شباب عراقيون بقصات شعروتقليد غربي

يلجأ الكثير من الشبان والفتيات في العراق إلى تقليد عادات غربية، سواء من خلال الملابس أو قصات الشعر أو غيرها من التصرفات، حتى إن البعض بدأ يُدخل الكلمات الأجنبية خلال الأحاديث اليومية.


في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية في العراق،ينشأ الكثير من الظواهر التي تبدو طارئة وجديدة في مظاهر الحياة اليومية العراقية. أبرز هذه الظواهر... تلك التي تنتشر بين الشباب من الذكور والإناث، وغالبيتها تتعلق بأسلوب المظهر وطريقة السلوك.

المثير في هذه الظواهر هو أن معظمها يعكس التأثر الكبير للشباب بالانفتاح على الغرب، حيث يحاول الكثير منهم تقليد مظاهر الحياة الغربية، وكسر القيود المفروضة على حرية السلوك.

ورغم أن هذه الظاهرة تشترك فيهاغالبية شعوب العالم الثالث المستورد للظواهر الجديدة من أزياء ومظهر وسلوكيات، إلا أنها في المجتمع العراقي تتميز بخصوصية، بسبب الانفتاح المفاجئ للمجتمع (العراقي) على العالم، بعد عقود من الانغلاق والانضباط السلوكي، الذي تفرضه الأفكار والسلوكيات، التي كانت سائدة إبان فترة العهد العراقي السابق، والذي أطيح به في العام 2003.

وكان العراق قبل هذا التاريخ شهد قيودًا صارمة على الشباب المقلِّد للثقافات الغربية، كما توافرت في ذلك الوقت شروط في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، لا تتيح إطلاق العنان للشباب المراهق في المبالغة في المظهر، بدءًامن ارتداء قمصان تحوي شعارات أجنبية أو تطويل الشعر بشكل عدّ غير لائق في ذلك الوقت.

بين عصرين
بحسب الباحث الاجتماعي أيمن حسين، والعامل في مراكز شباب بابل (100 كم جنوب بغداد)، quot;فإننا غالبًا ما نذكر العام 2003، كحدّ زمني فاصل بين عصرين. ويضيف: هذا صحيح إلى حد كبير لأن هذا العام لم يقلب نسق الدول العراقية الرسمي فحسب، بل غيّر الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة لعقود طويلة في البلادquot;.

ويضيف: ولعل من أهم هذه المظاهر، الرغبة الكبيرة لدى مجموعة ليست صغيرة من الشباب العراقي في الخروج عن المفاهيم الاجتماعية السائدة، والتي يعتبرونها مقيّدة لهم، فيلجأون إلى ارتداء الأزياء الملفتة للنظر.

ومن المظاهر الملفتةكذلك ارتداء فتيات العراق للبنطال الضيّق، لاسيما تحت العباءة، في تقليد واضح لأسلوب النساء الخليجيات. وتقول فرح عصام (طالبة جامعية) إن المرأة العراقية تحرص على أن لا تكون مثار فتنة، فترتدي العباءة، التي لا تكشف تفاصيل جسدها، في حال ارتدائها البنطال الضيق، وحتى الجينز.

الأزياء الغربية
يرغب الكثير من جامعيات العراق ارتداء البنطلون، الذي يضيق على أجزاء البدن رغم ارتدائهن الحجاب، بحسب فرح.

وتوجد بين فتيات العراق من ترغب في تقليد الرجال بالزيّ الذكوري، الذي يجدن فيه أكثر حرية، ويرونه مناسبًا أيضًا للعمل ولأوقات الدوام الرسمي.

ورغم أن أكثرية النساء العراقيات يتجهن إلى الحجاب، إلا أن ذلك لا يمنع من تنافسهن على الأزياء الغربية، التي غالبًا ما تكون المفضلة لديهن في الحفلات الخاصة وأوقات اللقاءات.

يقول الشاب أحمد كامل إن الكثير من الشباب يرغب في الانتظام كجماعات quot;إيموquot;، الذين يتميزون بمظاهرهم وسلوكياتهم الملفتة للنظر.

ورغم الدعوات إلى مظاهر المحافظة من قبل مؤسسات وجهات دينية واجتماعية، إلا أن البعض لا يجدفي الانفتاح على العالم ومواكبة الموضة أي تعارض مع تلك الدعوات.

يقول الشاب محمد فرحان (16 سنة) إنه يؤدّي الشعائر الدينية، وفي الوقت نفسه،فإنه يحرص على إتباع أحدث قصات الشعر، لاسيما الغريبة منها، إضافة إلى ارتداء الأزياء الملفتة للنظروفق النمط الغربي.

من بين شباب الإيمو، وسام محمد، الذي يتميز بمظهره الدقيق الترتيب، ومشاعره الحساسة تجاه أي سلوك يصدر من الآخرين. يحبّذ وسام ارتداء الحذاء الأحمر الطويل المقدمة، كما يهتم كثيرًا بترتيب شعره وقصه وفق أحدث الصرعات.

يقول وسام إن وجهة نظره هي الصحيحة، حين يشير إلىأن على الشباب العراقي أن يضفي مظاهر الجمال على المشهد اليومي. ويتابع: عدم الاهتمام بالمظهر جزء من أفكار متخلفة، لم نستفد منها شيئًا.

ويتابع، محاولاً فلسفة تصرفه: يجب على الجميع التمتع بالحياة. وإلى جانب وسام، يقف صديقه، الذي يرتدي حزامًا عريضًا من الجلد يضيق على قميص أحمر بخطوط سوداء، وقد أسدل مقدمة شعره على وجهه وأذنيه بطريقة (لايف ستايل)، بحسب تسميته.

يرى وسام أن جماعة (إيمو) يشكلون الآن حضورًا فيغالبية مدن العراق، مكوّنين جماعات لها أسلوبها، ووجهة نظرها في الحياة.

العزلة الاجتماعية
يلفت الاختصاصي النفسي أحمد نعمان إلى أن هذه الظاهرة لا تعني أن كل هؤلاء الشباب منفتحون على الآخرين. ويتابع: بحسب تجربتي، فإن معظمهم ممن يحب العزلة، ويمقت المجتمع، ويحاول أن يتميز عنه بالمظهر والسلوك.

وتشير تجارب نعمان إلى أن البعض منهم مَن يرغب في العزلة الاجتماعية، بل ويلجأ في بعض الأحيان إلى معاقبة نفسه أوإلى نسيان مشاكله عبر الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة، مثل موسيقى الروك الغربية، وليست الموسيقى العربية أو العراقية.

يرى نعمان أن الكثير من الشباب العراقي يعاني مشاكل اجتماعية ونفسية متعددة، تتمثل في الإحساس بالعزلة والقلق والحرمان، بسبب البطالة، حيث ينتج منها سلوكيات منحرفة. لكنه يلفت النظر إلى أن هذه الظاهرة غالبًا ما تقترن بفترة عمرية معينة يمر بها المراهق، ثم لا تلبث أن تنتهي.

ويلجأ بعض الشباب إلى تجميل الوجه تمامًا مثلما تفعل المرأة. ويحمل سليم مظفر الكحلة السوداء، أينما حلّ، إضافة إلى بعض مستحضرات التجميل، محاولاً إضفاء لمسة أنوثة على مظهره الذكوري.

ويعترف سليم أنه يواجه بعض الانتقادات من قبل المحيطين به، لكنه يجد شخصيته في هذا quot;الستايلquot; الجميل، بحسب تعبيره.

يرتدي ليث حسن الملابس السوداء، مع حروف غربية بيضاء تطرّز قميصه، وعصبة سوداء فوق رأسه، في مظهر استثنائي في الحياة اليومية. يقول ليث معلقًا على السؤال حول مظهر الغريب: هذه حريتي الشخصية، وأشعر بالراحة النفسية في هذا المظهر. ويعمل ليث في أحد محال بيع الملابس في الكرادة في بغداد.

الجنس الآخر
تحتل موضة (الهافي ميتل) المشتقة من نوع من الموسيقى مكانة مهمة بين اهتمامات بعض الشباب، إضافة إلى موسيقى (الهارد روك).

وفي غالب الأحيان، يبحث أفراد جماعة إيمو عن صداقات مع الجنس الآخر، لكنهم لم يفلحوا في ذلك في معظم الأوقات. يقول ليث إن البعض منهم يلجأ إلى علاقة وهمية يتصوّرها موجودة، فيروي لنفسه وللآخرين أحداثًا لم تقع، بل هي أحلام، يسعى إلى أن تكون واقعًا في يوم من الأيام.

إضافة إلى هذه الظاهرة، فإن هناك أساليب جديدة في السلوك والمظهر تنتشر بين شباب العراق، فالكثير منهم يسعى إلى ارتداء القمصان، التي تحمل رسومات وحروفًا ذات دلالة. وترتدي لمى سعد قميصًا اشترته بسبعين ألف دينار عراقي، وهو مطرّز برسومات تتوسطها حروف بالانكليزية.

أما سعاد هاشم فتحرص على ارتداء بنطال جينز ضيق، لأنها تراه أكثر عملية من التنورة، ويتيح لها حرية الحركة أثناء العمل والدراسة.

وشهد العراق منذ سبعينيات القرن الماضي الكثير من quot;التقليعاتquot;، التي قلدها الشباب مثل الهيبز والخنافس و(الميني جوب) و(الجارلس). ومقابل جماعة ايمو، هناك جماعات من الشباب العراقي ترتدي العصبة الملونة على الرأس مع بنطال فضفاض جدًا، ومنهم محمد حسين، الذي يطرّز ذراعيه بالوشم أيضًا.

ترك محمد الدراسة في المرحلة المتوسطة، ويعمل الآن في متجر، حيث يحرص على الحلقات الملوّنة في معصمه، ويضع في أذنيه سماعات quot;إم بي ثريquot; ليستمع إلى أغاني الروك وغيرها من الموسيقى الغربية.

الكلمات الغربية
مظهر آخر من مظاهر الانفتاح بين أفراد المجتمع العراقي هو النزوع إلى استخدام الكلمات الغربية العرضية بين الجمل، في محاولة لإثبات الانفتاح على العالم عبر استخدام هذه المصطلحات، لاسيما الانكليزية منها.

ولا يرى الطالب الجامعي في الأمر من غضاضة، لأن المصطلحات الأجنبية دخلت بقوة إلى المجتمع، عبر الإعلام والمنتجات الصناعية، وكذلك عبر المناهج الدراسية.

لكن البعض من العراقيين (المحافظين) يجدون في تصرف الشباب إضرارًا باللغة العربية، ومحاولة لاختزالها وإضعافها، لاسيما أن البعض منهم يردد الأغاني الأجنبية ويستمع إليها ساعات طوال.