تشير التصريحات المختلفة التي ينقلها مراسل (إيلاف) والصادرة عن حقوقيين وشباب مُحتج في ميدان التحرير في القاهرة إلى أنّ العلاقة بين الجيش والمتظاهرين تتسم بالودّ رغم بعض العتاب الموجّه للجيش الذي لم يحم المحتجين لما هاجمهم أنصار مبارك وقتلوا منهم 7 وجرحوا المئات منذ يومين.


القاهرة: كان مشهد الضابط وهو يبكي بينما يتعرض الثوار المصريّون للضرب بالرصاص وقنابل المولوتوف في ميدان التحرير، خير دليل على أن الجيش جزء من الشعب.

وجاءت زيارة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي إلى الميدان، لطمأنة المحتجين إلى أن الجيش لن يطلق الرصاص عليهم، بل يعمل من أجل حماية الوطن.

منذ يوم جمعة الغضب، رفض فض التظاهرات بالقوة، وإطلاق النار على من يخرق حظر التجوال، وبدلاً من أن تدهس الدبابات المحتجين، كما فعلت سيارات الشرطة، سمح الجنود والضباط لهم بامتطاء ظهرها، والتقاط الصور وهم يرفعون العلم، ويشيرون بعلامة النصر.

وظلت العلاقة بين المتظاهرين أو الثوار كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم على ما يرام، ولا تشوبها أية شائبة، بل كانت quot;زي السمن على العسلquot; حسبما يقول المثل الشعبي، حتى يوم الأربعاء الماضي، حيث شهدت العلاقة، تحولاً في أعقاب مهاجمة المئات من البلطجية المؤيدين لمبارك الميدان، ويقال إنهم كانوا مدعومين من وزارة الداخلية وقيادات في الحزب الوطني الحاكم، ما أسفر عن قتل سبعة من المحتجين وجرح نحو ألف آخرين.

ووجه المحتجون بعض اللوم للجيش لأنه لم يقم بما يكفي من أجل حمايتهم، حسبما يعتقدون. وقال وليد، أحد المرابطين في ميدان التحرير لـquot;إيلافquot;: ليلة الأربعاء كانت فاصلة في العلاقة الودية بيننا، حيث عكر صفوها عدم تدخل أفراد الجيش المتواجدين في الميدان بشكل حاسم، لحمايتنا من البلطجية الذين كانوا مسلحين، وكثيراً ما ناشدنا أحد القادة الوقوف إلى جوارنا، وقال إنه سوف يتصل بالقادة الأكبر في مقر القيادة أولاً، واستمر الحال عدة ساعات، ولما عدنا إليه، قال إنه لا يستطيع التدخل، وعلينا أن نعود إلى خلف الدبابات، لكننا نلتمس له العذر، ويكفي أنه لم يطلق علينا النار أبداً منذ أن نزل للشوارع يوم الجمعة الماضي.

أحد الضباط فجر مفاجأة مدوية بالقول إن الجيش كانت لديه أوامر بإطلاق الرصاص على المحتجين، والسيطرة على الثورة بأي ثمن، الأمر الذي رفضه القادة والضباط والجنود، هذا ما نقله أحد المحتجين المعتصمين في الميدان عن الضابط لـquot;إيلافquot;، وأضاف المحتج ويدعى فتحي ويعمل كيميائيا في شركة أدوية: كلام الضابط يؤكد أن خلافاً حدث بين القيادة السياسية والعسكرية في مصر حول التعاطي مع الثورة، ونحن ندرك أن الجيش لن ينقلب على مبارك، وأنه قد ينتظر انتصار الثورة. وتابع: نحن نعيش معاً في الميدان، نقتسم اللقمة وشربة الماء، نحن أبناء شعب واحد، هم يعانون ما نعانيه، الفقر وسوء الأوضاع المعيشية، ولهم أشقاء يشكون من البطالة.

كان مشهد أحد الضباط وهو يجلس إلى جوار مصاب من المحتجين، و يمنحه قطعة من البسكويت، ويربت على كتفه، كفيلاً بالتأكيد أن العلاقة بين الجيش والثائرين جيدة، وإن شابها بعض التعكر بعد أحداث الأربعاء الدامية، التي قتل فيها أنصار مبارك سبعة محتجين وجرحوا نحو ألف آخرين، وقال المحتج الجريح لـquot;إيلافquot;: إن ضباط الجيش وجنوده كانوا إلى جوارنا دائماً، وقد حاولوا منع أنصار مبارك المسلحين من مهاجمتنا في حدود الأوامر والتعليمات، حتى لا يتم محاكمتهم عسكرياً، فهم في النهاية أعضاء في المؤسسة العسكرية، وليسوا أعضاء في مؤسسة مدنية.

ويؤكد حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لـquot;إيلافquot; من أرض ميدان التحرير أن العلاقة بين الجيش والمحتجين على ما يرام رغم أنه لم يقم بما يكفي للفصل بين المؤيدين لمبارك المدعومين بالسلاح، والمتظاهرين السلميين المعارضين لبقائه في السلطة. وأضاف أبوسعدة: أعتقد أن الجيش سيظل على حياده بين المحتجين والسلطة، ولن يستجيب للمطالبة الداعية إلي التدخل، لإجبار مبارك على التنحية، بل سينتظر حتى النهاية، إما أن تنتصر الثورة أو تهدأ ويرحل مبارك بعد انتهاء ولاية الرئاسية الحالية في سبتمبر المقبل، ولدي يقين أن الثورة سوف تنتصر، ويرحل مبارك عن الحكم قريباً.

ودعا أبو سعدة الذي شارك في التظاهرات أمس، المحتجين إلى عدم مغادرة ميدان التحرير، مؤكداً أن هؤلاء الشباب يحمون مصر كلها الآن، ولاسيما المعارضون ونشطاء حقوق الإنسان والصحافيون المعارضون، لأنهم لو عادوا إلى بيوتهم من دون أن تحقق مطالبهم، سوف ينقض علينا النظام الحاكم ويفتك بالجميع.

واتفق معه الناشط الحقوقي نجاد البرعي الذي قال لـquot;إيلافquot;: الثورة هبة واحدة، فإذا اندلعت لا تهدأ من دون تحقيق مطالبها كاملة، وإذا رحل هؤلاء المحتجون الآن، فلن تكون ثورة، سيتم إجهاضها، وأعتقد أن أحدا من الشباب الثائر ليس لديه الرغبة في العودة للمنزل، وأن يهدر دماء زملائه الذين سقطوا شهداء تحت عجلات سيارات الشرطة أو برصاصها.

ورفض البرعي تدخل الجيش لإنهاء الأزمة لصالح المحتجين، مؤكداً أن ذلك ليس في صالح الثورة، بل سيكون إنقلاباً عسكرياً، وليس ثورة شعبية، وسوف يأتي العسكر إلى السلطة، وقد لا تتحقق الديمقراطية المنشودة في مصر، ومن الأفضل أن يظل على حياده، حتى تتحقق أهداف الثورة.

أحمد سليم أحد المحتجين في ميدان التحرير يرى أن حديث قائد القوة المرابطة في الميدان إليهم الخميس الماضي، بدد مخاوفهم من أن يكون الجيش يقف في خندق واحد مع السلطة ضدهم، مشيراً إلى أن القائد العسكري أعلن أنه لن يتم إطلاق النار عليهم أبداً، وحذرهم من الشائعات التي تروج للقول إن الجيش أطلق الرصاص على أحدهم في أي مكان.

وقال سليم لـquot;إيلافquot;: نعلم أن الجيش يتعاطف معنا، لأنه جزء من النسيج المصري، لذلك لن ينقلب على ثورتنا، ولن يصوب بنادقه أو فوهات مدافعه إلى صدورنا، وهذا ما فهمناه ضمنياً من زيارة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع هذا الصباح للميدان، وفي رأيي أن تلك الزيارة المهمة من وزير الدفاع جاءت لطمأنتنا، والتأكيد أن الجيش لن يطلق علينا النار.