم قادة عسكريون أميركيون أشرفوا على الضربات الصاروخية التي استهدفت تنظيم القاعدة في اليمن العام الماضي، حكومة الرئيس علي عبد الله صالح بتضليلها من خلال إعطائهم معلومات خاطئة أدت إلى مقتل زعيم سياسي ساءت علاقته مع أسرة الرئيس.


لندن: يعتقد قادة عسكريون اميركيون اشرفوا على الضربات الصاروخية التي استهدفت تنظيم القاعدة في اليمن العام الماضي، أن حكومة الرئيس علي عبد الله صالح مدّتهم بمعلومات مضللة وانها استدرجتهم الى قتل زعيم سياسي محلي ساءت علاقته مع أسرة الرئيس.

وكان هجوم صاروخي اميركي في 25 ايار (مايو) 2010 اسفر عن مقتل ستة اشخاص على الأقل، بينهم الشيخ جابر شبواني (31 عاما) نائب محافظ مأرب وسط اليمن. وكانت الحكومة اليمنية هي التي قدمت المعلومات التي استُخدمت في الهجوم، لكنها لم تقل ان الشيخ شبواني سيكون من بين الموجودين في المكان، كما يقول عدة ضباط عسكريين اميركيين حاليين وسابقين.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن هؤلاء الضباط انهم يعتقدون ان المعلومات التي زوّدها اليمنيون، ربما تعمدوا فيها ان تسفر الضربة عن مقتل الشيخ شبواني. وقال مشارك في نقاشات عالية المستوى بين مسؤولي الإدارة الأميركية quot;نحن نعتقد بأننا خُدعناquot;.

وتنفي حكومة الرئيس صالح انها استخدمت الحملة الأميركية ضد تنظيم القاعدة في اليمن لتصفية خصم سياسي أو انها قدمت معلومات مضللة.
وهي تقول ان الرئيس صالح وغيره من المسؤولين استشاطوا غضبا عندما علموا بمقتل الشيخ شبواني. ولكن اذا صحت قصة الخديعة فإن ذلك سيكون من اخطر الانتكاسات في حملة ادارة الرئيس اوباما ضد الإرهاب، ويلقي ضوءا ساطعا على التوترات التي كانت تحتدم وراء الكواليس بين الولايات المتحدة والرئيس اليمني.

ويقول مسؤولون اميركيون ان ملابسات الهجوم ما زالت غامضة ولا يُعرف إن كانت المعلومات التي قُدمت الى الولايات المتحدة مضللة عن قصد.

ومع ذلك يتفق العديد من المسؤولين الأميركيين على ان الحادث أثار مخاوف داخل الادارة بشأن ما تعرفه الولايات المتحدة حقا عن الأشخاص الذين كانت تقتلهم خلال الفترة الواقعة بين كانون الأول(ديسمبر) 2009 وايار(مايو) 2010. وأعقبتها سنة تقريبا من التوقف عن هذه الهجمات الصاروخية وقيود جديدة على عمل الأجهزة الاميركية في اليمن وخاصة القيادة المشتركة للعمليات الخاصة.

ولعشيرتي صالح وشبواني تاريخان متشابكان في اليمن. فان الشيخ جابر شبواني وشقيقه قاتلا الى جانب صالح خلال الحرب الأهلية اليمنية في التسعينات. وعام 2010 قرر صالح تعيين شبواني نائب محافظ مأرب.

ولكن الأشهر التي سبقت الهجوم القاتل شهدت اندلاع نزاع بين شبواني ومتنفذين في أسرة صالح، كما يقول أقرباء للشيخ ويمنيون آخرون.

وكان سكان مأرب يشكون من نقص المدارس والخدمات وتردي البنية التحتية، ومن طريقة تقاسم عائدات النفط المحلية مع الحكومة. وفي ذلك الوقت ارسلت حكومة صنعاء الشيخ شبواني في مهمة لعقد اجتماع غير رسمي مع عناصر من تنظيم القاعدة في مأرب في محاولة لإقناعهم بنبذ التنظيم الارهابي، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن الشيخ علي شبواني والد القتيل. وكان المسؤولون العسكريون الأميركيون ينظرون الى مثل هذه المفاوضات بعين الريبة، خشية ان يعقد صالح صفقات مع مسلحي القاعدة بدلا من مقاتلتهم.

وقال الضباط الاميركيون الحاليون والسابقون انه لم يكن لديهم علم بمهمة شبواني، ولكنهم تلقوا معلومات من حكومة الرئيس صالح عن اجتماع وشيك سيعقده في المنطقة قياديون من تنظيم القاعدة.

وعلى اساس المعلومات المتاحة عن ذلك الاجتماع، وافق البيت الأبيض والقادة العسكريون والسفير الاميركي في صنعاء على استهداف المجتمعين بضربة صاروخية. ويقول افراد من عائلة شبواني ان صاروخا اطلقته القوات الاميركية قتل بعد انتهاء الاجتماع، الشيخ جابر شبواني وخمسة آخرين على الأقل من ابناء قبيلته. وقال مشارك في النقاشات التي جرت في البيت الأبيض، ان الولايات المتحدة كانت مقتنعة في البداية بأن الهجوم استهدف عناصر من تنظيم القاعدة كما كان مخططا له. وقال هذا المسؤول ان البيت الأبيض فوجئ بعد ساعات بأن الهجوم اسفر عن مقتل الشيخ شبواني.

وأوضح المسؤول ان الولايات المتحدة لا تملك دليلا قاطعا على ان الحكومة اليمنية استهدفت الشيخ شبواني بالهجوم الاميركي، ولكن حذف اسمه من المعلومات التفصيلية التي قدمتها صنعاء الى الأميركيين اثار شكوكا. وقال المسؤول ايضا ان الحديث عن وجود ضابط استخبارات يمني في موقع الهجوم اضافة الى الظنون بأن الحكومة اليمنية كانت على علم بوجود شبواني هناك. ويقول افراد من عائلة شبواني ومسؤولون محليون ان ضابط الاستخبارات نجا من الهجوم.

وفي واشنطن سرعان ما اتضح ان الهجوم اصاب شخصا آخر الى جانب هدفه الأصلي. وطالب كبير مستشاري اوباما لمكافحة الارهاب جون برينان غاضبا بتقديم ايضاحات.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول يمني كبير في واشنطن، ان الشيخ شبواني لم يبلغ احدا في الحكومة بأنه سيكون في المكان الذي وقع فيه الهجوم. ولكن والد شبواني يطعن في ذلك وقال الشيخ علي شبواني في اتصال هاتفي quot;ان الحكومة كانت تعلم بمهمة جابر للتفاوض مع بعض العناصر الارهابية لأنهم هم الذين ارسلوه الى هناكquot;.

وما زال مسؤولون كبار في ادارة اوباما يدافعون عن الهجوم. وفي الوقت الذين يعترفون بأن مقتل نائب محافظ مأرب كان خطأ فان هؤلاء المسؤولين يقولون ان نشاطاته كانت مريبة مشيرين الى اتصالاته مع اشخاص مطلوبين.

وأكد افراد من عائلة شبواني وقادة محليون، أن الشيخ جابر لم يكن حليفا لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. ولكن الشيخ علي شبواني قال ان قريبا يدعى غياث شبواني عضو مطلوب في التنظيم، استهدفته الهجمات المدعومة اميركيا لمكافحة الارهاب مرتين من قبل وأفلت في المرتين.

وقال مسؤولون اميركيون حاليون وسابقون، ان الجيش الاميركي لم يحقق في مقتل شبواني بسبب تعذر إرسال محققين الى المكان.

ودافع مشاركون في نقاشات مجلس الأمن القومي التي جرت بعد الهجوم عن القيادة المشتركة للعمليات الخاصة التي نفذت الهجوم وفق المعايير التي حددها البيت الأبيض. ولكن آخرين اشاروا الى وجود تقصير في عملية التحقق من هوية الهدف، جعل هذه العملية شديدة الاعتماد على ما تقدمه الحكومة اليمنية من معلومات.

بعد هذه الأخطاء التي اعترت العملية تحركت وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) لتعزيز قدراتهما الاستخباراتية في المنطقة بإعادة توجيه الأقمار الاصطناعية التجسسية ونقل طائرات من دون طيار الى قاعدة سرية قريبة من اليمن.

واستأنفت القيادة المشتركة للعمليات الخاصة ضرباتها في ايار(مايو) مستخدمة هذه المرة طائرات من دون طيار فضلا عن طائرات مأهولة.
واطلقت السي آي أي برنامجا موازيا لعمليات طائراتها من دون طيار في اليمن ابتداء من ايلول(سبتمبر) مدشنة البرنامج بضربة ناجحة اسفرت عن مقتل المواطن الاميركي ورجل الدين الراديكالي انور العولقي.

في غضون ذلك جرى تشديد الضوابط انسجاما مع التغييرات التي شهدتها برامج مكافحة الارهاب الاميركية في الصومال وباكستان، بتضييق قائمة الأهداف واعطاء ثقل أكبر للاعتبارات الدبلوماسية. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مشارك في النقاشات داخل الادارة الاميركية ان الحصول على موافقة على اضافة اهداف جديدة الى القائمة أصبح اصعب وquot;ان برينان يريد ان يتوثق من اننا لن نُخدع مرة أخرىquot;.