بغداد: تلتزم الحكومة العراقية الحذر في تعاملها مع الاحداث الدامية في سوريا، في موقف يرى محللون انه يوازن بين قربها من ايران الداعمة لدمشق، وquot;العمق العربيquot; الذي ترتفع فيه اصوات تجاه نظام بشار الاسد.

ومنذ تاكيد رئيس الوزراء نوري المالكي نهاية حزيران/يونيو ان quot;استقرار المنطقة ككل مرتبط باستقرار سوريا وامنهاquot;، لم تصدر الحكومة اي موقف صريح من الحراك المناهض للاسد الذي قتل فيه مئات منذ انطلاقه منتصف آذار/مارس.

وحده البرلمان تحرك الثلاثاء حيث دعا رئيسه اسامة النجيفي الحكومة السورية الى اتخاذ quot;موقف جريء لوقف نزيف الدمquot;، مدينا quot;قمع الحرياتquot; وداعيا الى quot;وقف جميع الممارسات غير السلميةquot;.

وقال وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي لوكالة فرانس برس ان quot;موقفنا ينص على دعوة الحكومة السورية الى اجراء اصلاحات تتناسب مع تطلعات الشعب ونحن لا نتفق على استخدام العنف سواء من قبل القوات الحكومية، او من قبل الجماعات المسلحةquot;.

واضاف quot;ناسف لتصاعد العمليات العسكرية ونتمنى ان تتوقف وان تبدا الاصلاحات في سورياquot;.

وكان المالكي اعتبر في ايار/مايو ان quot;تحقيق الاصلاحاتquot; في سوريا سيساعد على احلال quot;الامن والاستقرارquot; فيها، فيما اكد الرئيس العراقي جلال طالباني في رسالة وجهها الى نظيره السوري قبل حوالى اسبوعين دعم العراق quot;لامن واستقرار سوريا ومسيرة الاصلاحات فيهاquot;.

ويرى الباحث والاكاديمي العراقي احسان الشمري ان quot;الحكومة العراقية تتبنى موقفا حذرا حيال الاحداث في سوريا، وهو موقف مرتبط بالصراع السياسي بين ايران ودول عربية، على راسها السعوديةquot;.

ويوضح ان quot;ايران الداعمة للنظام السوري لاعب رئيسي في العراق، وتملك مواقع نفوذ كثيرة في حكومته ودولته، لذا فان اتخاذ مواقف مغايرة تجاه احداث سوريا قد ينعكس سلبا على كثير من الملفات المشتركة بين العراق وايرانquot;.

الا ان العراق quot;لا يريد في الوقت ذاته ان يخسر العمق العربي بعدما بدات الدول العربية ترفع صوتها في وجه نظام الاسدquot;، بحسب ما يرى الشمري.

وينظر الى دمشق على انها الحليف الاقليمي الرئيسي لطهران التي اعلنت مرارا عن دعمها للنظام الذي يقوده حزب البعث في سوريا منذ عقود، وسط اتهامات اوروبية واميركية لايران بمساعدة سوريا على قمع الاحتجاجات.

ومقابل الموقف الايراني الداعم للاسد، اعلن العاهل السعودي الملك عبدالله الاحد استدعاء سفيره في دمشق للتشاور، داعيا النظام السوري الى quot;وقف آلة القتل واراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الآوانquot;.

وتبعته الكويت ثم البحرين في اتخاذ تدبير مماثل، فيما قال وزير الخارجية المصري محمد عمرو الثلاثاء ان الوضع في سوريا quot;يتجه نحو نقطة اللاعودةquot;.

وردا على سؤال حول امكانية اتخاذ مواقف مماثلة، شدد عباوي في تصريحه لفرانس برس على ان quot;استدعاء السفير العراقي في دمشق امر غير مطروح ابدا حالياquot;.

ويرى استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عزيز جبر ان quot;الحكومة العراقية تعتمد موقف اللاموقف وتتحدث بالعمومياتquot;.

ويقول ان quot;هذا الامر مرتبط بالموقف الايراني الداعم للنظام السوري والعراق سيميل الى الجانب الايراني اكثر من ميله الى الاطراف العربيةquot;.

ويعتبر جبر ان quot;مجلس التعاون الخليجي يقود الحملة ضد النظام في سوريا والعراق لا يملك علاقات جيدة مع هذا المجلس وبعض اعضائه، وخصوصا السعوديةquot;، الجار السني الكبير للعراق الذي تسكنه غالبية شيعية.

ورغم محاولاتهم شطب كل ما يرتبط بحزب البعث في بلادهم، يفضل الشيعة في العراق عموما الذين يحكمون البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بقاء حزب البعث في سوريا خشية وصول السنة الى سدة الحكم في دمشق، بحسب ما يرى مراقبون.

وتأسس حزب البعث في دمشق عام 1947. وسيطر هذا الحزب العلماني الذي جمع ما بين القومية العربية والاشتراكية على السلطة في سوريا في 1963 وفي العراق في 1968.

وهيمنت الاقلية العلوية على السلطة في سوريا حيث يشكل السنة الاغلبية، والاقلية السنية في العراق حيث يشكل الشيعة الاكثرية.

لكن سرعان ماتخاصم فرعا هذا الحزب.

ففي 18 اب/اغسطس 1980 قطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد وقوف دمشق الى جانب طهران في الحرب العراقية الايرانية (1980-1988). واستقبلت دمشق المعارضين السياسيين لنظام صدام حسين وابرزهم رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.

ولم تكن هذه الازمة السياسية الوحيدة بين دمشق وبغداد، اذ ان خلافا دبلوماسيا وقع قبل عامين تسبب بقطيعة بين البلدين لاكثر من عام على خلفية موجة من التفجيرات هزت بغداد صيف 2009.

واعلن المالكي في كانون الاول/ديسمبر 2009 ان العراق يملك quot;ادلة دامغةquot; على تورط سوريا في تفجيرات في العراق وفي تسهيل تدفق quot;جهاديينquot; الى اراضيه باتوا يؤيدون اليوم ما يعتبرونه quot;ثورةquot; ضد نظام الاسد.

ويقول الشمري ان quot;شيعة العراق عانوا من حزب البعث ويتطلعون الى تغيير تاتي معه الديموقراطية الى سورياquot;.

ويتابع quot;لكن اذا رحل الاسد وبرزت جهات متشددة او سلفية، فسيكون الشيعة في العراق معارضين لتولي الاسلاميين الجهاديين السلطة هناك، اذا انهم يعتبرون ان هذا الامر سيغير كثيرا في المعادلات والعلاقات بين الطرفينquot;.