تتنوع أساليب القمع والترهيب المستخدم ضد المعتقلين السوريين حتى وصل عدد المعتقلين الذين زاروا السجون السورية نحو 70 ألف سوري، في حين تحولت الملاعب إلى معتقلات على غرار التجربة التشيلية.


الكرسي الألماني... على اليمين الكرسي القديم وعلى اليسار الكرسي المطور في سوريا بإضافة شفرات

ستة أشهر كانت فترة كافية لزيارة نحو 70 الف سوري السجون والمعتقلات. أهم ما في هذا الرقم الرهيب ان تسعين بالمئة هم من الشباب الذين يدخلون اقبية التعذيب.

ويرى المراقبون من الداخل ان الدوري السوري لكرة القدم ألغي هذا العام نتيجة تحويل الملاعب الى معتقلات خاضعة لمخابرات (القوى الجوية) و(الأمن العسكري) على غرار التجربة التشيلية بعد الانقلاب على الرئيس سلفادور الليندي.

واكد ناشط سوري معارض من الداخل لـquot;ايلافquot; (طلب عدم ذكر اسمه) صحة مثل هذه الأرقام. واضاف quot;النظام السوري لن يتوقف عن القتل والاعتقال، لأن المشكلة الكبرى للرئيس بشار الأسد ونظامه، عقدة انتصاره بعد عزل نظامه غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريريquot;. وتابعquot;حتى الآن ما زال يعتقد النظام الأسدي انه قادر على تكرار الانتصار، وأن العالم سيعود إليه طالباً رضاه ومسامحته عن الفترة الحاليةquot;.

وينتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي والشبكات السورية الكثير من مقاطع الفيديو التي يظهر فيها التعذيب في السجون السورية. يروي بعض من ينشرون تلك المقاطع لـquot;ايلافquot; ان المخابرات السورية هي من تقوم بتسهيل نشر مثل تلك المقاطع لإرعاب العامة على حد تعبيرهم.

وتنشر صفحات المعارضة السورية على موقع laquo;فايسبوكraquo; منذ اندلاع الانتفاضة السورية أشرطة فيديو توثق لحالات التعذيب التي تعرّض لها ناشطون ومشاركون في المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام.

كان أول هذه الأشرطة المصورة، صور الأطفال الذين تم اعتقالهم في مدينة درعا، وشكلوا الشرارة التي أشعلت الانتفاضة السورية إثر كتابتهم على جدران مدرستهم شعارات تطالب بسقوط النظام. وبدت على أجسادهم آثار تعذيب وحشي، واقتلاع أظافر وكيّ بالنار ولكم وجلد وصفع. من بعدها تم نشر الكثير من الأشرطة التي تظهر حجم التعذيب الذي تمارسه أجهزة الأمن السورية بحق المتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية.

وكان أبرزها فيديو الطفل حمزة الخطيب، الذي تفنن رجال الأمن في تعذيبه، لدرجة كسر رقبته والتمثيل بجثته وبتر عضوه التناسلي، إضافة إلى فيديو قرية البيضة المحاذية لمدينة بانياس، التي داس laquo;شبيحةraquo; النظام السوري بأحذيتهم على أجساد أبنائها وأهانوا كرامتهم.

وسائل التعذيب في السجون
يتحدث معارض من الداخل عن وسائل تعذيب كلاسيكية يستخدمها الأمن السوري منذ أربعين عامًا هي laquo;الكرسي الألمانيraquo;، وهو عبارة عن كرسي مصنوع من قضبان الحديد بعد نزع مسانده، إذ يمرر قضيب مسند الظهر تحت إبطي السجين ويداه مقيدتان laquo;بالكلبشاتraquo; إلى الوراء ويصحح وضع الكرسي، بحيث يغدو جسد السجين تحته تمامًا أو بين قضبانه السفلية، لكن إبطيه وصدره معلقان بقضيبي مسند الظهر، ثم تشد رجلا السجين بحبل غليظ وتربطان بالطرف العلوي من قضيبي مسند الظهر، فيصبح جسده أشبه بقوس من دائرة بين أرجل الكرسي.

عندها يبدأ الضرب بالكابلات على قدمي السجين وساقيه، ويعاد بين فينة وأخرى شد الحبل وتشديد تقوس ظهر السجين. والمعروف أنه بسبب شدة ما يعانيه السجين من ألم متعدد الأوجه، فإنه يصاب بشلل في أطرافه العلوية يدوم أسابيع أو أشهر تبعًا لدرجة تعرضه للتعذيب بالكرسي بحسب قول الناشط.

كما يتم اللجوء إلى استخدام الضرب بالكابلات على القدمين أو اليدين أو مختلف أنحاء الجسد، وquot;الكبلquot; عبارة عن مجموعة من الأسلاك النحاسية تستخدم لاستحرار الكهرباء وتجدل بشكل جيد، وغالبًا ما تنتزع أجزاء من اللحم مع الضرب.

كذلك يتم استخدام أسلوب الوضع في الدولاب، وهو الإطار الخارجي لعجلة سيارة، حيث يوضع فيه الإنسان ليمسك برأسه ورجليه ويتم ضربه من دون أن يستطيع الحراك.

أما laquo;بساط الريحraquo;، فهو من الوسائل التي اختبرتها الغالبية العظمى من المعتقلين السياسيين الذين دخلوا سجون النظام السوري، حيث يشد السجين من أطرافه الأربعة بحبال إلى جهات أربع، ويبدأ الضرب على أنحاء مختلفة من جسده، ويعاد شد الحبل بين لحظة تعذيب وأخرى.

ويشير ناشطون إلى أن هذه الوسائل التي بقيت تمارس بحق أي مواطن سوري يدخل فروع الأمن، حتى لو كانت تهمته غير سياسية، كالسرقة أو النشل مثلاً، تطورت في الفترة الأخيرة بشكل أشد وأكثر وحشية.

وفي تقرير حديث، قالت منظمة العفو الدولية إن الوفيات في السجون السورية قفزت في الاشهر القليلة الماضية مع محاولة حكومة الرئيس بشار الاسد سحق الاحتجاجات ضد حكمه. وأضافت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان، ومقرها لندن، ان لديها تفاصيل عن 88 شخص على الاقل توفوا وهم قيد الاعتقال في الفترة من ابريل/ نيسان الى منتصف اغسطس/ اب.

وقالت quot;52 منهم على الأقل تعرضوا في ما يبدو لشكل ما من التعذيب، من المرجح انه ساهم في وفاتهمquot;. وقالت العفو الدولية quot;هذه زيادة ضخمة في انتهاكات حقوق الانسان في سوريا مقارنة مع الحالات التي اوردتها تقارير في السابق. وقبل الانتفاضة كان باحثو المنظمة يسجلون في العادة حوالى خمس وفيات في السنة لاشخاص قيد الاعتقالquot;.

وقال نيل ساموندز الباحث المعني بسوريا في العفو الدولية quot;الوفيات خلف القضبان تصل الى مستويات ضخمة، ويبدو انها امتداد للازدراء الوحشي بالارواحنفسه الذي نراه يوميًا في شوارع سورياquot;.

وتقول العفو الدولية انها جمعت اسماء أكثر من 1800 شخص ذكرت تقارير انهم توفوا منذ أن بدأت الاحتجاجات المطالبة بسقوط الاسد في ابريل الماضي. واضافت ان آلاف الأشخاص القي القبض عليهم، واحتجز كثيرون، منهم في حبس انفرادي.

وقالت المنظمة ان باحثيها راجعوا تسجيلات مصورة في 45 حالة لأولئك الذين وجدوا قتلى حين ظهرت جروح في الكثير من الجثث، مما يشير الى انهم تعرضوا للضرب او الحرق او الجلد او صدمات كهربائية او انتهاكات اخرى. واضافت ان جميع الضحايا من الرجال، ومن بينهم 10 أطفال، بعضهم في الثالثة عشر من العمر.

ومن المعتقد انهم اعتقلوا للاشتباه بمشاركتهم في الاحتجاجات. ومعظم الضحايا من منطقتي حمص ودرعا. وقالت العفو الدولية ان تقريرها يعزز حجتها لإحالة سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية وفرض حظر على السلاح وعقوبات مالية أكثر صرامة ضد اعضاء بارزين بالحكومة.

وقال ساموندز quot;مع وضع الانتهاكات الواسعة والمنظمة في سياقها، فاننا نعتقد ان هذه الوفيات قيد الاعتقال ربما تتضمن جرائم ضد الانسانيةquot;. وتبدي منظمات حقوق الإنسان خشيتها من أن تكون حجم الانتهاكات المرتكبة ضد المتظاهرين في سوريا تفوق ما تظهره وسائل الإعلام الممنوعة منذ بداية الأحداث من دخول البلاد.