في حين انتهت الحرب في ساحل العاج باعتقال الرئيس منتهي الولاية لوران غباغبو، فإن صراع الحسن واتارا بالكاد بدأ لإنتشال البلاد من أزمتها. فرئيس ساحل العاج الجديد يقف أمام بلد نصف مدمر ومنقسم سياسيًا وعسكريًّا وباقتصاد تشح فيه الإستثمارات.

الرئيس منتهي الولاية لوران غباغبو الذي ألقي القبض عليه بعد معارك ضارية

أبيدجان: أخيرًا تمكنت قوات المعارضة من القاء القبض على رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو في ابيدجان، حيث تحصن بين جدران مقره.

يأتي اعتقال غباغبو بعد اسابيع من سفك الدماء والتدمير لأسباب، في مقدمتها رفض غباغبو الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الثاني نوفمبر، وبعد اشهر من خطاباته النارية وخطابات آخرين في معسكره محرضين على العنف ضد غرباء عرقيين على ما يُفترض مثل الحسن وتارا، الذي يعترف المجتمع الدولي بفوزه في الانتخابات، وضد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في ساحل العاج.

ولكن هذا كله لم ينفع في درء النهاية المحتومة. فالاسبوع الماضي شهد زحف قوات وتارا على ابيدجان من الشمال واستهداف مدافع غباغبو الثقيلة بضربات القوات الدولية والفرنسية وانتقال قوات الجيش التي كانت تقاتل معه الى جانب وتارا أو اختفاءها. وتشير تقارير الى ان القوات الفرنسية هي التي اخترقت دفاعات غباغبو الأخيرة والقت القبض عليه في وكره، ولكن باريس نفت ذلك بصوت عال. وبدا غباغبو في آخر صورة له مذعورًا داخل غرفة في فندق غولف، مقر وتارا المحمي بقوات دولية، ظلت ميليشيا غباغبو تهددها طيلة اشهر قبل سقوطه.

لكن في حين ان شبح الحرب الأهلية الشاملة تراجع عن ساحل العاج، فإن العمل الشاق الذي ينتظر وتارا ما زال في بدايته. ونقلت مجلة تايم عن ريتشارد داوني نائب مدير برنامج افريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان تحديات كبيرة تواجه وتارا، اولها يتعلق بمصير غباغبو نفسه.

ويشدد مراقبون على ضرورة تحلي وتارا بضبط النفس. والمؤمل ان يحال غباغبو على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ليلقى جزاءه، ولكن المأزق الذي ينشأ في نهاية نزاعات كهذه هو الاختيار بين العدالة والسلام. ويرى محللون ان على وتارا ان يعمل من اجل المصالحة السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، ولعل الرأفة خير وسيلة لتحقيق ذلك.

القوات الأممية تتعرض لهجمات استفزازية من قوات غباغبو

والمرجح ان يسفر هذا النهج في حال اعتماده عن محاكمة بطريقة ما، ثم صفقة يمضي غباغبو بموجبها بقية حياته في المنفى. لكن هذا لن يكون علاجًا شافيًا للأحقاد والثارات التي خلفتها الأسابيع الأخيرة من القتال. فإن ما يربو على الف شخص قُتلوا، وعصابات غباغبو الشبابية ليست وحدها المسؤولة، بل توجه اصابع الاتهام الى ميليشيا وتارا ايضًا بارتكاب مجزرة واعمال اغتصاب جماعية ضد مدنيين في مدينة ديوكوي في غرب البلاد.

ويلاحظ خبراء ان القوات الموالية للحسن وتارا تتألف في الغالب من مقاتلي جيش quot;القوات الجديدةquot; التي شُكلت غالبيتها في شمال ساحل العاج ذي الغلبية المسلمة، حيث خاضت حربًا اهلية ضارية ضد قوات غباغبو في الجنوب المسيحي، لم تنته إلا في العام 2006. واعيدت تسمية quot;القوات الجديدةquot; لتكون quot;القوات الجمهوريةquot; بعدما بدأ وتارا بناء سلطة وطنية في المناطق الخاضعة لسيطرته. ولكن هناك بقايا ميليشيا يُطلق عليها اسم quot;الكوماندوز غير المرئيينquot;. وهذه ما زال ولاؤها لوتارا ومدى سيطرته عليها موضع تساؤل.

يضاف الى ذلك، انه من المرجح ان تواصل جماعات موالية لغباغبو مقاومتها ضد النظام الجديد. ويعرب نائب مدير برنامج افريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ريتشارد داوني عن خشيته من وقوع مزيد من اعمال العنف في الأيام المقبلة، مشيرًا الى ان اكبر مهمة تواجه وتارا هي نزع سلاح ميليشيات الجانبين وبناء جيش وطني يمثلكل مكونات الشعب. وقال داوني ان هذا هو التحدي رقم واحد الذي نشأ من الحرب الأهلية الماضية، والسبب الرئيس في انهيار السلام. فالميليشيات والجماعات المسلحة لم تلق السلاح أو يُسرح افرادها.

ما يدعو الى التفاؤل ان وتارا تعهد بالتحقيق في ما ارتكب من فظائع وتضميد جراح النزاع الداخلي وقيادة البلد الممزق بالحرب الى مرحلة أفضل. لكن يتعين على وتارا ان يتخلص من الوصمة التي الصقها به خصومه، متهمين اياه بكونه صنيعة قوى خارجية، لا سيما فرنسا.

في هذا الشأن كتبت بيث ديكنسون في مجلة فورين بولسي ان مشاعر العداء لفرنسا قوية في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، وهي مشاعر عرف غباغبو كيف يوظفها. وفي ايامه الأخيرة، شجب التدخل الفرنسي في الأزمة، قائلا ان القوات الفرنسية تحاول اغتياله. وبنظر مؤيديه، فان مشهد المروحيات والدبابات الفرنسية تطوق مقر زعيمهم يمكن ان يحول غباغبو الى شهيد. ويُخشى ان يتسبب هذا في دفع المقاتلين الذين تخلوا عن غباغبو في الأيام الأخيرة الى اعادة النظر بموقفهم. وفي كلا الحالتين، سيتعين على وتارا ان يعمل جاهدا في ايامه الأولى ليثبت انه ليس دمية يحركها الاليزيه.

ويقول داوني من جهته ان رسالة غباغبو السياسية كلها كانت تشدد على الخلافات المناطقية في البلد وطرح نفسه داعية لشكل من اشكال الوطنية العاجية، محمّلاً قوى خارجية المسؤولية عما يجري، ومتهمًا مهاجرين من الشمال بسرقة فرص العمل في الجنوب.

وإذا حلّت فترة الآن يمكن فيها التخفيف من الخطابية، ويتصرف القادة السياسيون بمسؤولية من اجل وحدة البلاد، فان عملية تضميد الجراح يمكن ان تبدأ فورا. ويضيف داوني ان هناك اسبابا اخرى للتفاؤل. فان وتارا دخل معترك السياسة في ساحل العاج بعد توليه مسؤوليات كبيرة في عدد من المؤسسات المالية الدولية، بينها صندوق النقد الدولي. وإذا تمكن من الصمود في وجه العواصف السياسية المقبلة فان اقتصاد ساحل العاج الذي كان ذات يوم نموذجًا يُقتدى في افريقيا يمكن ان يخرج تدريجيًا من ركوده. ومن شأن النجاح الاقتصادي ان يكون عاملاً حاسمًا في بناء مستقبل يسوده السلام في ساحل العاج.

بعد وفاة الرئيس المؤسس لدولة ساحل العاج فيلكس هوفوات بواني الذي كان يدعو الى حكومة شاملة تمثلكل مكونات المجتمع، مرّ حزام الكاكاو في الجنوب بفترة كساد عصيبة جعلت الجنوب أقل ترحيبا بالعمال المهاجرين من الشمال.

وحين كان وتارا رئيس الوزراء يوم وفاة الرئيس هوفوات كانت قاعدته الشعبية تتألف من مسلمي الشمال ومثقفي الجنوب. واستُبعد وتارا من خوض الانتخابات الرئاسية في عام 1995 بقانون يبدو ان خصمه هنري كونان بيدي مرره خصوصًا لمنعه من المشاركة. فانتقل وتارا الى الخارج ليعمل في صندوق النقد الدولي. ولكن انصاره شكلوا حزبًا سياسيًا، فتعين عليه العودة إلى قيادته كالتزام اخلاقي.

وكان الشمال يخضع لسيطرة انصار وتارا منذ العام 2002، ولن يكون من السهل اقناعهم بقبول سلطة الحكومة المركزية. كما إن الجنوب لا يثق بالشمال، واي حكومة يشكلها وتارا ستكون في موقع لا تُحسد عليه لمعالجة مثل هذه التركة الثقيلة.