يكثر الحديث عن اعتماد قانون انتخابي وفق القاعدة النسبية، وهو الأكثر تداولاً للوصول إلى الإصلاح السياسي الموعود، ورغم أنه رفض من قبل البعض، ورُحّب به من قبل البعض الآخر، يبقى السؤال ما مدى دور المصلحة الشخصية للفرقاء في القبول أو الرفض، وهل اعتماده يعتبر مثاليًا في لبنان؟.


بيروت: قد يكون خيار إعتماد قانون إنتخاب وفق القاعدة النسبية هو أكثر الخيارات تداولاً للولوج إلى الإصلاح السياسي الموعود في لبنان. هو أمرٌ متوقعٌ وطبيعي نظرًا إلى المزايا الفريدة التي يتمتع بها النظام النسبي المعتمد في كثير من الدول الديمقراطية.

غير أن البارز في لبنان أن دعاة تطبيق النسبية هم أكثر توقاً للهروب إليها لتغيير النظام القائم، وربما لحسابات إنتخابية محددة، من رغبتهم في الوصول من خلالها إلى دولة أفضل ونظام أكثر متكامل.

مما لا شك فيه أن النظام النسبي، عندما يُطبّق بنجاح، هو أفضل قوانين الإنتخاب ضمانًا للتمثيل الشعبي العام. النسبية تحرر الأقليات من إضطهاد المحادل السياسية والمناطقية والمالية والعسكرية والمذهبية وغيرها. هو النظام الأكثر تمثيلاً لرغبات وتلاوين الشعب، ولذلك فهو أكثر ديمقراطية من الناحية التمثيلية، لأنه يسمح لكل تيارات الشعب أن تعبّر عن نفسها.

كما إنه يحوِّل المجلس النيابي إلى مساحة تلاق وحوار وتفاعل كل تلونات الشعب من دون عزلٍ أو إقصاء لأيٍ كان إستهتارًا بحجمه التمثيلي في المجتمع.

يشجع النظام النسبي المجتمع على الحراك، ويساهم في تأسيس احزاب سياسية جديدة، كما يفرض على الأحزاب الكبرى مراعاة مختلف الشرائح الشعبية عند تشكيل اللوائح.

ومن أهم مكتسبات إعتماد النظام النسبي أنه يوصل إلى المجالس النيابية ممثلين لقضايا محددة خارج إطار اللعبة السياسية العامة، كالتيارات المناصرة للبيئة مثلاً، إضافةً إلى قضايا نقابية وإنسانية وغيرها.

كما تساهم النسبية في الحد من فرص التلاعب بالنتائج مقارنةً بالنظام الأكثري، حيث يمكن لتلاعب بسيط في قلم إقتراع واحد أن ينسف تمثيل حزبٍ بشكل كامل، ويعطي هيمنة إلى آخر بفارق أصواتٍ ضئيل.

محاذير النسبية في لبنان

في تعريفه المبسط للنسبية التي يتم التداول بهافي الانتخابات النيابية، قال النائب السابق والخبير القانوني الدكتور صلاح حنينلإيلاف إن المبدأ في النسبية انه خلال الانتخابات تكون هناك لائحتان متنافستان، ولنعتبر اننا نريد من هاتين اللائحتين عشرة مقاعد، يجب على اللائحتين ان تكونا مقفلتين بمعنى انه لا تشطيب فيهما، وكل لائحة يجب ان نرى ما هي النسبة التي ستأخذها بعد الانتخابات.

وداخل اللائحة المقفلة فإن الاحزاب تحدد من سيكون رقم 1 او 2 او 3 في اللائحة، وعندما تبدأ النتائج، نحسب في المقام الاول كل لائحة ما هي النسبة التي حصلت عليها، فمثلا اللائحة الاولى حصلت على 60%، بينما الثانية مثلاً 40%، وهذا يعني ان من اللائحة الاولى سنحصل على 6 اشخاص ومن الثانية 4، ولكن على اي اساس سننتقي هؤلاء؟ على اساس من تم تحديدهم بحسب المراكز، بحسب ما عينتهم الاحزاب.

ولكن المشكلة في لبنان يضيف: quot;هناك الطوائف، لذلك يجب ان نأخذ في الاعتبار المنطقة والطائفة، وبانتفاء وجود احزاب تحدد المراكز، فإن مسألة النسبية صعبة في لبنان، ففي الخارج كفرنسا مثلاً مع انتفاء وجود الطائفية يمكن ان نعمل بنظام النسبية في الانتخابات، لكن في لبنان مع وجود الطائفية وانتفاء تحديد مهام الاحزاب لا يمكن تطبيقها.

هنا يصبح الناخب، وليس الحزب، هو من يحدد الاولويات، فيصبح لدينا داخل كل لائحة نوع من الحرب بين الاشخاص، وعندما لا يحدد الحزب هذه الاولويات يتنافس المتبارون في ما بينهم، وتدخل المسألة في ضياع وعدم التنظيم، وفي لبنان تطبيق النسبية يبقى غير منطقي.


ويضيف: quot;لنفترض أن النسبية طُبِّقتفي لبنان، فهي لا تعطي نتائج ترضي الجميع، وفي عمق الموضوع النظام الاكثري سيبقى، مع وجود المحادل، ولن يتغير المشهد السياسي، وستبقى القوى السياسية نفسها متحالفة مع بعضها.

مواقف مع وضد النسبية

لم يفاجئ رئيس جبهة النضال الوطني النيابية اللبنانية وليد جنبلاط بدعوته الى تأجيل البحث في استخدام النسبية وتشديده على ضرورة البقاء على الوضع الحالي حفاظًا على التنوع والتعدد والتمايز، حلفاءه في الأكثرية أو معظمهم على الأقل، ممن أخذوايروّجون لاعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب الجديد، ولا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي يصرّ على تبنيها من دون الدخول في تفاصيل تطبيقها، لا سيما بالنسبة الى تقسيم الدوائر الانتخابية بما يحقق التوازن في التمثيل الشعبي.

فجنبلاط عندما قرر الخروج من قوى 14 آذار/مارس، لم يكن في وارد الانضمام الى قوى 8 آذار/مارس، وإنما كان يراهن على تشكيل قوة وسطية في البرلمان، تأخذ على عاتقها الضغط باتجاه التخفيف من وطأة الانقسام العمودي الذي يتخبط فيه لبنان الآن من أجل وأد الفتنة الطائفية والمذهبية وقطع الطريق على من يحاول جر البلد الى دورة جديدة من التأزيم السياسي.

وانسجامًا مع سياسته الوسطية، يعتقد جنبلاط بأن اللحظة الراهنة غير مواتية لطرح قانون انتخاب جديد على رغم أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تعهدت في بيانها الوزاري بتحقيق الإصلاحات في قانون الانتخاب ودرس نظام التمثيل النسبي بصورة معمقة.

الرئيس السابق للحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص لا يوافق جنبلاط الرأي، ويرى انه يختلف في الرأي مع وليد جنبلاط في موضوع قانون الإنتخاب، فنحن نعتقد، يضيف quot;ان مصلحة لبنان تكمن في اعتماد الدائرة الكبرى، وإذا أمكن الدائرة الواحدة، وتبني قاعدة النسبية، ولكننا مع ذلك نقول ان الأمر يتوقف على قرار من الأكثرية في مجلس النوابquot;.

ويضيف :quot;يبدو لنا ان الموقف الراجح يدعو الى اعتماد الدوائر الكبرى، وربما لبنان دائرة واحدة، وكذلك تبني قاعدة النسبية، لكونها الأكثر عدالة، والأستاذ جنبلاط أعرب عن رأيه في ما يرفض، ولكنه لم يعرب عن رأيه في النظام الإنتخابي الذي يؤثرquot;.