كان لنجاح الثورة المصرية في الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، تأثيرات فورية على باقي الشعوب العربية التي كانت تعاني من الظروف نفسها التي عانى منها المصريون لنحو ثلاثة عقود، فإنطلقت الثورات في اليمن والبحرين وليبيا وسوريا في الأيام التالية لتنحي مبارك بتاريخ 11 فبراير- شباط الماضي.


تعاطف شعبي في مصر مع السوريين

أعادت ثورة 25 يناير- كانون الثاني 2011 إلى الأذهان قيادة ثورة 23 يوليو- تموز 1952 لحركات التحرر في الوطن العربي وأفريقيا في النصف الثاني من القرن الماضي، تحت رئاسة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وعلق الكثير من الشعوب العربية والأفريقية آمالاً عليها من أجل تقديم الدعم لها بأشكاله كافة، لكن لم يحدث ذلك بشكل واضح أو ملموس.

يرجع السبب في ذلك حسبما يرى الخبراء السياسيون الى أن مصر ما زالت تناضل من أجل تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها الملايينإلى اللشوارع، لاسيما في ظل محاولات جهات ودول خارجية، إضافة إلى قوى داخلية إجهاض تلك الثورة، مؤكدين أن مصر لم تغلق أبوابها في وجه من يطلبون تنفس رحيق الحرية على أرضها.

وكان ضمن هؤلاء أعضاء في المعارضة السورية، الذين إتخذوا من ميدان التحرير متنفساً لهم للتعبير عن سخطهم ضد ما يتعرض له الشعب السوري من قمع وقهر، عقاباً له على المطالبة بالحرية. فإندمجوا مع الثوار المصريين، ولم يغب العلم السوري عن التظاهرات التي نظّمت في الميدان منذ شهر مارس/آذار الماضي.

تعاطف شعبي

شعبياً، يحظى المعارضون السوريون في مصر بدعم النشطاء السياسيين والحقوقيين، إضافة إلى أنهم يحظون بتعاطف الشعب نظراً إلى الروابط التاريخية بين الشعبين، وفقاً لما يراه الناشط في إتحاد ثورة مصر محمود مهدي، الذي قال لـquot;إيلافquot; إن المصريين يحبون أهل الشام عموماً ويتأثرون بما يحدث لهم سلباً أو إيجاباً.

مشيراً إلى أن العلم السوري لم يغب عن التظاهرات التي ضمها ميدان التحرير منذ إندلاع الإحتجاجات في مدينة درعا في شهر مارس- اذار الماضي، وقال إن الشعبين المصري والسوري لا ينفصلان، ولن يتخلى المصريون عن أشقائهم السوريين في محنة النضال ضد الإستبداد والقمع.

وأضاف أن الثورة السورية حاضرة في ميدان التحرير بإستمرار، والعلم السوري دائماً ما يرفرف إلى جوار العلم المصري، مشيراً إلى أن هناك تعاطفًا شعبيًا جارفًا مع السوريين الذين يتعرضون للقتل بأبشع الأساليب لمجرد أنهم طالبوا بحقهم في الحرية ومكافحة الفساد، ولافتاً إلى أن التعاطف ينبع من أن الرئيس بشار الأسد هو من بعد والده حافظ الأسد لم يطلقا رصاصة واحد بإتجاه الجولان من أجل تحريرها من الإحتلال الإسرائيلي، وصار يوجّه فوهات دباباته ومدافع طائراته نحو صدور الشعب، فهل يدفع الشعب من أمواله من أجل شراء ترسانة أسلحة ليقتل بها هو؟!.

مطلوب موقف حازم

إنطلقت تظاهرات عديدة في العاصمة المصرية دعماً للإحتجاجات السورية ضد نظام بشار الأسد، كان بعضها أمام السفارة السورية، أو الجامعة العربية، كما إنطلقت مسيرات في ميدان التحرير، لكن المعارضين السوريين يرون أن ذلك ليس كافياً، ويوم أمس عقدت المعارضة السورية في القاهرة مؤتمراً صحافياً بعنوان quot;رمضان الدامي.. إلى متى الصمت العربي والدولي؟quot;، طالب فيه الناشطون المجتمع العربي والدولي، وعلى رأسهم الدول العربية والاسلامية باتخاذ موقف حازم وواضح مما وصفوه بـ quot;المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد الشعبquot;.

كما دعوا المجتمع الدولي إلى التصدي لإيران في مساندتها لبشار الأسد في قمع شعبه، وقالوا في بيان لهم quot;إن المجتمع الدولي مطالب بأن يضع حداً للتدخل الايراني وميليشيا حزب الله عسكريًا وأمنيًا وماليًاضد الشعب السوري، وتمكين وسائل الاعلام العربية والدولية من الدخول إلى الاراضي السورية والعمل بحرية لوضع كل الحقائق وتوضيح مجريات الأمور أمام الرأي العام العالميquot;.

ودعا الشيخ هاشم إسلام عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الجيش السوري إلى الإنضمام إلى الثورة، مشيراً إلى أن من ضرب الشعوب ملعون، وأضاف خلال المؤتمر أن الانظمة العربية في ليبيا واليمن، وخصوصًا في سوريا، فقدت شرعيتها بضربها شعوبها، وأفتى إسلام بأن إسقاط الأنظمة الإستبدادية القمعية فرض عين على الشعوب.

قلب الوطن العربي

بدوره، قال الناشط السوري مأمون حمصي لـquot;إيلافquot; إنه لجأ إلى مصر، لإيمانه بأنها قلب الوطن العربي النابض، مشيراً إلى أنه رفض اللجوء إلى كندا، وفضل العيش في القاهرة ومواصلة النضال من أجل تحرير الشعب السوري.

وأضاف أن الموقف المصري من الثورة السورية بدأ في التحسن، موضحاً أن المعارضين السوريين لمسوا تعاطفاً كبيراً من الشعب. ونفى حمصي تلقي المعارضة السورية في مصر أي دعم من أية جهات خارجية، متهماً نظام بشار الأسد بالترويج لتلك الشائعات، بهدف تشويه ثورة الشعب المباركة، وإظهار المعارضين السوريين وكأنهم عملاء وخونة.

وإنتقد الناشط السوري فهد المصري موقف الجامعة العربية وأمينها العام نبيل العربي، وقال لـquot;إيلافquot; إن موقف الجامعة مخزي، مشيراً إلى أن زيارة نبيل العربي لدمشق شكلت دعماً كبيراً للرئيس بشار الأسد لمواصلة القمع والقتل والتدمير ضد الشعب والمدن والقرى السورية.

ولفت إلى أن الشعب السوري إستلهم ثورته من الثورة المصرية، لافتاً إلى أن السوريين سوف يسيرون على النهج نفسه في الحفاظ على سلمية ثورتهم حتى إسقاط النظام ومحاكمةكل رموزه. معتبراً أن نجاح الثورة المصرية ومحاكمة مبارك ورموز نظام حكمه شكل أكبر دعم لجميع الشعوب المضطهدة على مستوى العالم، وليس الوطن العربي فقط.

جمود رسمي

رسيماً، فضلت الحكومة المصرية النأي بنفسها عما يجري في سوريا، وتجلى ذلك بشكل واضح في رفض منح المعارضة السورية في الخارج تصريحاً بعقد أول مؤتمر لها في القاهرة في شهر يونيو- حزيران الفائت، وإضطرت المعارضة إلى عقده في مدينة أنطاليا التركية، حيث تم الإعلان عن تأسيس إئتلاف المعارضة السورية في الخارج، إضافة إلى تأسيس مجلس إنتقالي لإدارة الأمور،على غرار المجلس الإنتقالي في ليبيا.

ورغم أن الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم يعد يمثل مصر، إلا أنه زيارته العاصمة السورية دمشق وإجتماعه بالرئيس بشار الأسد، وإعلانه رفض الجامعة العربية للتدخل الخارجي في الشأن السوري، تم تفسيره على أنه موقف مصري، لاسيما أن العربي كان يشغل منصب وزير الخارجية، قبل توليه الأمانة العامة الجامعة العربية.

لا للتدخل في شؤون الغير

وقال مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية المصرية لـquot;إيلافquot; إن لمصر في ما يخص السياسة الخارجية ثوابت لا تحيد عنها، أهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء عربية أو أجنبية، مشيراً إلى أن الشعب المصري رفض أي تدخل خارجي في ثورته، وظل يناضل سلمياً حتى إنتصر على الإستبداد والقمع، وأسقط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك بعد ثلاثين عاماً من الحكم الإستبدادي.

وحول موقف الحكومة من المعارضين السوريين في القاهرة، أوضح أن هؤلاء أشقاء يمارسون حقهم في التعبيرعن رأيهم، ولا يمكن منعهم من ممارسة الحرية على أرض مصر، لاسيما أن ثورة 25 يناير قامت من أجل الحرية، مادموا ملتزمين بعدم إثارة القلائل أو التأثير سلبياً على علاقات مصر مع الدول الأخرى، أو أن يتخذوا من مصر ممراً لعبور الأموال من دول أجنبية، مشدداً على أنه سيتم التعامل قانونياً مع من يثبت تورطه أعمال مخالفة للقانون.

جمعيات لا وجود لها

هذا ودأب بعض النشطاء السوريين في القاهرة على تعريف أنفسهم عبر الفضائيات بصفتهم رؤساء جمعيات أهلية أو حقوقية، لكن تلك الجمعيات ليس لها أي وجود حقيقي في مصر، لأن القانون يحظر التصريح للأجانب بإنشاء جمعيات أهلية، حسبما قالت إيمان أحمدالمسؤولة في وزارة التضامن والعدالة الإجتماعية المنوط بها إصدار تراخيص إنشاء الجمعيات الأهلية.

وأضافت لـquot;إيلافquot; إن القانون يسمح بإنشاء فروع في القاهرة للمنظمات العالمية مثل هيومان رايتس، العفو الدولية، مشيرة إلى إحتمالية أن تكون الجمعيات أو المنظمات التي يتحدث باسمها النشطاء السوريون لها وجود في سوريا، أو أي مكان آخر.