التظاهرات عادت إلى تونس مجددا الجمعة واللافت استمرار القمع لهذه التظاهرات بعد رحيل بن علي

مازال الكثير من التونسيين يعيشون في ظروف صعبة، متسائلين quot;ماذا تغير لدينا بعد الثورة؟quot;، فالكثير من المناطق التي كانت مهمشة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن عليما زالت على حالها ولم تشهد أي تطورات منذ الثورة.


اندلعت الثورة التونسية بسرعة من دون سابق إنذار، لكن الإهمال الطويل الذي لحق بهذه الدولة حيث ولد الربيع العربي يستوجب عملاً حثيثاً للنهوض بها.
في مدينة الرقاب، إحدى المناطق الفقيرة جنوب شرق مدينة سيدي بوزيد، يمضي ايمن (25 سنة) وفراس (18 سنة) يومهما في أحد المقاهي بالتنافس على احتلال واحدة من أجهزة الكمبيوتر الأربعة.

مع انطلاق شرارة الثورة في كانون الثاني من العام الحالي، شكّل هذا المقهى مركز معلومات لقيادة الثورة واستخدمت أجهزة الكمبيوتر لتحديث صفحات فايسبوك لنشر التعليقات والأخبار عن الممارسات الوحشية للشرطة وعدد الوفيات. أما اليوم فتحول مركز القيادة إلى مقهى لألعاب الانترنت في أحد الشوارع الخلفية لمدينة أشباح.
يقول أيمن quot;هناك كلمة واحدة لوصف الحياة آنذاك والآن : لا شيءquot;، مضيفاً quot;ليس لدينا مجالات للإستثمار، ولا شركات، ولا أراضٍ نعمل فيها، لا شيءquot;.

هذه الكلمات لأزمة يكررها التونسيون الذين يشعرون بالإحباط، ويسألون: quot;ماذا كسبنا من الثورةquot;؟
لم تتغير الأحوال كثيراً في مدينة quot;سيدي بوزيدquot; وغيرها من مدن الجنوب منذ نجاح الثورة. لكن إهمال المناطق النائية ليس شيئا جديدا بالطبع، فخلال فترة حكم زين العابدين بن علي التي بلغت 27 عاما، تركزت 90 % من المشاريع الاستثمارية على المناطق الساحلية، فيما رزحت المناطق الداخلية تحت الإهمال والتخلف.

يصل معدل البطالة في هذه المناطق إلى 18 % أي ضعف المعدل على الساحل. وفيما يبلغ معدل الفقر الوطني في تونس 18 في المئة، تتراوح هذه النسبة بين 6 في المئة في تونس العاصمة بينما تصل إلى أكثر من 30 في المئة في محافظات الوسط الغربية.
quot;هل نحن جزء من تونس؟quot; يسأل المزارع محمد هيدي بن صالح، لافتا إلى الطريق الوحيد للدخول والخروج من إحدى قرى محافظة القصرين الفقيرة. ويشير إلى أنه من المستحيل السير على هذا الطريق عندما تمطر، quot;فالمياه تغمره ولا يستطيع أطفالنا الوصول إلى المدرسةquot;.

ويقول بن صالح quot;نحن لا نؤمن بالسياسة. لم نفعل من قبل ولن نفعل الآن. لينفذوا مشاريع التنمية، ويكفوا عن ايهامنا بالأفكار والشعارات الرنانةquot;، مضيفاً بنبرة ساخرة quot;سوف نصوت لصالح حزب الخبزquot;.
لا يقتصر هذا الوضع المتردي على المناطق الجنوبية وحسب. فبعد سبعة أشهر من الانتفاضة التونسية، لا تبدو الصورة السياسية واضحة، إذ يشوبها الارتباك واللامبالاة وعدم الثقة.

وتم تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر أن تجري في شهر اكتوبر/تشرين الأول، إلى شهر يونيو/حزيران، ثم أجلت من جديد لإعطاء الأحزاب مزيدا من الوقت للتنظيم وسيعيّن إجتماعاً لإعادة كتابة الدستور التونسي.
يخشى التونسيون في جميع أنحاء البلاد أن تُسرق ثورتهم من قبل أعضاء سابقين في الحزب الدستوري الديمقراطي الذين عادوا بزي جديد أو الإسلاميين الذين أتوا من المنفى.

يقول الطبيب التونسي ومؤسس موقع الأخبار باللغة الإنكليزية quot;تونس لايفquot;، زياد محيرسي إن quot;المسألة ليست في كيفية منع الحزب الدستوري الديمقراطي من العودةquot;، مضيفاً أن المسألة quot;في ايجاد طريقة للحد من وجودهمquot;.
quot;لا أحد يعرف ماذا يحدث هناquot;، يقول المدون والناشط بسام بوغرة، مضيفاً quot;قد يبدو لمن ينظر الينا من الخارج اننا نعمل كفريق واحد، لكنها حالة من الفوضى، ونحنما زلنا نقاتل من أجل حقوق الإنسان الأساسية، ولا نعرف من هو المسؤول حقاquot;.

يختصر بوغرة قلقه في جملة واحدة، فيقول: quot;لدينا حكومة بقيادة رجل يبلغ من العمر 75 عاما (رئيس الوزراء الباجي قائد السيسي) وتتلاعب فيها قوى خفيةquot;.
وتشير الناشطة والمدونة آمنة بن جمعة إلى أن quot;الناس يعتقدون أن تونس هي قصة رومانسية تروي النجاح وثورة الفيسبوك، ثم تستدرك quot;لكن الثورة بدأت الآنquot;.
من جهته يقول عضو الاتحاد العام التونسي للتجارة (UGGT) الناشط سليم الرويسي إن هذه النتائج لم تأت من العدم، quot;أتعتقدون أن محمد بوعزيزي قد جن في يوم من الايام وحصل كل شيء؟ لقد كنا نخطط للثورة منذ زمنquot;.

ويقول المحللون والسكان على حد سواء إن المعارضة الشعبية كانت تنمو خلال العامين الماضيين، وقد شهدت تونس إضرابات واحتجاجات في جميع أنحاء المنطقة خلال تلك الفترة.
quot;هذه منطقة الثورةquot;، يقول الرويسي، موضحا كيف أن عائلة زين العابدين بن علي كانت تحكم تونس كملكية خاصة بالمافيا، فسيطرت على كل الاراضي والمصانع، وصرفت السكان المحليين من عملهم. برأيه quot;إن الحريق في كل مكان ولم يتم اخماده بعدquot;.

ويرى كريس الكسندر ، مؤلف كتاب quot;تونس : الاستقرار والإصلاح في المغرب المعاصر أن quot;الثورة كانت على مدى السنوات الـ 10 الماضية في شكل تيارات صغيرة اجتمعت في نهاية المطاف لتشكل نهراً واحداً كبيراًquot;، مضيفاً أن التحدي الرئيس في تونس خلال الفترة الانتقالية هو النجاح في توحيد الناس على اختلاف فوارقهم الطبقية والمناطقية، لكن هذا لم يتحقق بعد.

يتجه اهتمام الأحزاب السياسية إلى الجنوب مع اقتراب موعد الانتخابات وقد أحرز حزب النهضة الاسلامية تقدماً كبيراً في اكتساب الشعبية في هذه المناطق.
لم يكن لهذه الحركة دور يذكر في الثورة التونسية، لكن منذ هروب زين العابدين بن علي وعودة زعيم حزب النهضة المنفي راشد الغنوشي في 30 يناير/كانون الثاني، نما حزب النهضة بسرعة مذهلة وافتتح مقرات رئيسة ومكاتب له في تونس العاصمة.
لكنهم يعترفون بأنهم يواجهون بعض المشاكل. quot;لقد غبنا لمدة 30 عاما. ومعظمنا من كبار السنquot;، يقول كامل هرباوي، منسق الصحافة في حزب النهضة. لكنه يضيف: quot;رسالتنا واضحة. فالأحزاب الاخرى ليس لديها برنامج عمل، ومن لا يملك فكرة ليدافع عنها سيخسرquot;.

وعن مخاوف البعض من أفكار حزب النهضة، تقول لينا بن خليفة (15 سنة) لماذا يخاف الناس من النهضة؟ انظروا إلي. أتجول بشعري الطويل وأرتدي الجينزquot;، ويقول صديقها الذي يساعدها في حملة لدعم الحزب quot;النهضة تريد تحقيق العدالة والحرية والديمقراطيةquot;.
لا يصدق البعض هذا الكلام. فيقول علي حمزة، بائع سجاد من منطقة القيروان ، إن حزب النهضة يتلاعب بعواطف التونسيين، مضيفاً quot;يريدون منا أن نشعر بالسوء لما عانوه في السنوات الماضية ويستدرجون الناس للإنضمام إليهمquot;.
على مدى الأشهر الماضية، كرر زعماء النهضة بإصرار أنهم لا يريدون الهيمنة، وأنهم يدعمون الديمقراطية وحقوق المرأة. لكن العديد من العلمانيين ليسوا على استعداد لتصديق كلمة يقولها هؤلاء.

في جميع أنحاء المناطق الداخلية، تظهر على الجدران عبارة quot;لا لحزب النهضةquot;، ويتهم زعماء هذا الحزب وبعض المقيمين غير الناشطين سياسياً أحزاباً ليبرالية، مثل الحزب الديمقراطي التقدمي بإحضار الناس في الحافلات لكتابة هذه العبارات على المباني وأنهم يدفعون 20 دينارا في اليوم (حوالي 14 دولارا) للفرد من أجل الإنضمام الى صفوفهم.
في مدينة القصرين، واحدة من مراكز الثورة الرئيسة ، يحاول حزب الشعب الديمقراطي استقطاب الناس العاديين.
يتصفح المحامي وعضو حزب الشعب الديمقراطي محمد غرسالي استمارات طلب عضوية الحزب في مكتبه حيث عُلقت صور صدام حسين وجمال عبد الناصر في كل زاوية تقريبا، يقول إنها تستحضر مشاعر القومية العربية ومناهضة الامبريالية المفقودة في هذا الزمن.

quot;ليس لدينا علاقات مع رجال الأعمال أو ذوي الشأن لنتصل بهم كما يفعل البعض في صفاقس أو تونسquot;، يقول غرسالي مضيفاً أن quot;الناس هنا منقطعون عن العالم الخارجي ولا يعلمون ما يجري خارج حدود هذه المنطقة، ونحن نتنافس ليلا ونهارا ضد حزب النهضةquot;.
خارج مدينة سيدي بوزيد، يجلس عشرة رجال على كراسي بلاستيكية بيضاء في مقهى على ناصية الشارع يراقبون حركة المرور البطيئة ليوم الاحد. ويقولون إنهم لن يصوتوا لأحد عندما يحين موعد الانتخابات.

وعلى الطريق الوحيد بين صفاقس وقفصة، تقف هند (60 عاما) بعد أن انتهت من قطف الطماطم (البندورة) طوال اليوم وتقول: quot;نظمنا الاحتجاجات في كانون الثاني، ولكننا اليوم نقطف الطماطم طوال اليوم لنجني خمسة دنانير في اليوم. وماذا الآن؟ ثورة ثانية؟ ربماquot;.
وتضيف فيما تهم للصعود إلى الجزء الخلفي من شاحنة بيك اب للعودة إلى ديارها: quot;نعمل عشر ساعات في اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة... لا وقت لدينا للسياسةquot;.