يؤكد الشيخ الداعية quot;الهاشمي سحنونيquot; أحد كبار رموز جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة في الجزائر، استعداد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإقرار عفو عام يشمل آلاف المساجين الإسلاميين، في خطوة تكميلية لمسار المصالحة، لطي الأزمة الوطنية المزمنة.
الداعية الهاشمي سحنوني يؤكد استعداد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة اصدار عفو يشمل آلاف المساجين الإسلاميين |
الجزائر: يؤكد الشيخ الداعية quot;الهاشمي سحنونيquot; أحد كبار رموز جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة في الجزائر، استعداد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإقرار عفو عام يشمل آلاف المساجين الإسلاميين، في خطوة تكميلية لمسار المصالحة المعتمدة منذ خمس سنوات في الجزائر.
وفي حديث خاص بـquot;إيلافquot; يؤكد الوجه الإسلامي البارز أنّ هذا العفو قد يشمل المتمردين السابقين quot;حسن حطابquot; وquot;عبد الرزاق الباراquot;، متوقعا تبني خيار العفو الشامل لاحقا لطي الأزمة الوطنية المزمنة، حتى وإن كان سحنوني يعترف بصعوبة الذهاب مباشرة إلى عفو شامل يعارضه تيار الاستئصال.
قلتم قبل أيام في بيان وقعتموه رفقة الداعية quot;عبد الفتاح زيراويquot; أنّ الرئيس بوتفليقة سيفرج قريبا عن سبعة آلاف سجين محسوب على الاسلاميين، بمن يتعلق الأمر تحديدا؟
- صحيح، أصدرنا بيانا رفقة عبد الفتاح زيراوي، يتعلق بخبر وصلنا من مصادر نثق بها، أنّ فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عازم على إصدار عفو لصالح عدد من المساجين الذين حُكم عليهم إبان مرحلة المحاكم الخاصة سنوات 1991، 1992 و1993، وسُلطت عليهم آنذاك أحكام بالإعدام أو بالمؤبد، ولا يزالون إلى غاية اليوم داخل السجون.
بالنسبة لعدد هؤلاء، لا يمكنني الجزم بوجود سبعة آلاف سجين، فعددهم غير مضبوط، حتى أننا لم سألناهم عن عددهم، لاحظنا اختلافا بينهم، حيث هناك من يذكر سبعة آلاف، ومن يقول بعدد أقل من ذلك.
نحن لا يهمنا العدد، بقدر ما يهمنا وضع عائلات تعاني الأمرّين منذ 20 سنة جراء تنقلها المستمرّ إلى سجون بشار وباتنة ووهران والشلف والبليدة وغيرها، بغرض زيارة ذويهم المحتجزين، وقد تعبوا كثيرا، وظهر ذلك في رسائلهم الكثيرة التي وجهوها إلينا.
وعندما يقرأ المرء تلك الرسائل لا يتمالك نفسه من البكاء، إزاء معاناة هذه الفئة التي أصيب كثيرون ينتسبون إليها بأمراض متنوعة، وأبرز هنا حالة السجين quot;عبد القادر شقنديquot; وهو داعية معروف بمنطقة الشلف (220 كلم غرب الجزائر) محكوم عليه بالإعدام، حيث زارني والده وشقيقه منذ أيام قلائل، وأشارا إلى أنّه لا يزال محبوسا رغم أنّه ظلّ يدعو إلى المصالحة، وكتب رسالة إلى مسلحين بمناطق الشلف وتيسمسيلت وعين الدفلى، دفعت ثلاثمائة من ناشطي المجموعات المسلحة إلى وضع أسلحتهم، وكل ذلك لم يشفع له للاستفادة من المصالحة.
لذا نناشد رئيس الجمهورية بتعجيل الإفراج عن هؤلاء المساجين، وذلك لدواع إنسانية، كما أنّ إطلاق سراحهم سيسهم كثيرا في طي المأساة الوطنية من خلال تهدئة النفوس وإشاعة الطمأنينة، وهو ما سيزيد من ثقة الجزائريين في أنّ المصالحة ماضية إلى نهايتها. وقد كتبنا رسالة إلى فخامة الرئيس منذ شهرين، طلبنا منه فيها أن يلتفت إلى هؤلاء المساجين، وأن يعطيهم من عنايته بعض الشيئ بعفوه عنهم، خاصة وأنّ المحاكم الخاصة التي أدانتهم ألغيت ومن المفروض أنّ أحكامها أيضا تلغى.
منذ حوالي أسبوع، أتانا نبأ من مصدر موثوق على مستوى الرئاسة الجزائرية، أنّ الرئيس سيتخذ إجراء حاسما في الأيام القادمة، وهي بمثابة بشرى وبادرة خير، فمنذ أن سمع الناس بالخبر في الصحف المحلية، والرسائل تتهاطل علينا يوميا. ونتمنى على الرئيس المضي قدما في إنجاح المصالحة الوطنية والارتقاء بها إلى العفو الشامل.
هل سيطال الإجراء قيادات بارزة كحسان حطاب مؤسس ما كان يسمى quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; وعبد الرزاق البارا أمير منطقة الصحراء في التنظيم ذاته، وغيرهما؟
لا أخفيكم أنّ حسن حطاب هو عضو في المبادرة، وإن شاء الله سيطاله العفو، وعبد الرزاق البارا كذلك نحن لا نستثنيه ونطالب بإطلاق سراحه. لكن لا أستطيع أن أؤكد الآن، أنّ فلانا أو فلان سيكون ضمن المُفرج عنهم أم لا.
يتساءل مراقبون عما إذا كان الإفراج عن هؤلاء بموجب إجراء تكميلي في خطة المصالحة الوطنية، أم سيتم المرور إلى العفو الشامل الذي ظل محل جدل منذ العام 2004.
- نحن الذي نرجوه ونتمناه أن يتم ذلك ضمن عفو شامل، لأنّه بصراحة لو نبحث عن المتسبب الأول في المأساة الوطنية، ومن بدأ ومن فعل إلخ، لن نصل إلى نتيجة وسنبقى نراوح مكاننا، ولن يرى هذا الشعب الفرج في يوم من الأيام.
لكن الواقع الآن، يجعلنا ندرك أنّه من الصعب جدا الذهاب مباشرة إلى العفو الشامل، ويبدو أنّ خطوة الإفراج عن السجناء ستتم في إطار تكميلي للمصالحة الوطنية، وبعدها إن شاء الله سيكون هذا العفو الشامل، ونرجو أن يوفق رئيس الجمهورية إلى الإعلان عنه.
هل سيسهم إطلاق آلاف السجناء في وضع حد نهائي للأزمة الوطنية المزمنة في الجزائر؟ علما أنّ بوتفليقة أفرج في ربيع العام 2006 عن آلاف السجناء، بجانب اندماج قدماء مقاتلي الجماعات المسلحة، بيد أنّ كل ذلك لم يضع حدا للعنف إلى حد الآن، في ظلّ استمرار تمرد ألف مسلح محسوب على القاعدة..
- القول بأن الإفراج عن هؤلاء سيضع حدا نهائيا للعنف، فهذا مُبالغ فيه نوعا ما، لكن الذي أؤكده من خلال خبرتي ومعرفتي بالواقع، أنّ إطلاق سراح السجناء سيكون خطوة عملاقة عظيمة جبّارة نحو التهدئة، ويكون سببا لإقناع المترددين الآن الذين ما زالوا في الجبال، وما زالوا يشككون في نوايا الدولة في قضية المصالحة، ومن شأن الإفراج أن يُطمئنهم نهائيا ويقنعهم بحتمية تسليم أنفسهم ووضع أسلحتهم، بما يجعل من إطلاق سراح السجناء بداية للحل.
أحب أن أشير إلى أني في أمسية 25 حزيران/يونيو 1991، ذهبت إلى مقر التلفزيون الجزائري وأعلنتها مباشرة: quot;أرفض إراقة الدماء وأرفض العنفquot;، وذكّرت الناس حينها أنّ أول ما سيحاسبون عليه يوم القيامة هي الدماء، وكان ذلك موقفا مُعلنا كل الشعب الجزائري يشهد عليه.
إذن لو نبقى في الحلقة المفرغة quot;من تسبب، من بدأ؟quot;، لن نحقق شيئا، نحن نريد أن نطوي هذه الصفحة بعفو شامل، بعدها من يخطئ فليتحمل مسؤولية خطئه ويُحاكم. هذا هو الهدف الأسمى لمبادرتنا السلمية التي أطلقناها، وقد استشرنا الكثير من أهل العلم في الوطن العربي والإسلامي كله، ولم أجد بينهم واحدا عارضنا وقال باستمرار العنف وإراقة الدماء، كلهم وافقونا ودعموا بادرتنا.
هل تتوقعون أن تقف جهات معينة وما يُعرف بـquot;تيار الاستئصالquot; في الجزائر وتتحرك لإحباط هذه المبادرة؟
-هذا لا ريب فيه، فبعض المترصدين الاستئصاليين كما ذكرتم، لا يروقهم هذا، لأنهم يصطادون في الماء العكر ولا يعيشون إلاّ في الظلام، ودفاعا عن مصالحهم كونهم غنموا ثروات ومكاسب كثيرة خلال الـ20 سنة الماضية على جماجم وأشلاء ودموع الأيتام والأرامل.
طبعا الأمر ليس في صالحهم، ونتوقع من جهات الرفض الانتقام ممن تسميهم quot;المتطرفينquot; وquot;الإرهابيينquot; الذين قتلوا وفعلوا، لكن هل هذا هو الحلّ؟ لو أقنعونا أنّ هذا الحل لكان بالإمكان تأييدهم، لكن اتجاها كهذا يعني المزيد من الدماء والأرامل والمعطوبين والخسائر. هم سيقفون موقفهم ولست أشك في ذلك.
ماذا عن تلويح البعض بعودة جبهة الإنقاذ المحظورة على أهبة المواعيد الانتخابية القادمة، هل لها علاقة بترتيب ما للمرحلة السياسية المقبلة؟
-صراحة سمعنا هذا الكلام، وبما أنني عضو مؤسس في هذه الجبهة ليس لدي أي معطى رسمي يمكن أن ننطلق منه، لكن الذي أقوله أنّه لما تُحلّ المشاكل وتعود المظالم إلى أهلها، وتسوى الأوضاع، بعد ذلك من أراد أن ينشئ حزبا فله ذلك، سواء كان في الجبهة أو غيرها، الحق مضمون للجميع والدستور موضوع للجميع، وكل الجزائريين يشملهم القانون، والقاعدة الشعبية هي من ستحكم لصالح نجاح هذا أو فشل ذاك.
غداة كل الإخفاقات السياسية التي مُني بها الإسلاميون منذ سنوات، هل تعتقدون أنّ التيار الإسلامي لا يزال قوة مؤثرة لها كلمتها في الشارع المحلي؟
- معذرة، أنا لا أرى التيار الإسلامي فشل، حتى وإن أشاطر ما يُقال في الشق الخص بالخسائر التي تكبدها الإسلاميون في مواعيد انتخابية ماضية. لكن في حالة جبهة الإنقاذ، الأمر مغاير، فقد خضنا انتخابات المجالس المحلية في 12 حزيران/يونيو 1990، وفزنا آنذاك بـ856 بلدية من ضمن 1541، أي أكثر من النصف، وفزنا أيضا بـ32 مجلسا شعبيا ولائيا من أصل 48 يعني الثلثين. ثمّ خضنا تشريعيات كانون الأول/ديسمبر 1991، وحصلنا في الدور الأول على 188 مقعدا، مقابل 15 مقعدا للحزب الحاكم quot;جبهة التحريرquot; و25 مقعدا للحزب المعارض quot;القوى الاشتراكيةquot;.
هذا لا يُعتبر فشلا، بعد ذلك وقعت الأزمة ووقع ما وقع إثر إلغاء المسار الانتخابي ودخول البلاد دوامة العنف، ولا شك أنّ الخسائر كانت كبيرة بمقتل مائتي ألف جزائري وحوالي مليون من الأيتام وعدد كبير من الأرامل إضافة إلى المعطوبين والخسائر الاقتصادية بالمليارات.
نعم هذه خسائر للبلد كله وليس للإسلاميين فقط، أنا لا يهمني من أي طرف كان هؤلاء، المهم هم أبناء بلدي وأبناء شعبي.
كيف تنظرون أنتم كأحد رموز الحزب الإسلامي المحلّ إلى ما يحدث في الجزائر منذ أشهر؟
- أصارحكم القول أنّ عشرة آلاف احتجاج اجتماعي خلال العام الأخير، دليل واضح على فشل السياسة الحكومية في التعامل مع مشاكل المجتمع الجزائري. ومن هنا، نحن نطالب بذهاب هذه الحكومة، لكن الذي نؤكد عليه، أنّ سياسة quot;موسى الحاج والحاج موسىquot; مرفوضة، كأن يذهب فلان ويأتي فلان كان قبله.
نحن نطالب الرئيس بوتفليقة بإسقاط هذه الحكومة والإتيان برجال أطهار مخلصون أياديهم نظيفة، لم يتورطوا في الأزمة ولم يكونوا سببا فيها، هم الذين يشرفون على الإصلاحات والمشاورات التي أمر بها الرئيس.
ومن شروط نجاح الإصلاحات، أن يُستشار فيها كل الجزائريين، لا يُقصى أحد، لأنّ الجزائريين دون استثناء لهم الحق في وطنهم وإبداء آرائهم في مستقبله. كما ينبغي حل البرلمان الحالي لأنّه فاشل، ولم يستطيع الدفاع عن أي قضية تخص الشعب الجزائري، ثمّ أنّ برلمان انتخب بنسبة مشاركة لم تتعدّ 25 بالمائة، هو برلمان غير شرعي.
هل صحيح ما يقوله مسؤولون جزائريون عن كون بلادهم في منأى عن موجة ثورات التغيير العربية؟
-من يقول هذا الكلام، يعيش في الخيال أو المريخ، الجزائر هي جزء من العالم العربي والإسلامي وإفريقيا، ولا يمكنها أن تكون في منأى، فعلى حدودها الشرقية تونس وقعت فيها ثورة، وليبيا الآن فيها ثورة، بجانب تحركات كبيرة في موريتانيا والمغرب، فكيف يقول عاقل أنّ الجزائر في منأى؟ قد يصيبنا ما أصاب غيرنا، إن لم يبادر حكامنا إلى تدارك الأمور، ومعالجتها بتعقل وتبصر ورشد وحكمة، وإن لم يفعلوا ذلك فلن نكون في منأى أبدا.
التعليقات