بدأ قطار قانون الغدر السياسي في الزحف نحو إجتثاث رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك وقيادات الحزب الوطني المنحل من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، إضافة إلى حرمانهم من ممارسة العمل السياسي لمدة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات. وسيشمل ضباط جهاز أمن الدولة المنحل ممن أفسدوا الحياة السياسية، والقضاة المتورطين في تزوير الإنتخابات وإصدار أحكام سياسية، وأعضاء أحزاب المعارضة الكارتونية.
معتصمو ميدان التحرير في القاهرة يعرضون ملابس شهدائهم أثناء ثورة 25 يناير |
صبري حسنين من القاهرة: عقدت اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد إجتماعاً اليوم برئاسة وزير العدل المصري المستشار عبد العزيز الجندي، وهي اللجنة المكلفة بإجراء التعديلات اللازمة على قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 المعدل بالقانون 173 لسنة 1953، الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتطهير الحياة السياسية والمؤسسات العامة من رموز العهد الملكي.
وقال الجندي في تصريحات صحافية عقب إنتهاء الإجتماع إن اللجنة سوف تجري تعديلات على القانون بما يتواءم والظروف الحالية لثورة 25 يناير 2011، وأضاف أن الفساد السياسي أخطر من الفساد المالي، مشيراً إلى أنه لابد من تفعيل قانون الغدر لمحاسبة رموز النظام السابق على الجرائم السياسية التي أرتكبوها في حق الشعب المصري.
أعضاء الحزب الوطني المنحل
ووفقاً لمصادر تحدثت إليها quot;إيلافquot; فإن التعديلات المقترحة تتضمن إقالة قيادات الحزب الوطني المنحل من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، إضافة إلى حرمانهم من ممارسة العمل السياسي سواء بالترشح أو الإنتخاب لمدة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات، حسب مساهمة أو إشتراك العضو في إفساد الحياة السياسية أو إشتراكه في تزوير الإنتخابات.
ويشمل القانون أعضاء لجنة السياسيات التي كان يترأسها جمال مبارك نجل الرئيس السابق، وأعضاء الأمانة العامة للحزب، التي كان يترأسها صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى المنحل، وأعضاء أمانات الحزب في المحافظات والمراكز والمدن والقرى والأحياء والشياخات، وهي أصغر وحدة حزبية في الحزب الوطني المنحل.
وأكدت المصادر أن القانون سوف يطال كل من ترشح في الإنتخابات عن الحزب الوطني، ولم ينجح أيضاً، وكل من فاز في الإنتخابات خلال الأعوام العشرة الماضية منذ إنتخابات مجلس الشعب في العام 2000.
ضباط وقضاة وموظفون
وأضافت المصادر أن القانون سوف يشمل أيضاً الوزراء والمحافظين الذين تولوا مناصبهم بناء على قربهم من الحزب الوطني، مشيرة إلى أن القانون لن يتجاهل ضباط جهاز أمن الدولة المنحل وضباط المباحث الذين كان لهم دور واضح في تزوير الإنتخابات سواء مجلسي الشعب أو الشورى أو المحليات أو النقابات والأندية، ولن يستثني القضاة الذين ساهموا في تزوير الإنتخابات، وكذلك الموظفين في المحليات الذين قاموا بالدور نفسه.
وأشارت المصادر إلى أن القانون لن يكون قانوناً إستثنائياً، كما كان الحال في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، موضحاً أن القانون في عهد ثورة 23 يوليو 1952 كان يطبق من خلال محاكم عسكرية.
أما القانون الحالي فسوف يطبق من خلال القضاء الطبيعي أمام محاكم الجنايات، وسيكون توجيه الإتهامات من خلال تلقي البلاغات من المواطنين أو الرجوع للأحكام القضائية الصادرة بحق هؤلاء الأشخاص في السابق ولم ينفذها النظام السابق، لافتاً إلى أن هناك آلاف الأحكام ببطلان انتخابات مجلس الشعب الماضية في 2010، ولم تنفذ، إضافة إلى آلاف أحكام أخرى في النقابات، ومنها ما تم تنفيذه أخيراً بحق أعضاء مجلس إدارة إتحاد العمال. ونبه إلى أن الأحكام ستكون قابلة للإستئناف عليها.
quot;المعارضة الكارتونيةquot;
ونوهت المصادر بأن الدكتور عصام شرف كلف الوزراء والمحافظين بإعداد قوائم بأسماء القيادات التي تولت مناصبها بناء على عضوية الحزب الوطني المنحل أو لقربها من قياداته أو التي تولت مناصبها في إطار صفقات سياسية مع أحزاب المعارضة أو القوى السياسية في عهد النظام السابق، مؤكدةً أن القانون سوف يشمل بعض الشخصيات المعارضة التي كانت جزءًا من النظام السابق وتلعب دور الكومبارس أو المحلل في إفساد الحياة السياسية.
وأوضحت أنه من المعروف أن الحزب الوطني كان يعقد صفقات سياسية مع بعض أحزاب quot;المعارضة الكارتونيةquot; للمنافسة في الإنتخابات، لإضفاء صفة التعددية والديمقراطية عليها، مقابل الحصول على مقاعد في المجالس النيابية أو مجالس إدارت النقابات والإتحادات والأندية الإجتماعية.
عشرات الآلاف
وقالت المصادر إنه من المتوقع أن يصل عدد من سيشملهم القانون إلى عشرات الآلاف، وأوضح أنه سيشمل أعضاء المجالس المحلية، وهؤلاء يزيد عددهم على 52 ألف عضو على مستوى الجمهورية، 98 % منهم أعضاء في الحزب الوطني المنحل، وكان إختيارهم أقرب إلى التعيين منه إلى الإنتخاب، إضافة إلى أعضاء إتحاد العمال في المحافظات وأعضاء اللجان النقابية، وهؤلاء يقدر عددهم بالآلاف أيضاً، وأيضاً كان يتم إختيارهم من قبل جهاز أمن الدولة المنحل بطريقة أقرب للتعيين منها إلى الإنتخاب.
قانون سيء السمعة
في السياق عينه، ورغم أن الحكومة ماضية بكل عزم في إتجاه إقرار التعديلات على القانون، إلا أن الجدل مازال دائراً بشأنه، حيث ظهرت بعض الأصوات المعارضة له، ومنهم المرشح الرئاسي المحتمل حازم صلاح أبو إسماعيل.
وقال في تصريحات تليفزيونية إن قانون الغدر سيء السمعة، مشيراً إلى أنه سوف يرتد إلى صدور الثوار مرة أخرى، كما حدث في أول تطبيق له في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. حيث تم إتهام العديد من أنصار ثورة 1952 بمعاداتها لاحقاً بموجب هذا القانون.
وهو الموقف نفسه الذي يتبناه العديد من خبراء القانون في مصر، وقال الدكتور محمد مراد أستاذ القانون الجنائي لـquot;إيلافquot; إن محاولة إحياء قانون الغدر مرة أخرى غير دستورية، وتتنافى مع المبادئ الدستورية في دول العالم كافة، كما إنه يجافي الفلسفة العقابية في قوانين العقوبات، والتي ترفض العقاب بأثر رجعي.
مشيراً إلى أن الله ميّز الخبيث من الطيب في ما يخص الحياة السياسية في مصر، ويجب أن يترك للمواطن حرية الإختيار من بين المرشحين، حتى ولو كانوا من أعضاء الحزب الوطني المنحل، حيث لم ينتخب المواطن إلا الصالح، شريطة توفير البيئة الصحية لإجراء الإنتخابات مع توفير ضمانات نزاهتها.
معتبراً أن الإنتخابات المقبلة لن يفوز فيها أي من أعضاء الحزب المنحل أو المقربين من النظام السابق، ولن يفوز فيها أعضاء أحزاب المعارضة الكارتونية لأن المصريين يعلمون جيداً هوية هؤلاء، وأنهم كانوا يفوزون بالإنتخابات عن طريق التزوير.
قانون العقوبات يكفي
فيما اعتبر هشام ماهر المحامي أن قانون الغدر لا يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تنزل العقاب بأثر رجعي، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما دخل مكة فاتحاً لم يسنّ قوانين إستثنائية لمعاقبة أهلها، رغم أنهم عذبوه ونكلوا به هو وأنصاره وأخرجوهم من ديارهم مهاجرين إلى المدينة.
ونبه ماهر إلى أن مصر ليست في حاجة إلى إحياء قانون إستثنائي بعد وفاته بعشرات السنين، موضحاً أن قانون العقوبات يكفي للقيام بمهام قانون الغدر، مشيراً إلى أنه في حالة إدانة أي من رموز النظام السابق بجرائم الفساد المالي أو تزوير الإنتخابات فإنهم سوف يحرمون من ممارسة حقوقهم السياسية لمدة خمسة أعوام، حسبما ينص قانون العقوبات.
مشدداً على ضرورة الإبتعاد عن التشفي والإنتقام، وتخطي تلك المرحلة إلى مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها، معبّراً عن خشيته من أن ينسى المصريون البناء وينشغلون في الهدم.
التطهير أولاً
في المقابل، يشير أعضاء التيارات السياسية المختلفة، ولاسيما شباب إئتلاف الثورة، إلى أهمية تطبيق قانون الغدر ضد كل من أفسد الحياة السياسية في مصر طوال السنوات الثلاثين الماضية. وقال محمد نادر عضو حركة مصر الثورة لـquot;إيلافquot; إن قانون العقوبات الحالي لا يعاقب على جرائم الفساد السياسي والتزوير، بل يحكم ببطلان الإنتخابات.
مشيراً إلى أن غالبية المناصب القيادية في كل مؤسسات الدولة يتولاها أعضاء في الحزب الوطني المنحل، وهؤلاء يقودون الثورة المضادة، ويحشدون البلطجية لتخريب البلاد، وأضاف أن هناك 52 ألف عضو في المجالس المحلية، 98% منهم أعضاء في الحزب الوطني، والـ2% الباقية أعضاء في أحزاب كارتونية حصلوا على مقاعدهم نتيجة صفقات مع أمن الدولة المنحل أو الحزب الوطني، إضافة إلى أعضاء مجلس إدارة إتحاد العمال واللجان النقابية العمالية.
متسائلاً: كيف يتم محاسبة هؤلاء على إفساد الحياة السياسية وحرمان الكفاءات من تولي المناصب المهمة في الدولة، وكيف يتم محاسبة ضباط أمن الدولة على إفساد الحياة السياسية وإضعاف الأحزاب وتفجيرها من الداخل؟، مشدداً على أن بناء الديمقراطية يتطلب تطهير البلاد من هذه النماذج الفاسدة المفسدة.
التعليقات