كشفت الأحداث في ليبيا أن الرسالة التي يبعث بها البيت الأبيض إلى الطغاة حول العالم هي أنه فقد شهيته على القيادة، وأنه منكب الآن على همومه الداخلية، وبالتالي فهو يقدم إليهم الضوء الأخضر لفعل ما يحلو لهم.


أوباما لم يتحرك في الوقت المناسب

صلاح أحمد من لندن: إذا نظرنا إلى كوريا الشمالية وإيران والصين وغيرها من الأنظمة الشمولية وتخيلنا ما يفكر فيه قادتها وهم يشاهدون الأحداث في ليبيا وعبر العالم العربي وما تعنيه بالنسبة إليهم... فمن الطبيعي أنهم قلقون من تكرار السيناريو على أراضيهم. لكنهم سيكونون على يقين من شيء مفرح بالنسبة إليهم، وهو أن الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم الآن، فقدت شهيتها للقيادة، وأنها منكبة فقط على همومها الداخلية.

هذا يعني، كما ترى laquo;تايمزraquo; البريطانية، أن الأنظمة الدكتاتورية إذا رغبت في ذبح شعوبها، على غرار ما يحدث الآن في سوريا واليمن والبحرين، فبوسعها فعل هذا بالضبط بدون خوف من عقاب. وإيران، مثلاً، ستعتقد أنها قادرة على المضي في إنتاج القنبلة النووية بلا كابح يذكر.

ومما لا شك فيه هو أن الطغاة مدركون لتدخّل مجلس الأمن عسكريًا في ليبيا. لكنهم يرون أيضًا تردد الولايات المتحدة في أداء دورها المتوقع بعد إنهاكها في افغانستان والعراق بما يكفي لصرفها عن قتال جديد. وبالطبع فإن حظر الطيران في سماء ليبيا أتى بجهود بريطانية وفرنسية، ثم بدأ تطبيقه بقيادة أميركية سارعت واشنطن إلى التخلي عنها للناتو. وكان هذا وحده عامل بلبلة وتشويش كبيرين.

ولو أن الرئيس أوباما تحرك بحزم وقت كان يتعيّن عليه التحرك لما ظلّ العقيد القذافي قابعًا في كرسي السلطة حتى الآن. والزعيم الليبي بات يعلم أن تردد واشنطن أضعف التحالف الدولي كثيرًا، من هنا نال ثقة، وإن خسر مدنًا وبلدات في شرق بلاده.

في السابق لم يتخلّ العقيد عن سعيه إلى إنتاج القنبلة النووية إلا بعدما شهد غزو العراق وانتهاء صدام حسين الى حبل المشنقة.
وبالطبع فإن اللوم في التردد الأميركي يلقى أولاً وأخيرًا على سيد البيت الأبيض. فمهمة الرئيس الأميركي - عندما تكون قواته في ساحة المعارك - هي أن يقدم بالقول والعمل الدليل على أنه يمسك بزمام الأمور.

لكن أوباما أمضى معظم الوقت خلال الأسبوع الماضي في جولة على أميركا الوسطى واللاتينية في ما يعتبره الكثيرون نزهة لالتقاط الصور التذكارية. ولم يذكر كلمة laquo;ليبياraquo; إلا في خطابه الإذاعي السبت، فما هذا إن لم يكن تخلياً تاماً عن الحسم؟.
وبديهي، والحال هكذا، أن يكون رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في غاية الإحباط.
فغياب اليقين إزاء التزام واشنطن لا يعدله إلا التشويش إزاء أهداف التحرك العسكري الدولي في ليبيا. ولن يهدأ للحكومة البريطانية بال إلا بعد إزاحة القذافي، لكن هذا ليس هو ما ينصّ عليه قرار مجلس الأمن 1973. وفي هذا بحد ذاته مدعاة للقلق إزاء تورط بريطاني الى أجل غير مسمى.

أما الخطر الأكبر فهو الرسالة التي يوجهها البيت الأبيض إلى الطغاة عن قدرته على حماية الديمقراطية والحرية. ومن الجلي أن الرئيس أوباما خيّب الآمال في مجال سياسته الخارجية. فمناشداته النظام الصيني حول العملة أُهملت تمامًا، ومضت بكين الى مزيد من إهانته في كوبنهاغن في ما يتعلق بالتغيّر المناخي.

وافتقار اوباما الى القيادة في أمر ليبيا، تختتم الصحيفة، يرفع النقاب عن أميركا خجولة ومعزولة. وبينما يأتي هذا بمثابة أنباء طيبة للطغاة حول العالم، فليس بوسع العالم غير القلق.. لأن تردد الولايات المتحدة يعني غياب الاستقرار في عالم يعاني أصلاً غياب اليقين.