تثير التطورات المتسارعة في سوريا مخاوف الدول المجاورة لها والتي تتابع ما يجري بقلق.


التظاهرات في سوريا تزداد اشتعالا

بحالة من الازدواجية والتناقض، تراقب دول الجوار لسوريا ما يدور هناك من أحداث، في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الرئيس بشار الأسد مسيرات قوى المعارضة التي تشكل أخطر تحد لحكمه الاستبدادي. ومن المعلوم أن هناك ثمة توتر في العلاقات خلال أوقات سابقة بين سوريا وكل من تركيا والعراق والأردن ولبنان وإسرائيل.

ومع هذا، لا ترغب أي من تلك الدول أن ينتهي حكم سلالة الأسد الممتد على مدار 4 عقود، لأنهم يخشون من أن يسفر سقوط هذا الحكم عن حدوث فراغ سياسي في سوريا، قد يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة التي تعيش في حالة اضطراب بالفعل.

وفي تذكير آخر لعلاقات سوريا المحفوفة بالمخاطر بجيرانها، قال يوم أمس الخميس رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، إن الهدف الذي قامت بتدميره طائرات إسرائيلية في الصحراء السورية عام 2007 ربما كان موقعاً سرياً لمفاعل نووي مستقبلي. وأوضحت الوكالة أنها تواصل البحث عن مزيد من المعلومات المتعلقة بطبيعة موقع quot;دير الزورquot;. ونظراً لتحالف الأسد مع إيران وحزب الله وكذلك حركة حماس، فهو على خلاف مع إسرائيل والعديد من الجماعات في لبنان.

وتخشى إسرائيل من أنه إذا فقد بشار القدرة على بسط الهيمنة والنفوذ، فإنه قد يخلق توترات من خلال مهاجمته لأهداف في مرتفعات الجولان أو دفعه حزب الله لشن هجوم من لبنان. ويشعر النظام الملكي في الأردن بالقلق، خشية أن يتجرأ المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية هناك بالتقدم الذي يحرزه نظرائهم في سوريا. هذا وقد سبق لتركيا والعراق في الماضي أن اتهما سوريا بمساعدة الميليشيات المناهضة للحكومات في بلدانهم، وتحريضها على القيام بهجمات قاتلة. وقد أعربت تركيا مؤخراً عن quot;بالغ قلقهاquot; إزاء عمليات سفك الدماء المتزايدة في سوريا وطالبت الرئيس بشار الأسد بأن يبدأ عملية الإصلاح الديمقراطي من دون أي تأخير.

وعلى عكس مطالبتها السابقة للرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، بأن يتنحي خلال الثورة الشعبية التي شهدتها مصر مؤخراً، لم تُظهِر تركيا أي إشارة تدل على سعيها وراء تغيير النظام الحاكم في سورياً، وفقا لما ذكرته اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية. وقال مسؤول تركي بارز :quot; ما يقلقنا الآن في تلك المرحلة هو سوريا. فأطول حدودنا هي تلك التي تشاركنا فيها سوريا، وهناك الآن إمكانية للسفر بدون تأشيرة بين البلدين. وإلى جانب ذلك، هناك أقلية كردية في سوريا. لذا، فإن حدوث أي اضطرابات مدنية كبيرة هناك سيكون مبعث للقلق بالنسبة لناquot;.

أما العراق فيخشى من إمكانية أن تدفع الانتفاضة التي يقوم بها السوريون الآن بالرئيس بشار الأسد إلى إحياء دعم المسلحين السنة الذين حظيوا بدعمه بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وقال محللون في هذا السياق إن حدوث فراغ في السلطة في سوريا قد يمنح إيران فرصة جديدة لبسط نفوذها في المنطقة، مما سيعمل على تقوية شوكة حزب الله من خلال تجاوز دمشق في طرق الإمداد لحزب الله، وزيادة الفتنة الطائفية في لبنان. ومن بين السيناريوهات التي يخشاها الأردنيون والإسرائيليون هي أن تقوم الأغلبية السنية في سوريا ndash; إذا حلت محل الأقلية العلوية الخاصة بالرئيس بشار الأسد وأصبحت القوة الحاكمة في البلاد ndash; بدعم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، التي تحظى بجذور تاريخية في البلاد، وتتعرض للحظر من جانب الرئيس السوري لأنها تدعو إلى تشكيل حكومة إسلامية.

وتابعت الصحيفة الأميركية بنقلها عن مسؤول إسرائيلي، قوله quot; لا يوجد منافس واضح لخلافة بشار الأسد في الحكم. ولا يعرف أحد ماذا سيحدث ndash; سواء إن كان سيبقى الأسد في منصبه أم لا، وما هي التغييرات المطلوب منه تنفيذها، ومن سيسقط معه، وماذا سيحدث بعد رحيله. ولا نعرف إن كانت ستحاول إيران التدخل لإنقاذه أم لاquot;.

وفي سياق متصل، قال غانم نصيبة، شريك في شركة quot;Cornerstone Global Associatesquot; ورئيس قسم المخاطر بمنطقة الشرق الأوسط في quot; Political Capitalquot; :quot; إن اختفت سوريا عن المشهد في لبنان، فإنها ستزيد من خطر نشوب الحرب الأهلية. وحتى الساسة غير المواليين لسوريا سيشعرون بقدر كبير من القلق إزاء ما يحدث في سوريا، لأنه يزعزع التوازن والاستقرار الذي يوفره النظام السوريquot;.

وفي الختام، أوردت الصحيفة عن محللين قولهم إنه في حالة ضعف نفوذ سوريا في لبنان، فإن التحالفات المعقدة التي تمسك بالجماعات الطائفية المتناحرة من الممكن أن تتفكك، ما سيؤدي إلى نشوب حرب أهلية جديدة. ولفتت الصحيفة إلى الاحتمالية التي تتحدث عن إمكانية اقتراب حزب الله بصورة أكبر من إيران، ومن ثم تزايد احتمالات خلق خلافات جديدة مع أطراف لبنانية أخرى، وكما حدث في سبعينات القرن الماضي، تتحول لبنان إلى ساحة للصراعات الإقليمية الأوسع نطاقاً. ومع ذلك، مازال يأمل بعض المسؤولين والمحللين أن يعمل رحيل الأسد على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المنطقة. كما سيرحب كثير من اللبنانيين، وبخاصة المنتمين للطائفتين السنية والمسيحية، بنهاية التدخل السوري في شؤون بلادهم.