أصبح موقع فايسبوك وسيلة للتواصل بين المسؤولين الفلسطينيين والمواطنين من دون وسيط، فأنشأ رئيس الوزراء المكلّف بتشكيل حكومة جديدة الدكتور سلام فياض صفحة خاصة به، تواصل فيها بالصوت والصورة مع الفلسطينيين، طالباً آراءهم في تشكيل الحكومة الجديدة.



رام الله: في الوقت الذي استخدم فيه موقع التواصل الإجتماعي الشهير فايسبوك في كثير من الدول العربية لحشد الدعم والتأييد لمسيرات مناهضة للأنظمة، كما حدث في مصر وتونس وليبيا والأردن واليمن والعراق والبحرين وعمان وغيرها من الدول، كان استخدامه في فلسطين مختلفاً، فقد كان للتواصل، ومن ثم تطوّر، ليحمل بين طياته وصفحاته في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تطورات، دعوات إلى إنهاء الإنقسام الفلسطيني، ووصولاً إلى أن أصبح وسيلة إتصال وتواصل مباشرة بين المسؤولين والمواطنين من دون وسطاء.

وسعيًا منه إلى التواصل مع المواطنين في الأراضي الفلسطينية وللتعرف إلى طبيعة المشكلات التي يعانيها الفلسطينيون مباشرة ومن دون وسيط هذه المرة، أنشأ رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة جديدة الدكتور سلام فياض صفحة خاصة باسمه على موقع فايسبوك.

لقيت هذه الخطوة مثار إعجاب وتقدير آلاف الفلسطينيين ممن يستخدمون هذا الموقع الشهير، حيث باتوا يتواصلون يومياً مع رئيس الوزراء، ويطرحون مشكلاتهم من دون وسيط، الأمر الذي ساهم في انتشار هذه الصفحة بشكل ملحوظ خلال فترة قصيرة، كما أكد عدد ممن استطلعت quot;إيلافquot; آراءهم.

لإبعاد أي شبهات حول من يدير الصفحة، خرج الدكتور فياض بالصوت والصورة مقدماً ردوده حول إستفسارات العديد من المواطنين على صفحته الخاصة، وتقدم بطرح العديد من الملاحظات للحصول على إقتراحات المواطنين والشباب بشكل واضح وجلي الأمر الذي زاد من عدد المشتركين في هذه الصفحة، ليصلوا إلى قرابة 25 ألف مشترك.

تحظى كتابات وملاحظات رئيس الوزراء المكلف بمشاركة واسعة، لا سيما عندما قام بطرح مبادرته لإنهاء الإنقسام، حيث لاقت المبادرة ترحيباً واسعاً من قبل مئات المشاركين، وكذلك عندما قام بطرح تساؤلات حول أداء وزارة الداخلية والتربية والتعليم.

وأعرب رئيس الوزراء عن إستعداده للتواصل مع أصدقائه والمواطنين، بغية التعرف إلى المشكلات التي يعانونها، ورد على العديد من المشاركات والتعليقات بالصوت والصورة بثّت على صفحته.

ما لفت الانتباه أيضًا، كما يؤكد عدد من المواطنين الذين انضموا إلى صفحة فياض، هو إفساح المجال للمواطنين والأصدقاء بالإدلاء برأيهم في تشكيل الحكومة الفلسطينية، الأمر الذي أثار إعجاب الكثيرين، بينما أبدى العشرات منهم استغرابهم من هذه الخطوة.

وكان فياض طلب على صفحته من أصدقائه والذين يتواصلون معه على فايسبوك وتويتر المساعدة في تشكيل الحكومة وقال quot;من وجهة نظرك: في ضوء المشاورات القائمة لتشكيل الحكومة، من هي الشخصية التي تعتبرها ذات مصداقية ولديها مهارات قيادية وعلمية متميزة يُعتمد عليها لتكلف بحقيبة وزارية؟، اذكر المنطقة واسم الشخصيةquot;.

وانهالت في أعقاب ذلك التعليقات لأسماء مرشحين من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن بين هذه التعليقات كان هناك بعض المشككين بأن هذه الصفحة هي صفحة خاصة برئيس الوزراء، وأبدوا استغرابهم من قيامه باستشارة المواطنين.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إمتد ليشمل تغطية فعاليات وأنشطة رئيس الوزراء والحكومة، وكذلك استنهاض همم الشباب والأخذ بآرائهم من خلال ما يطرحونه من مشاورات وتعليقات.

ولم تكن صفحة الدكتور فياض هي الأولى لمسؤول فلسطيني على هذا المستوى، فهناك أيضًا صفحات مماثلة لمسؤولين آخرين، كالدكتور صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات المستقيل والدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني فتح، وغيرهم العشرات من الوزراء والمسؤولين والقادة من مختلف الفصائل، بغية إيصال أفكارهم والتواصل مع مجتمعهم وطرح مناقشات مختلفة.

فايسبوك للتواصل والتحاور
تعقيبًا على ذلك، أكد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين، أن هناك حالة من الحراك الفلسطيني تنتقل على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع جداً، حيث يمكن الحديث عن آلاف الشبان الذين يتواصلون عبر مجموعات شبابية، وبشكل خاص عبر صفحات فايسبوك، وهي حالة دفعت بعض المسؤولين الفلسطينيين إلى الدخول على فايسبوك، وذلك للتحاور مع الشباب وللإطلاع على ما يحدث.

ورأى شاهين quot;أنها خطوة مهمة وإيجابية، وتختلف كليًا عن الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية التي تتابع شبكات التواصل الاجتماعي من زاوية المراقبة، وتتبع ما يقوم به النشطاء على هذه المواقع، والتعامل بمنهج أمني مع شبكات التواصل الاجتماعيquot;. وأضاف quot;حتى الآن هناك تفاوت في رغبة وقدرة المسؤولين على التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، بل إن هناك من يرغب منهم بالتعلم لاستخدام هذه الشبكاتquot;.

وأوضح شاهين أن هناك ازديادًا في عدد المسؤولين الذين يحاولون التعامل مع شبكة التعامل الإجتماعي، ومنهم فياض وعدد من الوزراء ومسؤولين في الأحزاب السياسية انضموا أخيرًا إلى مثل هذه الشبكات، رغبة منهم في الإطلاع على ما يحدث وللتواصل مع المواطنين والتحاور معهم.
وأشار إلى وجود حالة جديدة تمثلت في انخراط عدد من الأكاديميين والباحثين في المجموعات الشبابية التي تتشكل عبر موقع فايسبوك، في محاولة منهم لفهم هذه الظاهرة الآخذة بالاتساع في الحالة الفلسطينية ولمتابعة تأثيراتها على المجتمع الفلسطيني، لا سيما وأن هذه المجموعات الشبابية تعمل لخلق حالة وعي للهتافات والشعارات المطلوبة للحراك التي تدعو إليه في ما يتعلق بالمطالبة بإنهاء الانقسام قبل الانتقال إلى الشارع بشكل واسع ومكثف.

في ما يتعلق باستخدامات فايسبوك في فلسطين، قال شاهين quot;هناك ازدياد ملحوظ في أعداد المستخدمين لموقع فايسبوك وتويتر، حيث توجد مجموعات نشأت حديثًا تضم آلاف الأعضاء، في حين توجد مجموعات تضاعف عدد أعضائها خلال أيام وهي ظاهرة ملفتةquot;. وأضاف quot;إذا ما نظرنا إلى مستخدمي تويتر، وهو أكثر حداثة من فايسبوك، فقد شهد زيادة كبيرة في أعداد المستخدمين الفلسطينيين في الأسبوعين الماضيين، لكونه يوفر مساحة أوسع للتفاعل على المستويين العربي والعالميquot;.

ولفت إلى ضرورة ملاحظة وجود تصاعد وتزايد كبير في عدد الفلسطينيين الذين يستخدمون هذه الشبكات، كما إن الحالة الفلسطينية تنتقل من حالة الإلهام الفردي من الثورة التونسية ومن ثم المصرية والليبية إلى حالة الإلهام الجماعي، وهي مرحلة مهمة لكون الشبان يقومون بمحاولة تحويل حالة الإلهام الجماعي إلى حالة من الوعي الجماعي عبر الشعارات والأهداف المطلوب تحقيقها لإحداث التغيير في الحالة الفلسطينية.

وقال شاهين المتتبع لأنشطة المجموعات الشبابية على فايسبوك quot;هذه الحالة طبيعية ومرت فيها معظم المجموعات التي تشكلت عبر فايسبوك للتحضير لهبّة شعبية مطالبة بإنهاء الانقسام الفلسطيني، منوهًا في الوقت عينه إلى وجود تطور أكثر عمقًا خلال الساعات الماضية، وهو العمل المشترك لتوحيد المجموعات التي تلتقي في ما بينها بالأهداف والشعارات، وربما يتم تشكيل هيئة قيادية تنسيقية في ما بينها حول شعارات محددة قابلة للتطبيق.

عن الدور الذي تلعبه مثل هذه الشبكات في جسر الهوة بين المسؤولين والمواطنين، أكد شاهين أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تصنع التغيير، ولكنها تسرعه، وهي مسألة مهمة جدا، أي إن القدرة على التوافق على شعارات وأهداف وفعاليات مشتركة باتت متاحة بين مجموعات كبيرة منتشرة في أكثر من مكان، سواء في داخل الوطن أو خارجه، وهو أمر غاية في الأهمية.

وأوضح شاهين أنquot;هذا الأمر أثار القلق لدى عدد من المسؤولين الفلسطينيين الذين باتوا يشعرون أن حالة النقاش والجدل قد سبقت قيادة المنظمة وقيادة الفصائل لأن النقاش في إطار شبكات التواصل الاجتماعي عمليًا بات يطرح شعارات متقدمة على تلك التي اتخذت من المنظمة والفصائل، لا سيما في ما يتعلق بالتوجه نحو انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية، حيث بدا وكأن النظام القيادي الفلسطيني يغني في واد... والشعب في واد آخرquot;.

وأكد أن هناك محاولة للضغط باتجاه استعادة الوحدة الوطنية، ولكن في إطار عملية تغيير لإعادة بناء مجمل أسس ومرتكزات النظام السياسي الفلسطيني بشكل ديمقراطي، وعبر عملية انتخابية لا تتوقف عند نطاق السلطة، بل تشمل أيضا منظمة التحرير، بما يوحد الفلسطينيين على قاعدة التوافق على مرجعية وطنية عليا من خلال منظمة التحرير.

وأشار شاهين إلى أنquot;هذه الحالة بالتأكيد تثير القلق لدى المستويات الرسمية والحزبية الفلسطينية، وتدفعها إلى التفاعل أكثر مع الحالة الناشئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي أملاً في تجسير الفجوة ما بين الطرفينquot;، معربًا عن اعتقاده أن quot;الفجوة ستستمر وستبقى قائمة لأن قدرة المسؤولين في التحرك ستبقى مقيدة بالبنية الإدارية والبيروقراطية، وكذلك بالأهداف والشعارات وبالعلاقات على المستوى المحلي والعربي والدولي، في حين أن الحراك الشعبي يبدو متحررًا إلى حد بعيد من هذه الضغوط، ولا يلتزم أساسًا إلا بالمصلحة الوطنية العليا، التي تدفع باتجاه إنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينيةquot;.

وأكد شاهين أن الإعلام الحديث وشبكات التواصل الاجتماعي لها تأثيرات كبيرة لوحظت في تونس ومصر، وسيكون لها تأثير كبير في الحالة الفلسطينية، حيث توجد سرعة كبيرة في تحديد المواقف وبلورتها وخلق رأي عام من خلال هذه الشبكات، وهي ميزة لم تكن متاحة في السابق، وزيادة أعداد مستخدمي هذه الشبكات سيشكل عامل ضغط باتجاه خلق رأي عام مؤثر على القيادة الفلسطينية.

يذكر أن فلسطين تحتل المرتبة الحادية عشر عربيًا والرابعة والثمانين عالميًا في عدد مستخدمي فايسبوك وفقًا لتقديرات بعض المواقع والإحصائيات، ومنها إحصائية social bakers، حيث بلغ عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي الشهير فايسبوك نحو 510 آلاف مستخدم.