عهود الطغاة... سلسلة من حلقات لانهائية من الأكاذيب. وربما كان أشهر الناطقين بهذه الأكاذيب هو محمد سعيد الصحّاف وزير الإعلام العراقي في عهد الرئيس السابق والراحل صدّام حسين. فهل يعيد التاريخ نفسه في ليبيا الآن؟.


موسى كوسا

أطلق العالم ضحكة جماعية عندما توّج محمد سعيد الصحّاف، وزير الإعلام الذي أدار الحرب الإعلامية العراقية في أواخر أيام صدام حسين، للعالم عبر شاشات التلفزيون أكاذيبه بالقول إن جنود القوات الأميركية انتحروا جماعيًا على مشارف بغداد. فقد كانت دبابات الغزو تظهر من ورائه على شوارع عاصمة بلاده، وكان هو الوحيد الذي لا يراها.

ثمة أشياء متشابهة بين بغداد 2003 وطرابلس الغرب الآن، تبعًا لصحيفة laquo;تليغرافraquo;، تصبّ في بوتقة أكاذيب نظام مستبد يظن أنها ستنطلي على العالم مثلما يعتقد مخطئًا أنها تنطلي على شعبه.

على سبيل المثال، حاول صدام تصوير نفسه - عبر الصحّاف - باعتباره أبا الأمة الحنون الساهر على مستقبل شعبه وأن نظامه المسالم المثالي لبلاده يتعرض لخطر حملة صليبية استعمارية غربية. واليوم فإن النظام الليبي يفعل الشيء نفسه.. ليس عبر laquo;صحافraquo; واحد، وإنما مجموعة من الناطقين باسمه منها، مثلاً، وكيل وزارة الخارجية خالد كعيم.

وها هو كعيم يجاهد لتقديم نظام بلاده في صورة حكومة مثالية تنصاع لقرارات الشرعية الدولية وتصون الحقوق الإنسانية لشعبها، وتفتح ذراعيها لاستقبال الصحافيين الأجانب، لينقلوا أحداث بلاده كما حلا لهم بدون رقيب.

خالد كعيم

لكن، كلما أشير إلى أن عددًا من هؤلاء الصحافيين اعتقلوا وعذبوا في مناسبات عدة، اعتذر قائلاً إن كل هذا أخطاء غير مقصودة. وإذا قيل له إن المستشفيات تعجّ بالمدنيين القتلى والجرحى، قال إن العالم لا يفهم ما يدور في ليبيا، وإن الحكومة لم ولن تطلق رصاصة واحدة على المدنيين.

هناك أيضًا إبراهيم موسى، الذي صار وجهًا مألوفاً في بريطانيا على الأقل بفضل انكليزيته التي صقلها في جامعة إكزيتر (جنوب غرب انكلترا) ثم laquo;رويال هولوواي كوليدجraquo; (لندن)، حيث نال الدكتوراه في الدراسات الإعلامية.

ويتخذ الدكتور موسى لنفسه هيئة الإنسان اللطيف المعشر، وهو يتحدث بأناة عن الفظائع التي ارتكبها الثوار، وعن خلايا laquo;القاعدةraquo; التي تستغل عناصر المعارضة من وراء الكواليس. ويتحدث متحسرًا عن المستشفيات التي دكّتها قنابل التحالف الدولي والمدنيين الذين قتلتهم. لكنه لا يقوى على ذكر أي معلومات محددة عن أي من كل هذا.

أخيرًا فهناك العقيد ميلاد حسين الناطق بدون سلاسة باسم القوات المسلحة. وربما كان هذا العسكري ليس بالخطيب المفوه، لكنه نال يوم الأحد شرف إعلان كذبة النظام ونكتته الكبرى بعد إعلان مجلس الأمن قراره 1973 الذي يحظر الطيران في الأجواء الليبية وهي، في جملة واحدة أن القوات الحكومية بدأت وقفًا شاملاً لإطلاق النار.

وعندما أشار الصحافيون الى أن الدبابات والمدفعية تطلق قنابلها حتى في وقت إعلانه الخبر، وسألوه عما إن كان هذا قرارًا جديدًا يعني أن إعلان وزير الخارجية موسى كوسا يوم الجمعة وقف إطلاق النار الشامل كان كذبة، اهتاج وقال إنه غير معتاد على إحاطته بحشد غاضب.

وربما كانت هذه هي إحدى أهم المحطات في محاولات نظام العقيد القذافي تصوير الثورة عليه باعتبارها laquo;مجموعة من الشباب الجرذان المساطيل الذين غسلت القاعدة أدمغتهمraquo; وأن الشعب الليبي بكامله، رجالاً ونساء وأطفالاً، يحبّه ويجله ويقف من خلفه ويفديه بروحه. هذا في وقت يتابع العالم بأسره ما يدور في بلاده بفضل التكنولوجيا والإعلام الحديثين... الصحاف يطل برأسه من جديد؟.