مع تطور الأحداث في ليبيا، يتبيّن للمراقبين يومًا بعد يوم أنّ مقاربة إدارة الرئيس الأميركيّ أوباما إزاء تغيير النظام في طرابلس التي تتسم بالتعددية والحد الأدنى من الوجود الفعلي على الأرض، أشد فاعلية من مقاربة إدارة بوش، التي اتسمت بالوجود الثقيل والاحتلال المباشر.


المستشفيات في ليبيا تعجّ بحالات تعكس الثمن الباهظ لـquot;الحريةquot;

لندن: قال الكاتب الأميركي ذو الأصل الهندي فريد زكريا، الذي يقدم البرنامج الرئيس لتحليل القضايا الدولية على شبكة سي ان ان، إن العديد من المحافظين الجدد انتقدوا طريقة الرئيس اوباما في التعامل مع التدخل الدولي في ليبيا.

وذهبوا إلى انه يفعل القليل، ويتحرك متأخرًا. لكن الولايات المتحدة قررت ألا تتدخل في ليبيا، إلا إذا توافرت شروط عدة هي: فريق محلي مستعد للقتال والموت من أجل التغيير، أي قدرات محلية، وشرعية معترف بها إقليميًا في شكل طلب من الجامعة العربية للتدخل، وشرعية دولية في شكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، وتقاسم حقيقي للأعباء بتحديد الطلعات التي يبدي البريطانيون والفرنسيون استعدادهم للقيام بها على وجه الدقة ومستوى الالتزام الذي سيكونون مستعدين لأخذه على عاتقهم.

وأضاف زكريا أن هذا النموذج الجديد يحقق أمرين هما أولاً، ضمان نشوء تحالف محلي حقًا يلتزم بالأهداف نفسها، التي يتبناها الائتلاف الدولي، وثانيًا أن هذا النموذج يضمن تقاسم الأعباء تقاسمًا حقيقيًا، بحيث لا يُترك البلد المعني بيد الولايات المتحدة، كما حدث في أحيان كثيرة في السابق.

ويرد المحلل دانيال دريزنر على زكريا في مجلة فورين بولسي قائلاً إن هذا كله يبدو رائعًا على الورق، سوى أن المعايير التي يحددها زكريا جامدة، بحيث من المشكوك فيه quot;أن أراها مستوفاة في زمن حياتيquot;.

وأشار دريزنر إلى أن روسيا والصين أعربتا عن الأسف فور صدور قرار مجلس الأمن، وان الأمين العام للجامعة العربية أبدى ندمه، ما إن بدأ حلف شمالي الأطلسي عمليات القصف.

وحتى إذا بدت عملية ليبيا ناجحة من واشنطن، فإن قائمة المعايير التي عدَّدها زكريا quot;لن تُستوفى أبدًاquot; ، بحسب دريزنر.

ويتابع دريزنر قائلاً إن هذه قد تبدو فكرة عظيمة للقلقين من عسكرة السياسة الخارجية الأميركية لأنها تضع حاجزًا عاليًا إلى حد يثير السخرية أمام التدخل العسكري. والحق أن هذه المعايير تبدو صالحة طالما أنها لا تُطبّق إلا في حالات التدخل العسكري الإنساني.

لكن المشكلة أن غالبية التدخلات العسكرية ليست إنسانية حصرًا. وما إن ترفع المصالح القومية رأسها حتى تتراجع هذه المعايير من كونها مستلزمات إلى ترقيات.

وبدأ يعمد زكريا إلى تضخيم أهمية الطبيعة الفريدة للتدخل في ليبيا. ولكن لا ضرر في ذلك، فإن زكريا خبير، وليس صانع سياسة، ولا احد في البيت الأبيض مثلاً سيطرح مثل هذه النظرة التبسيطية، على حد تعبير دريزر.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض لمجلة فورين بولسي إن الإطاحة بنظام القذافي تبين أن مقاربة إدارة اوباما إزاء تغيير النظام التي تتسم بالتعددية والحد الأدنى من الوجود الفعلي على الأرض، أشد فاعلية من مقاربة إدارة بوش، التي اتسمت بالوجود الثقيل على طريقة الاحتلال المباشر في العراق وأفغانستان.

وقال بن رودز نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات في مقابلة خاصة مع المجلة إن حقيقة زحف الليبيين على طرابلس لا توفر أساسًا للشرعية فحسب، بل وتقدم نقيضًا للوضع، الذي تكون الحكومة الأجنبية هي المحتل فيه.

وأضاف أن التحديات ستكون جسمية، ولكن من ايجابيات الحالة التي نحن في صددها أن الليبيين هم الذين يقومون بتغيير النظام، وهم الذين يقودون عملية الانتقال. وأشار رودز إلى أن هناك مبدأين شدد عليها أوباما من البداية، وجاءت الأحداث تؤكد صحتهما.

quot;الأول أننا نعتقد ان تغيير النظام ستكون له شرعية وفاعلية أكبر بكثير إذا اضطلعت به حركة سياسية محلية، وليس الولايات المتحدة، أو قوى أجنبية أخرى.

والثاني: quot;إننا نشدد على تقاسم الأعباء، بحيث لا تتحمله الولايات المتحدة وحدها أساسًا، ولا يتحقق الدعم الدولي فحسب، بل تكون هناك مساهمات دولية ذات معنى أيضًاquot;.

وقال رودز إن الولايات المتحدة لن تتمكن من تكرار هذه النظرة إلى التدخل بنسخة مطابقة تمامًا في بلدان أخرى، ولكنها حددت المبدأين الأساسيين في quot;الاعتماد على قوى محلية وتقاسم الأعباء بوصفهما السمتين اللتين تطبعان مقاربة الرئيس اوباما في السياسة الخارجية والتدخل العسكريquot;.

ويرد الكاتب دريزنر على هذا الرأي قائلاً إن تقاسم الأعباء والتأييد المحلي كلها أشياء عظيمة quot;ولكنني أضمن لكم إن الوقت سيأتي حين تتطلب أولوية ملحة في السياسة الخارجية شكلاً من أشكال فن الإدارة العسكرية، ولن تُراعى هذه المعايير فيه. وعلى ادارة اوباما أن تعرف ذلك لأن اكبر نجاحاتها في فن الإدارة العسكرية حتى الآن لم يلتزم بأي من هذين المعيارينquot;.

ويكتب دريزنر في ختام تعليقه انه quot;بعد تحقيق نجاح مفترض في سياسة معينة هناك دائمًا خطر إعلانها نموذجًا لكل السياسات اللاحقة في تلك الساحة. الخبراء يرتكبون هذا الخطأ على الدوام. وعلى صانعي السياسة أن يكونوا أذكى من ذلكquot;.