تسبّبت الأنباء التي تحدثت عن احتماليّة مغادرة الرئيس المصري حسني مبارك إلى المانيا بإشعال نقاش سياسي محتدم في برلين، إذ يؤيد بعض ساسة هذا البلدالأمر بحجة أنها ستساعد على حقن الدماء، ويقول آخرون إنها اخر خطوة يتوقعها الشعب المصري من ألمانيا.


ميركل تستقبل مبارك في برلين خلال شهر سبتمبر الماضي

جاءت التكهنات التي أثيرت أخيرًا بشأن احتمالية مغادرة الرئيس حسني مبارك إلى ألمانيا لتلقي العلاج لتُشَكِّل ضغوطًا على برلين. وجاءت تلك الخطوة أيضًا لتلقي الضوء على المشاكل التي تواجهها الحكومة الألمانية في التعامل مع القادة الاستبداديّين: فهي تتوق إلى الاستقرار لكنها لا ترغب في أن يُنظَر إليها باعتبارها داعمةً للطغاة.

وذكرت في هذا السياق اليوم مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية أن مبارك قد يتوجه خلال الفترة المقبلة إلى ألمانيا من أجل إجراء بعض الفحوصات الطبية في عيادة quot;ماكس غرونديغquot; في بول جنوب غرب البلاد، وهي العيادة التي تتفاخر بأنها تُقدِّم أجواءً مثالية للاسترخاء والاستجمام وإعادة التأهيل. وتساءلت المجلة حول ما إن كان سيتخذ الرئيس مبارك قرارًا بقضاء الفترة المتبقية له في الحكم داخل تلك العيادة أم لا.

ووفقًا لمعلومات تحصَّلت عليها المجلة، فإن محادثات استكشافية تجرى الآن بالفعل حول إمكانية إقامة الرئيس مبارك في ألمانيا. وهو السيناريو الذي وصفته المجلة بـ quot; الجذابquot;، إذ إنه سيضمن رحيل الرئيس مبارك تحقيقًا لرغبة الشعب، وفي الوقت نفسهسيحافظ له على فرص الخروج بشكل كريم من السلطة. لكن دير شبيغل أكدت أنه مازال من غير الواضح ما إن كان الرجل نفسه مهتمًا بإستراتيجية الخروج هذه أم لا. ويبدو من المرجح بشكل متزايد حاليًا أنه قد يشدد قبضته على مقاليد السلطة.

ورغم ذلك، قالت المجلة إن مجرد طرح احتمالية قدوم الرئيس مبارك إلى ألمانيا قد تسبب في إشعال نقاش سياسي محتدم داخل البلاد. فمن جانبه، قال مارتن شولتز، رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي، إنه لا يبدي اعتراضًا على خطوة كهذه. وأضاف :quot; لما لا ؟ أنا أؤيد أي خطوات من شأنها أن تسمح له بالتخلي عن السلطة بطريقة كريمة وتعني بتسهيل عميلة الانتقال السياسي في مصرquot;.

وقال المار بروك، وهو عضو في البرلمان الأوروبي عن الحزب الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط في تصريحات لصحيفة فرانكفورتر روندشاو :quot; على الحكومة الألمانية أن تومئ بتكتم للرئيس مبارك بأن بمقدوره المجيء إلى ألمانيا إذا كان يرغب في ذلك. وإن كانت هناك من طريقة لتحقيق انتقال سلمي في مصر، فيجب العمل على تحقيقهاquot;. وهي المشاعر نفسهاالتي أبداها أعضاء آخرون في الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، وشركاؤهم في الائتلاف، الحزب الديمقراطي الحر.

وعلى الرغم من ذلك، أبدا كثيرون آخرون اعتراضهم على الخطوة ذاتها. وقال رئيس كتلة حزب الخضر المعارض في البرلمان الألماني، يورغن تريتين، في تصريحات لصحيفة quot;هانوفرشه الجماينهquot;، إن ألمانيا لا يجب أن تمنح مبارك مخرجًا سهلًا من مأزقه. وتابع بقوله: quot;هذا تقريبًا هو آخر شيء يمكن أن يتوقعه الشعب المصري منناquot;.

كما أبدى جيم أوزدمير، الزعيم المشارك لحزب الخضر، تشككه حيال الأمر، وقال: quot;يجب أخذ الحيطة لضمان عدم استخدام مبارك إقامته بإحدى المستشفيات الألمانية في التملص من مسؤولياته تجاه الشعب المصري. ولا يمكن لألمانيا أن تصبح ملاذًا فاخرًا للطغاة المخلوعينquot;. في حين قال راينر ستينر، الخبير في شؤون السياسة الخارجية، إن الإقامة في ألمانيا لأسباب طبية ستكون عملية مقبولة. وأضاف :quot;لكن المنفى في ألمانيا سيكون أمرًا مريبًا. وهناك دولًا أخرى يمكنها استقبال مباركquot;.

ومضت دير شبيغل تقول في الإطار عينه إن هذا النقاش والسجال المحتدم الذي أثير على مدار الأيام القليلة الماضية حيال هذا الأمر جاء ليلقي الضوء بشكل مركز على الورطة التي يواجهها الدبلوماسيون الألمان فيما يتعلق بتعاملهم مع الرئيس المصري المستبد وغيره من الحكام الديكتاتوريين في المنطقة. ثم تابعت المجلة واسعة الانتشار طرحها للمسألة بالقول: كيف يجب أن يتم التعامل إذن مع الحكام المستبدين؟ وهل ينبغي أن تستمر برلين على نهجها المعتاد نفسه، أم أن الوقت قد حان لتعيد تقييم موقفها الهادئ تجاه الطغاة الذين يكونوا وحشيين في كثير من الأحيان.

وقد انقسمت الآراء هنا، فأنصار النهج السابق لا يرون سببًا لتغيير الطريقة التي يتم من خلالها التعامل مع الحكام المستبدين، ويعتقدون أن ألمانيا يجب أن تواصل الطريقة المعتادة نفسها. وبمعنى آخر، هم يريدون من الساسة الألمان أن يتعاونوا مع المستبدين في ما وراء الكواليس، وأن يدعوا فقط لتحقيق الديمقراطية من خلال الخطب العامة الرنانة. ويرون أن ميزة تلك الطريقة هي أن ألمانيا يمكنها أن تعتمد على مقدار معين من الاستقرار في البلدان المعنية، التي تُفضِّل بدورها الأمن والتجارة.

أما المعترضون على النهج الذي كانت تسير عليه ألمانيا في السابق، فيشعرون أن التاريخ قد دافع عنهم. وهم إذا يطالبون الآن بإصلاح تام للنهج الذي تتبعه ألمانيا إزاء الحكام المستبدين ndash; حتى وإن كانوا غير متأكدين تمامًا من النهج الذي يريدون تطبيقه. وهنا، عاود السياسي يورغن تريتين ليقول :quot;يجب على الحكومة الألمانية أن تطلب بشكل لا لبس فيه انتقال سلمي للسلطة. وهو ما يجعلنا نريد من الرئيس مبارك أن يتقدم باستقالتهquot;. كما اقترح التفكير في تجميد معونة الاتحاد الأوروبي، من أجل الضغط على الرئيس المصري ليغادر منصبه. وهي الخطوة التي رأت المجلة أنها تتواكب مع المساعي التي ترمي إلى إحداث قطيعة تامة مع النظام في القاهرة.