رئيس الوزراء المستقيل محمد الغنوشي

رضخت الحكومة التونسية المؤقتة لمطالب الشارع الأحد، فأعلن فؤاد المبزع الرئيس المؤقت تعيين الباجي قائد السبسي وزيرًا أول، بعدما قدم محمد الغنوشي استقالته من المنصب، مؤكدا ان تلك الاستقالة لم تكن quot;هروبًا من المسؤوليةquot;، على حدّ تعبيره.


إسماعيل دبارة من تونس، وكالات: أعلن رئيس الجمهورية التونسية المؤقت فؤاد المبزع تعيين السياسيّ الباجي قائد السبسي رئيسًا للوزراء خلفًا لمحمد الغنوشي الذي أعلن استقالته مساء الأحد.

وقال الرئيس المؤقّت إن استقالة محمد الغنوشي quot;لم يكن أمرًا يترقبه، غير أنه أمام إلحاحه وإصراره، قبل هذه الاستقالةquot;، متوجهًا له بالشكر على quot;الجهود الكبيرة التي بذلها، وعلى تفانيه في العمل بصدق وإخلاص خدمة لتونس سيما في هذا الظرف الذي تمر فيه البلادquot;.

وأضاف أنه اعتبارًا للحرص على مصالح تونس وضماناً لاستمرارية الدولة بكل مؤسساتها طلب من الباجي قائد السبسي تولّي منصب الوزير الأول، وقد قبل تحمّل هذه المسؤولية، مبرزًا ما عرف به الوزير الأول الجديد من quot;وطنية وإخلاص لمصلحة البلادquot;.

وأعلن رئيس الجمهورية المؤقت أنه سيتوجه خلال الأيام القريبة المقبلة إلى الشعب التونسي بكلمة يعلن فيها عن خطة العمل المرسومة للمرحلة المقبلة على ضوء ما تقترحه الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي.

ودعا في خاتمة كلمته الأطراف كافةإلى التحلي بالهدوء والموضوعية، والعمل على الخروج من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد خلال هذه الأيام.

السبسي سياسيّ quot;بورقيبيّquot;

سادت حالة من quot;الدهشةquot; الأوساط التونسية مع تداول اسم السبسي سويعات قبل الإعلان رسميًا عن تعيينه على رأس الحكومة، فالأنظار كانت متجهة إلى السياسي المخضرم أحمد المستيري.

ورغم وجود حالة من التململ حول تعيين الباجي قائد السبسي دون جلوس وتشاور مع ممثلي المعارضة وممثلي المجتمع المدني ممّن ضلوا خارج الحكومة وبشكل بدا quot;متسرعًاquot; فإنّ كثيرين طالبوا بمنحه الفرصة والوقت لإخراج تونس من المرحلة الصعبة التي تمرّ بها.

الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء المُعيّن

ولد الباجي قائد السبسي الذي عيّن الأحد وزيرًا أول في 26 نوفمبر/تشرين الثاني1926 في ضاحية سيدي بوسعيد في شمال العاصمة تونس.

والباجي قائد السبسي هو محام وسياسي تولى مسؤوليات عدةبين 1963 و1991. تخرجفي كلية الحقوق في باريس عام 1950 ليمتهن المحاماة ابتداء من 1952.

وانخرط قائد السبسي في الحزب الحر الدستوري الجديد منذ شبابه، وبعد الاستقلال عمل كمستشار للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ثم كمدير إدارة جهوية في وزارة الداخلية، وعام 1963 عيّن على رأس إدارة الأمن الوطني، بعد إقالة إدريس قيقة على خلفية المحاولة الانقلابية التي كشف عنها في ديسمبر/كانون الأول1962.

وفي العام 1965، تم تعيينه وزيرًا للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري. وقد ساند من منصبه التجربة التعاضدية التي قادها الوزير أحمد بن صالح.

وتولى وزارة الدفاع بعد إقالة هذا الأخير في 7 نوفمبر 1969، وبقي في منصبهحتى 12يونيو/حزيران 1970 ليعيّن سفيرًا لدى باريس.

كما جمد رئيس وزراء تونس الجديد نشاطه في quot;الحزب الاشتراكي الدستوريquot; في عام 1971 على خلفية تأييده إصلاح النظام السياسي. وفي عام 1974 وقع رفته من الحزب لينضم إلى المجموعة التي ستشكل عام 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري. وقد تولى في تلك الفترة إدارة مجلة quot;ديموكراسيquot; (ديمقراطية) المعارضة.

وعاد إلى الحكومة في 3 ديسمبر 1980 كوزير معتمد لدى الوزير الأول محمد مزالي، الذي سعى إلى الانفتاح السياسي، وفي 15 ابريل/نيسان من العام 1981 عيّن وزيرًا للخارجية خلفًا لحسان بلخوجة.

يقال إنه لعب دورًا مهمًا أثناء توليه المنصب في قرار إدانة مجلس الأمن للغارة الجوية الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط.

وفي 15 سبتمبر/أيلول 1986 عوض بالهادي المبروك على رأس الدبلوماسية التونسية ليعيّن بعدها سفيرًا لدى ألمانيا الغربية. وفي العام 1989 انتخب لعضوية مجلس النواب ليتولى إثر ذلك رئاسة المجلس خلال الفترة من 1990 إلى 1991.

الغنوشي يستقيلquot; مرتاح الضميرquot;

وكان رئيس الوزراء المستقيل محمد الغنوشي قال في مؤتمره الصحافي quot;قررت الاستقالة من منصبي كوزير اولquot; مؤكدًا ان هذه الاستقالة quot;ليست هروبًا من المسؤولية، بل إفساح للمجال امام وزير اول آخرquot;.

وتابع quot;ضميري مرتاح، ولست مستعدا لأن أكون الرجل الذي يتخذ إجراءات ينجم منها ضحاياquot;، مشيرًا الى ان خطوته هذه quot;هي في خدمة ثورة تونسquot;.

وكانت المواجهات بين المتظاهرين والشرطة تواصلت في تونس، واندلعت أعمال عنف جديدة بعيد ظهر الأحد في وسط العاصمة، حيث قام شبان بأعمال تخريب، غداة مواجهات أسفرت عن خمسة قتلى.

وكان اكثر من مئة الف متظاهر طالبوا الجمعة بتنحّي حكومة محمد الغنوشي، وذلك خلال اضخم تجمع تشهده العاصمة التونسية منذ الاطاحة بزين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير 2011.

واعلنت الحكومة الانتقالية، التي بدت متجاهلة هذه الدعوات، عن تنظيم انتخابات في اجل اقصاه منتصف تموز/يوليو من دون تحديد طبيعة هذه الانتخابات. وقال الغنوشي الاحد عقب مؤتمره الصحافي المطوّل، الذي شرح فيه الخطوات التي اقدمت عليها حكومته منذ تسلمها السلطة، ان quot;الفترة المقبلة حاسمة لتونسquot;.

وتحدث عن quot;سيناريوهات عدة مطروحة تتعلق بالانتخابات الرئاسية والمجلس التاسيسيquot;، مضيفًا إن quot;الثورة تملي بأن يكون هناك دستور جديد، تنطلق على اساسه البلادquot;. ولم يعلم بعد ما اذا كانت استقالة الغنوشي ستصبح نافذة على الفور ام انه سيقوم بتسيير الأعمال الحكومية بانتظار اختيار خلف له، مع العلم ان فؤاد المبزع يتولى ايضا رئاسة البلاد بصفة انتقالية.

وسرعان ما توقفت المواجهات في الشارع مع اعلان الغنوشي استقالته من دون ان تواجه بمظاهر فرح من قبل المتظاهرين في العاصمة.

ومنذ تسلمه رئاسة الحكومة بعد ايام على سقوط بن علي في الرابع عشر من شباط/فبراير والتظاهرات تلاحق الغنوشي. ولم تدم اول حكومة شكلها، وضمت عددا من اركان النظام السابق، سوى اسبوعين.

وبعد خمسة ايام من التظاهرات، قبالة مقر رئاسة الحكومة، اعلن الغنوشي الذي كان اخر رئيس حكومة في عهد بن علي استقالة حكومته في السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، وشكل حكومة جديدة ابعد عنها الوجوه التي ارتبطت بمرحلة بن علي.

بعد شهر بالتحديد، اي في السابع والعشرين من شباط/فبراير، اعلن الغنوشي عن استقالته غداة تظاهرات اوقعت ثلاثة قتلى السبت، وتواصلت الاحد، مع اعمال عنف.

وعقدت الحكومة الانتقالية اجتماعا الجمعة، على امل التمكن من تهدئة الاجواء امام غضب الشارع، واعلنت اجراء انتخابات quot;في منتصف تموز/يوليو كحد اقصىquot;. الا ان هذا القرار لم يكن له اي تأثير على الشارع، فاجتاح المتظاهرون وسط العاصمة، منادين باستقالة الحكومة كلها هذه المرة.

وبعيد ظهر الجمعة، وصل عدد المتظاهرين في ساحة القصبة في تونس الى quot;اكثر من مئة الف شخصquot;، حسب عناصر من الشرطة، لتصبح التظاهرة الاكبر التي تشهدها البلاد بعد سقوط بن علي. اما الهتافات فاستهدفت الغنوشي نفسه، مطالبة باستقالته quot;مع كلابهquot; مع تحذيره من quot;مصادرة مكاسب الثورةquot;.

وبعد سقوط ثلاثة قتلى السبت وتواصل التظاهرات الاحد، قرر الغنوشي تقديم استقالته وترك السلطة. ورضخت الحكومة التونسية المؤقتة لمطالب الشارع الأحد، وأعلن فؤاد المبزع الرئيس المؤقت تعيين الباجي قائد السبسي وزيرًا أول، بعدما قدم محمد الغنوشي استقالته من المنصب، مؤكدا ان تلك الاستقالة لم تكن quot;هروبًا من المسؤوليةquot;، على حدّ تعبيره.