بفعل ما مرّ به العراق من مآس خلال السنوات الماضية لم يعد شعبه يذكر تاريخ 8/8/1988، وهو اليوم الذي انتهت فيه الحرب مع إيران بعدما دامت 8 سنوات، وخلال هذا التقرير حاولت إيلاف استقراء وجهة نظر الكثير من المراقبين والمواطنين حول الموضوع.


الحرب العراقية - الإيرانية استمرت 8 سنوات

بغداد: قبل 23 عاماً كان يوم الثامن من آب/ اغسطس عام 1988 يوما ليس كباقي الأيام العراقية، واحتفل فيه العراقيون كما لم يحتفلوا من قبل، لأن فيه وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها بعد ثمان سنوات دامية.

كانت الاحتفالات عفوية امتدت إلى أيام ساهرة طويلة لم يعرفها العراقيون من قبل افرغوا فيها همومهم ومعاناتهم وما ثكلت به قلوبهم، لكن اللافت أن تلك الذكرى وبعد سقوط النظام السابق عام 2003 اختفت من المفكرة السنوية، ولم يعد لها أي وجود، فقد ذابت تمامًا، ولم يعد ذلك اليوم الذي سمّي بـ (يوم الأيام) يشكل شيئًا في الذاكرة العراقية في الوقت الحالي، أي بعد نحو ثمان سنوات من سقوط النظام السابق الذي كانت تلك الحرب الدموية الطاحنة في زمنه، فكيف يمكن للعراقي أن يستذكر ذلك اليوم وهو ابن الحاضر، وهل يمكنه أن يتخلى عن تلك الايام المريرة التي اختتمت باليوم الذي بدا سعيداً؟.

لا اعتقد أن عراقيًا عاش تلك الأيام لا يمكنه أن يغمض عينيه ويتأمل شكل حروف وأرقام ذلك اليوم من دون أن تهيج لديه الذكرى بألوان تظل تتأرجح في ذاكرته، وربما لا تجد أي تفسير أو وصف للمسافة بين ذلك التاريخ واليوم الذي يعيشه على بعد 23 سنة عراقية. وجدتني بشكل عفوي منذ ايام اسأل كل من اعرفه وأقابله عن 8/8/1988 وربما تجاوز العدد الرقم 100 شخص، ووجدت أن الاغلبية لا تهتم نهائيًا به، فيما ابتسم الكثيرون قبل الاجابة، كأن هذا التاريخ سبق ومر على ذاكراتهم ولكن لا يعرفون ما مناسبته.

يقول احمد كاظم الشمري الموظف في وزارة النقل: quot;اعتقد فعلا أنه اصبح تاريخاً منسيًا لأسباب عديدة، من ابرزها أن ما حدث في ما بعد كان اسوأ مما حدث في الحرب العراقية الإيرانية، واعتقد أن الكثير من العراقيين نسوا هذا اليوم، لأن ما تراكم في ما بعد من احزان انساهم الفرح الذي كان في ذلك اليوم، واشعرهم بأنهم يضكحون على انفسهم حين تصوروا ان يوم 8/8/ 1988 هو نهاية المآسي التي مرت على الشعب العراقي، كما اعتقد ان إيران لا تريد ان يستذكر العراقيون ذلك اليوم لانه يوم يسيء الى العلاقات، باعتبار ايران وافقت على انتهاء الحرب على مضضquot;.

اما فريد حسنجندي خدم في ايام الحرب فقال: quot;لا اعتقد ان العراقيين لا يتذكرون هذا اليوم، لاسيما الذين عاشوه، ولكن الاجيال الجديدة لا تعرف عنه شيئًا، وربما لا يعرفون ان هناك حربًا طاحنة استمرت لثمان سنوات بين بلدين جارين، الناس تخفي ذكرى ذلك اليوم في اجنداتها وفي تلافيف الذاكرة، لان هذا اليوم من نتاج النظام السابق، الذي هو الذي اوجد الحرب وسعى اليهاquot;.

وأضاف: quot;العراقيون شبعوا آلامًا أنستهم الايام الحلوة، فكيف تريدهم ان يتذكروا يومًا أصبح في عداد المفقودات، انا لا اريد ان اتذكر اي شيء عن الحرب تلك ولا غيرها، فكلها آلام واحزانquot;.

وقال المصور الفوتوغرافي علي عيسى: quot;هذا اليوم لا ينسى بالنسبة إلي على الأقل او أبناء جيلي، الجيل الذي عاش أيام تلك الحرب بأيامها ولياليها وخدمة الاحتياط آنذاك، ولا انسى طبعًا كيف فرحنا بانتهاء الحرب بعد صدور البيان.

وأضاف: quot;ربما سبب عدم استذكار هذا اليوم بسبب ان الوضع مع ايران تغير كسلطة وكدولة واصبحت العلاقة على غير ما كانت عليه في السابق، علاقة حميدة، فلا تريد ان تكرر الموقف او نعيد المأساة ونذكر العراقيين بالمأساة والدمار بسبب تلك الحرب، خاصة ان الاف الشهداء راحوا ضحيتها، والى حد الان هناك مفقودون ما زال أهاليهم يبحثون عنهم، وهناك من أكلتهم الأرض الحرام،ولكنه لا يمكن أن ينسى خاصة الجيل الذي عاش ويلات الحرب وايامها الصعبة والقاسية والتي ذقنا فيها مرارات لا تعد ولا تحصى، أنا من ناحيتي لا انسى هذا اليوم لانه يوم فرحنا به للخلاص من حرب شرسة وتخلصنا من الجيش حتى وان كان لمدة قصيرة قبل ان تأتينا كارثة غزو الكويت لتعيدنا الى الجيش ثانيةquot;.

وقال الصحافي والقاص ياسين ياس: quot;صعوبة الحياة وظروف المعيشة التي اصبحنا عليها أنستنا أشياء كثيرة، أنستني حتى أسماء إخواني، وكثيرا ما أسال آخرين عن تاريخ اليوم الذين هم فيه فأجدهم ناسين له، أنا خدمت في الجيش وعشت عذابات الحرب وقسوتها، ولكن في ما بعد اصبحت ذكرى 8 / 8 / 1988 منسية، بحكم الظروف التي مر بها البلد والاحتلال والحروب الطائفية والقتل اليومي، فقد نسينا أشياء جميلة في حياتنا، فكيف لا ننسى يوما مثل هذا حمل ذكرى نعتبرها الآن عادية، كان هذا التاريخ ضمن مرحلة معينة وانتهى، ومن المستحيل أن يبقى في الذاكرة، ولو لم تذكرني أنت لم اتذكره فأنا منذ عشر سنوات لم يخطر في بالي هذا التاريخquot;.

أما سالم كريم، وهو ضابط سابق، فقال: quot;سألتني وجعلتني اغمض عينيّ لأذهب الى ايام لا نريد الله ان يعيدها، ايام قاهرة حرقت الأخضر واليابس، وأكلت الشباب ودمرت المجتمع، ما أقسى أيام الحرب تلك، عشناها بكل تفاصيلها وها نحن نبكي على ايامنا الضائعة فيها، وقد خرجنا من حرب أخرى مدمرين تماما، أنا أتألم أن الحرب كانت بلا سبب، وانتهت بدون ان تنحقق شيئا سوى التدمير وقتل الشبابquot;.

وأضاف: quot;يوم 8/ 8/ 1988 كان في وقتها فرحة لا تشبهها فرحة، فقد انتهى القتل وانتهت القسوة والرعب، وقلنا ان الشباب سيعودون الى بيوتهم، وتنتهي مأساة الحرب، لا اعتقد ان عراقيًا لم يفرح في ذلك اليوم الذي ما زالت مظاهره في الذاكرة، ولكنه الآن اختبأ في دهاليز الذاكرة لان ذكراه لم يعد لها وجود، فالفرح عاد ثانية ليكون ليتحول الى احزان، وعشنا في ما بعد ايامًا اسوأ من ايام الحرب العراقية الايرانية يوم اندحر الجيش في حرب تحرير الكويت، واصبح الجيش العراقي القوي البطل مجرد كبش فداءquot;.

وتأفأف سالم، ثم حاول ان يهدأ ثم قال: quot;صحيح ان في هذا التاريخ انتهت الحرب، ولكنه الان يمثل شيئا من مخلفات النظام السابق، والناس تريد ان تنسى مآسيه ولا تتذكرها، لان سبب كل ما مر به العراق طوال السنوات،والعراق وايران الآن يحاولان تحسين العلاقات ونسيان الماضي، وبالتأكيد هذا اليوم يمثل اشكالية بينهما، وليس من مصلحتهما اجترار الماضي التعيسquot;.

وقال فارس سعدون، جندي سابق: quot;يا رجل .. اراك تعيدني الى اكثر من عشرين عامًا، انا عشت الحرب لمدة ثمان سنوات وتسرّحت من الجيش بعد سنة، يا رجل .. كدت اموت فيها، لكن الله حماني، ما زالت ذاكرتي مترعة بالخوف والرعب والموت، أيام (ديزفول وسربيل زهاب وشرق البصرة والمحمرة وقصر شيرين والخفاجية وجزيرة ام الرصاص والعشرات من الاسماء التي ما زالت في الذاكرة والكثير من الاحداث التي يشيب لها الرضيع)quot;.

واضاف: quot;ليس من الصعب ان نتذكر نحن الجنود البواسل المتعبين يوم الثامن من اب 1988، لاننا بكينا كثرا فيه وتذكرنا اخواننا الشهداء الذين ماتوا بين ايدينا، لكنني لن احتفل به الآن، نسيته منذ عام 1990 ولم يعد له طعم، ولا اعتقد ان هناك فائدة من تذكره الان، فاليوم الذي كان (يوم الايام) اصبح مجرد ورقة ذابلة في أجندة الزمن، ثم إن الدنيا تغيرت، والعراق تغير نظامه، والعلاقات مع ايران تطورت، واصبح من المعيب ان تتذكر الدولة ما كان سيئًا في الدولتينquot;.