يتابع الشارع الاسبانيّ ووسائل الإعلام والسياسيون بانتباه احتجاجات مصر التي تطالب بإسقاط نظام الرئيس مبارك، واختلفت تحليلات المتابعين مما يجري وتباينت. وفي ما يلي ينقل مراسل (إيلاف) الأجواء في اسبانيا متحدّثا إلى محللين لتشخيص سيناريوهات ما بعد الأزمة.

لمتابعة أخبار ثورة مصر: أنقر على الصورة

مدريد: تتضارب المواقف والتحليلات السياسية في إسبانيا حول المخرج السلمي للأزمة التي تعيشها مصر.

وبعد أيام من اندلاع ثورة إسقاط الرئيس حسني مبارك من الحكم، أبدت الحكومة الإسبانية موقفا متحفظا وهي تتابع بحذر ما يحدث في القاهرة، كما تخلى بعض المحللين السياسيين الأسبان من عقدة quot;عدم المجازفةquot; في التكهن بسيناريوهات سقوط أو صمود نظام مبارك وكيف سيكون ذلك، رغم أن الشارع و وسائل الإعلام الإسبانية لم تخف تضامنا مع الشعب المصري ومطلبه بإسقاط نظام حسني مبارك وذلك منذ اليوم الأول من رفع شعار quot;مبارك ارحلquot;.

الظاهر أن الحكومة والطبقة السياسية الإسبانية لم ترد المجازفة في الدخول بموقف واضح تجاه ما يحدث في مصر، و لم يصدر أي بيان أو تصريح رسمي من وزارة خارجيتها في الأيام الأولى من الأزمة، ماعدا تحذيرات أصدرتها وزارة الخارجية الإسبانية لرعاياها بعدم السفر إلى مصر للسياحة أو الأعمال تخوفا من عواقب محتملة.

كما يبدوا أن هموم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها إسبانيا قد جعلت من جهازها التنفيذي وحتى من رجال السياسة يتجنبون الدخول في حرب البيانات والمواقف الدولية تجاه مصر .

تكلم ثاباتيرو أخيرا ..فماذا قال؟

بعد أيام من الصمت الحذر، خرج رئيس الوزراء الإسباني عن صمته حول ما يجري في مصر دون الكشف إن كان مع مبارك أو مع الشعب المصري.

سؤال عجزت في الإجابة عنه وسائل الإعلام الإسبانية، رغم أنه كان واضحا للبعض بأن إسبانيا وحكومتها ترفض التدخل في شأن مصر،و كفى.

فرئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس رودريجيز ثاباتيرو قال في تصريح للتلفزيون الإسباني بأنه ينظر و يتابع الوضع في مصر و أبدى تخوفه من خطر التدخل الخارجي في عملية الديمقراطية في مصر، ودعا إلى التحلي بالحكمة أمام الأحداث الجارية في كلّ من مصر وتونس.

وقال ثاباتيرو إنّ عملية التغيير الديمقراطي في أي بلد وبالأخص في بلد عربي يجب أن تولد و تنمو من الداخل، دون اللجوء للعنف، وهذا هو موقف الحكومة الإسبانية، رغم أن وزيرة الخارجية ترينيداد خيمينيث قالتquot; نساند الحكومات و الدول و لا نؤيد الأشخاصquot;.

وعلى جانب آخر أبدى خورخي موراغاس منسق العلاقات الدولية quot;بالحزب الشعبيquot; أقوى أحزاب المعارضة في البلاد موقفا متحفظا تجاه ما يحدث في مصر، و قال بأن على مصر اللجوء بهدوء إلى حركة الإصلاح دون راديكالية لتجنب الفوضى والشرخ الاجتماعي، على حدّ تعبيره.

وأضاف بأن حزبه يدعم الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي، و لم يشر القياديّ بأهم قوة سياسية في إسبانيا إلى موقف صريح تجاه رحيل أو بقاء الرئيس حسني مبارك في الحكم.

سيناريوهات متعددة

يرى الدكتور كارلوس إيشيفاريا المختص في العلاقات الدولية والأنظمة العربية في حديث خصّ به (إيلاف) أنّ الوضع أو الأزمة في مصر قد وصلت إلى ذروتها و نهايتها.
ويقول إيشيفاريا إنه من الصعب إسقاط أو تغيير النظام كما حدث في إيران والثورة ضد الشاه.

ويتوقع فالخبير الإسباني حكومة إئتلافية تضم مختلف القوى السياسية الفاعلة في مصر بما فيها حركة الإخوان المسلمين، و يضيف بأنه يتوقع خروجا أو انسحابا للرئيس مبارك بشكل مفاجئ ترك المجال لحكومة انتقالية تضم مختلف الطاقات السياسية في البلاد، رغم أن الوضع قد يتأزم أكثر للوصول إلى هذه النتيجة.

ولا يرى المحلل الإسباني تغيرا جذريا في النظام المصري أو حدوث انقلاب جذري للنظام بمعنى إقصاء كل وجوهه السياسية و المسؤولين الذين أداروا البلاد في مراحل سابقة، لأن هناك البعض والكثير من وجوه النظام الحالي قد مارسوا مهامهم ومسؤولياتها بشرف ونزاهة و بإمكانهم اليوم أن يشكلوا حلقة هامة في الحكومة الانتقالية الجديدة، على حدّ تعبير كارلوس إيشيفاريا دائما.

ويعتبر المختصّ في العلاقات الدوليّة بأن موقف الجيش المصري حاسم ومصيري بخصوص مستقبل حل الأزمة، فثقة الجماهير فيه ستدعم المرحلة الانتقالية التي تبدو على الابواب.

وبخصوص الموقف الدولي والأمريكي يقول الخبير الإسباني بأن دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بدون شك تراعي مصالحها السياسية والاقتصادية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط و هذا أمر واضح و معتاد، رغم أن المواقف الأوروبية بتحفظها قد تأخرت في الصدور لأن الصورة لم تكن واضحة في ساعاتها أو أيامها الأولى، وهذا يمكن أن يكون خطأ ستحاسب عليه لاحقا.

و حول الدور الذي يمكن أن يلعبه نائب الرئيس عمر سليمان، قال الخبير الإسباني في شؤون الأنظمة العربية والإرهاب بأن نائب الرئيس الحالي لمصر سليمان معروف بدوره وحنكته على الصعيدين الإقليمي و الدولي، وقد يكون له دور إيجابي في تهدئة الوضع مستقبلا، دون أن ننسى ثقة إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الرجل، لكن يبدوا أن الشعب المصري قد قرر التغيير الجذري رغم أنّ عمر سليمان يبقى رجلا مهما في المرحلة الانتقالية.

من جهة أخرى، ترى الدكتورة لوث غارسية من كلية الدراسات العربية والعلاقات الدولية بالجامعة الإسبانية عدة سيناريوهات لفك الأزمة التي تشهدها مصر ترتبط أساسا بثلاثة عوامل: الولايات المتحدة الأمريكية والجيش المصري والشعب.

وترى غارسية بأن قنوات التأثير في الوضع مفتوحة ومتعددة رغم أننا يمكن حصرها في العوامل السالفة الذكر، لذلك تضبط الخبيرة الإسبانية لـ(إيلاف) ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الاول: خروج الرئيس حسني مبارك من الحكم بضغوطات خارجية وداخلية نراها قد تنهي الاحتجاجات والمظاهرات، لكنها تشك أيضا في إمكانية بقاء مبارك بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبضمانات وعود.

السيناريو الثاني: إمساك قيادي في الجيش بزمام الأمور ورئاسة البلاد، ولا تشير الخبيرة هنا هنا فقط إلى نائب الرئيس عمر سليمان، ومهام هذا الرجل أو القيادي هو تسيير زمام الأمور خلال المرحلة الانتقالية لإطفاء شعلة الثورة الشعبية ولو لوقت معين ومحدد.

السيناريو الثالث: اللجوء لإنشاء لجنة حكماء لا تضم فقط الأحزاب السياسية والوجوه المعروفة بل فئة من الثوار الذين حملوا منذ اليوم الأول شعلة إسقاط النظام.

كما ترى الخبيرة الإسبانية بأن هناك صراعا داخليا في الجيش منذ سنوات قد يعود ليحيا في الوضع الراهن، والصراع سبق وأن اندلع بعد استفادة أطراف في الجيش من ثروات وصفقات بالشراكة مع جمال مبارك وهذا الصراع قد يعود للواجهة.

والسؤال يطرح هنا: هل أركان الجيش المصري قادرة على تجنب صراعاتها الداخلية ومصالحها لأجل مصلحة الشعب وأمنه ومستقبل البلاد ؟

الشارع الإسباني يترصد سقوط مبارك

تصدرت الأحداث و المظاهرات الشعبية في مصر عناوين كبرى الصحف ووسائل الإعلام الإسبانية التي لم تخلف و لو حدثا أو خبرا حول الوضع في مصر.

وبدا اتجاهها الإعلامي مساندا لثورة الشعب المصري حتى تلك الصحف المقربة من الحكومة وأولها صحيفة quot;الباييسquot; وحتى القناة الأولى التلفزيونية الإسبانية التي تابعت الأزمة ونقلت مطالب الشعب المصري لإسقاط الرئيس مبارك من الحكم.

أما الشارع الإسباني فقد سارع لإبداء موقف مساند للشعب المصري حيث شارك المئات من أفراد المجتمع المدني الإسباني في مظاهرات احتجاجية أمام مبنى السفارة المصرية بمدريد إلى جانب أبناء الجالية المصرية، ورفعوا شعارات تدعو لسقوط النظام المصري.

وفي استطلاعات جمعتها (إيلاف) قال مانويل إسبينار عضو منظمة السلام والتضامن الإسبانية بأن كل الشارع الإسباني مع مطلب الشعب المصري وعلى الرئيس مبارك أن ينصرف ويستجيب لمطلب الجماهير، ولا داعي للمراوغات السياسية ضد حق الشعب المصري في تقرير مستقبله السياسي.

ومن جانبه قال إنريكي غاسبار رئيس مؤسسة حوار الحضارات بأن الوضع خطير في مصر، وعلى النظام والجيش المصريين أن يراعيا حرية الشعب المصري والحل في رأيه هو انسحاب الرئيس من الحكم وتشكيل حكومة ديمقراطية.

إنريكي غاسبار لديه محاضرة يوم 8 فبراير في الإسكندرية وقد قال لنا أنه لا يعلم إلى حد الساعة ماذا يفعل، هل يسافر أم يلغي سفره، فهو يتابع الوضع باهتمام شديد على حدّ تعبيره.

ومن جانبها قالت صوفيا بيريز لـ(إيلاف) بأنها كانت مؤخرا في القاهرة و قد رأت و تأسفت للفقر والحالة الاجتماعية العسيرة التي يتخبط فيها المواطن المصري في ظل إهمال الحكومة المصرية لتحقيق الحد الأدنى لاحتياجات المواطن، و لهذا فهي ترى بأن سقوط نظام مبارك حل لاستقرار الشعب المصري واستعادة حريته.

الجالية المصرية في إسبانيا تتوقع فرار مبارك ولحاقه ببن علي

أبدت الجالية المصرية المقيمة في إسبانيا ثقة كبيرة في انتصار الشعب المصري وانهيار النظام بفرار الرئيس حسني مبارك خارج البلاد مثلما فعل الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

و في تصريحات أبناء الجالية المصرية جمعتها إيلاف من مدريد، بدت الآراء متفقة على ضرورة مواصلة الكفاح في شوارع مصر وعلى المتظاهرين عدم التراجع أبدا، وعدم الثقة في وعود الرئيس مبارك في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.

محمد منصور طالب مصري بمدريد، يرى بأن الحل هو رحيل مبارك أو فراره لا يهم، فالمهمّ برأيه هو إعلان حكومة انتقالية و تعديل الدستور لتغيير النظام.

ومن جانبه يرى صلاح الدين وهو تاجر مصري بأن شرعية الرئيس مبارك قد أسقطتها الجماهير وعليه الفرار قبل أن يتأزم الوضع أكثر، وعلى الملايين من المصريين أن لا يعودوا لبيوتهم حتى يسقط النظام كما حدث في تونس.

و يواصل أبناء الجالية المصرية متابعتهم للأحداث في بلدهم، وقد صارت ضواحي المركز الإسلامي بالعاصمة مدريد و (حي لفابييس) الشعبي بالعاصمة الإسبانية مقرا للقاءاتهم ومسرحا لتضامن الجالية العربية المقيمة في إسبانيا مع أبناء مصر الذين يتحدثون دون بلا انقطاع عن الوضع في مصر وثورة الياسمين في تونس وماذا ينتظر القادة العرب في دول مجاورة.