استطلعت إيلاف آراء مواطنين عرب في اسبانيا إلى جانب خبراء في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، وكان هناك شبه إجماع على أن الرواية التي ساقتها الولايات المتحدة الأميركية حول مقتل بن لادن ينتابها الكثير من علامات الإستفهام والشكوك.


مدريد: تعد إسبانيا من بين الدول الأوروبية والغربية التي شهدت أعنف الإعتداءات الإرهابية المسندة إلى تنظيم القاعدة يوم 11 مارس/آذار 2004 خلال تفجير قطارات ضواحي العاصمة مدريد، والتي خلفت نحو 192 قتيلا ومئات الجرحى، وهذه الذكرى الأليمة لا تزال مغروسة في جسد المجتمع الإسباني بعد سبعة أعوام وراسخة في أعماق قلوب الإسبان وحتى أبناء الجالية العربية والمسلمة في هذا البلد، ولهذا فإن خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لقي صدى عميقا لدى الشارع الإسباني لكن في صمت و تحفظ وبعيدا عن أي احتفال بالنصر ضد الإرهاب رغم أن وسائل الإعلام الإسبانية لم تترك شبرا واحدا في صفحاتها الأولى لمتابعة تفاصيل هذا الخبر في ظل إعلان الحكومة الإسبانية عن رفعها حالة التأهب لأي عمل ثأري من قبل تنظيم القاعدة...وقد استطلعت quot;إيلافquot; آراء المواطن العربي حول استقباله هذا الخبر إلى جانب رأي الخبراء الإسبان في الشؤون الامنية و مكافحة الإرهاب.

في عدة لقاءات مع خبراء اسبان في مجال مكافحة الإرهاب والشؤون الأمنية تتناول بشأن طريقة مقتل زعيم تنظيم القاعدة و قراءتهم لهذا الخبر وتداعياته الأمنية على الغرب وإسبانيا على وجه الخصوص باعتبارها لا تزال تتواجد فيها خلايا إرهابية نائمة، وقد سبق لها أن عانت أعنف اعتداء إرهابي على الصعيد الأوروبي يوم 11 مارس 2004 راح ضحيته 192 قتيلاً و مئات الجرحى..

وتقول الخبيرة في شؤون الإرهاب من جامعة كارلوس III quot;ماريا أوخينيا بالوبquot; إن مقتل أسامة بن لادن يعد من دون أي شك مكسبا سياسيا وامنيا للرئيس الأميركي باراك أوباما، واعتبرت في حديثها ان توقيت تنفيذ العملية لم يأت صدفة، ونحن نشهد تأزم الوضع في ليبيا وترى أن البيت الأبيض الأميركي والبنتاغون بحثا بدقة موعد تنفيذ العملية وبكل سرية كما ذكر.

واعتبرت أن الولايات المتحدة الأميركية تعمدت قتل بن لادن وعدم اعتقاله تجنبا في رأيها لأن يصير زعيم تنظيم القاعدة ضحية في يد الاميركيين، وتقول الخبيرة الإسبانية في تحليلها إن سجن بن لادن كان قد يعقد الوضع ويرفع من معنويات أتباع تنظيم القاعدة... رغم أنها تشك في دفن جثمانه في البحر، وتقول إنها لا تصدق الرواية، وترى أن الإدارة الأميركية لجأت إلى طريقة ذكية في محو آثار العقل المدبر لتنظيم القاعدة رغم أن ذلك مخالف لشعائر الدفن الإسلامية.

ولا تخفي الخبيرة في تحليلها أسفها للطريقة التي نفذت بها العملية الأميركية رغم أهميتها السياسية والأمنية في مكافحة الإرهاب. وتعتقد أن الوقت لم يحن بعد للتكهن بخليفة بن لادن.. هل سيكون أيمن الظواهري أم زعيما آخر؟ وتعتبر أن تنظيم القاعدة لا يعتمد على الهرمية في القيادة ومن الصعب استخلاف الشخصية الكارزماتية لبن لادن.

ويعتبر الخبير في علوم الجغرافيا والعالم العربي الدكتور quot;خوسي لويس مارسيلوquot; من جامعة سالمانكا الإسبانية أن توقيت العملية الأميركية التي استهدفت بن لادن كان جد مدروس بمراعاة أحوال المناخ وطبيعة المنطقة جغرافيا وموقع المنطقة التي نفذت فيها العمليات لعدة اعتبارات مناخية، وحتى درجة الحرارة في الوقت الراهن أخذتفي الاعتبار في رأي الباحث من قبل الكوماندو الأميركي الذي نفذ العملية. ويضيف الخبير الإسباني قائلا إن المسافة بين إسلام اباد والبحر العربي تقدر بنحو 2500 كلم، ويرى أن تفاصيل إلقاء جثة بن لادن في البحر العربي غير منطقية في رأيه.

ويقول الخبير في الشأن العربي إن جهاز السي أي أي حاز على كل المعلومات اللازمة في نظره من قبل أسامة بن لادن وأكيد أن هذه المعلومات سنكتشفها لاحقا و لها تداعياتها من الناحية الأمنية على اوروبا والغرب و يرى أن إسبانيا قد تكون هدفا من بين الأهداف الثأرية لتنظيم القاعدة.

و يرشح الخبير الإسباني الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري للعب دور رئيس مستقبلا، ويراه الرجل الثاني المؤهل لتنظيم خلايا القاعدة المنتشرة في عدة دول.. و يقول ان الأمر ليس سهلا بالطبع، ويراهن الدكتور خوسي لويس مارسيلو على نشاط واسع لتنظيم القاعدة على مستوى الساحل، ومنطقة المغرب العربي ما يعتبره خطرا رئيسا أمام أوروبا وإسبانيا على المدى القريب.

من جهة أخرى اعتبرquot;إنريكي جاسبارquot; رئيس مؤسسةquot; نيكسوسquot; الإسبانية المهتمة بحوار الحضارات أن مقتل زعيم تنظيم القاعدة مكسب سياسي للإدارة الأميركية، ولا يرى تأثرا في مجهود حوار الحضارات بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب مقتل بن لادن، ويقول لـquot;إيلافquot; إن أسامة بن لادن لم يمثل أبداً في يوم ما المسلمين.

غير أن رئيس نيكسوس يرى أن جهود مكافحة الإرهاب يجب أن تتوسع بين العالمين الغربي والإسلامي لأن الخطر يشمل الجانبين وهذا ما عشناه مؤخرا كما يقول في انفجار ساحة لفنا في مراكش المغربية، ويختم وجهة نظره قائلا quot;بن لادن مات لكن القاعدة ماتزال تنشطquot;.

وعلى جانب آخر، يرى رئيس قسم الأخبار الدولية في وكالة الأنباء الإسبانية quot;خوان شورتquot; أن وسائل الإعلام الإسبانية تلقت بسرور خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة لما عانته إسبانيا من اعتداءات يوم 11 مارس 2011. ويضيف في حديثه لنا أن بن لادن يخدم الولايات المتحدة الأميركية ميتا أكثر منه حياً، ولذلك تمت تصفيته دون ترك أي مجال آخر وسجنه كان قد سيثير ضجة إعلامية وسياسية أكثر من المتوقعة، وقد تكون عواقبه الأمنية وخيمة.

ويعتقد المسؤول في وكالة الأنباء الإسبانية أن بن لادن خلال السنوات الأخيرة كان مجرد رمز قيادي لا غير، ولم يكن له تأثير في القرارات بقدر عالٍ، وذلك اعتبارا لاستقلالية تنظيم القاعدة في عدة مناطق من العالم و يرى أن الأحداث في العالم العربي برهنت أن هناك طرقا أخرى للتغيير دون اللجوء إلى أسلوب العمل الإرهابي.

ويقول الدكتور وليد صالح الخليفة المختص في شؤون الإرهاب الدولي من الجامعة المستقلة في مدريد إن مقتل بن لادن لا يعني نهاية تنظيم القاعدة المنتشر في عدة مناطق من العالم، ويعتقد أن التنظيم الإرهابي ضرب وقتما شاء، وأينما استطاع وفي دول إسلامية وليس في الغرب فقط.

ويعتبر الخبير المختص في شؤون الإرهاب أن الدول الأوروبية سترفع حالة الطوارئ في إطار تأهب سياسي و أمني داخلي و بعد الحملات التي شنتها عناصر القاعدة في عدة عواصم أوروبية من بينها إسبانيا ولندن وباريس، وقال في تصريحه إن تنظيم القاعدة ضرب الغرب ودولا عربية وإسلامية عندما أتيحت له الفرصة وليس فقط اليوم كانتقام لاغتيال أسامة بن لادن والسؤال المطروح في نظره quot;هل تنظيم القاعدة سيتوقف عن النشاط بعد وفاة أسامة بن لادنquot;.

جولة في الشارع العربي

وفي حي quot;لفابييسquot; في قلب العاصمة مدريد والذي كان مسرحا قبل سبعة أعوام لاعتقالات واسعة في أوساط الجالية المغربية عقب أحداث 11 مارس 2004، حيث يقطن بهذا الحي عدد هائل من أبناء الجالية العربية، تحدثنا إلى البعض منهم لمعرفة آرائهم و شعورهم عقب مقتل أسامة بن لادن، ويقول لنا محمد. ع مغربي الأصل إن الولايات المتحدة الأميركية نفذت جريمة أخرى ضد المسلمين، واعتبر محدثنا بن لادن مجاهدا رفع راية الإسلام، وكل ما لفق له من تهم كذب وباطل في ظل السياسة الاميركية التي شوهت الجسم العربي والمسلم و أعتبر محدثنا زعيم تنظيم القاعدة شهيد الإسلام.

أما عبد الغني وهو تاجر عربي مصري في مدريد فقال لنا إنه لا يصدق ما وصفه بفيلم هوليوود الذي صممت حلقاته في البيت الأبيض الأميركي، وقال إن القصة لا يصدقها العقل والاميركيون اليوم أرادوا أن يطووا صفحة بن لادن، وإلا فكيف يخفون جثته ويرمونها في عرض البحر، وأضاف قائلاً: quot;الأمر لا يتعلق بوفاة أسامة بن لادن بل بالظلم والإبادة و الجرائم التي لا يزال الجيش الأميركي ينفذها في افغانستان والعراق لأن قضية الجهاد ليست بقضية بن لادن وحده.
من جهته قال بلال ndash;جزائري ndash; كان في زيارة سياحية للعاصمة مدريد بأنه لا يصدق الرواية الأميركية وعلى حد تعبيره بأن الأميركيين أرادوا أن يضعوا حدا لعدوهم الخيالي رقم واحد و لهذا فقد صمموا فيلما جديدا من أفلام هوليوود، ويقول على حد تعبيره quot;إنهم عمالقة السينما ولا أصدق بأن رجل عجوزا فلت من أيديهم لمدة 10 أعوام واليوم يأتوننا بقصة غير منطقية لا يصدقها عاقلquot;.

غير أن هناك من أبناء الجالية العربية من أعتبر أسامة بن لادن quot;شهيد الإسلام وشهادته كانت نعمة من الله حتى لا يعذب ويسجنquot; وهذا ما قاله أسامة مهاجر سوري، والذي أدان بشدة ما وصفه بالجريمة الأميركية، وقال لـquot;إيلافquot; حتى وإن نفت القوات الخاصة الأميركية جريمتها كان من حق بن لادن أن يدفن وفق الشريعة الإسلامية في إحدى مقابر المسلمين و لا يرمى به في البحر ليأكله الحوت.