الأطفال شاركوا مع أسرهم في الثورة وصاروا هدفًا للمجرمين بسبب الإنفلات

تنتشر في مصر أخيرًا عصابات متخصصة في اختطاف الأطفال، مستغلّة حالة عدم الاستقرار الأمني، التي تشهدها البلاد بعد الثورة، الأمر الذي أثار قلق العائلات المصرية على مصير أبنائها.


حالة من القلق الممزوج بالخوف والذعر تنتاب المصريين، بسبب عودة عصابات إختطاف الأطفال للظهور من جديد، بعدما ألقي القبض في الأسبوع الماضي على عصابتين خلال أقل من يومين، حيث كان أفرادهما يختطفون الصغار، ويطلبون من أسرهم فدية تقدر بملايين الجنيهات أو التهديد بقتلهم.

جريمة ما بعد الثورة
تعتبر جريمة إختطاف الأطفال وطلب فدية مقابل إطلاق سراحهم، من الجرائم الجديدة بعد الثورة، فقد كان الحديث في السابق عن عصابات إختطاف الأطفال في مصر أقرب للشائعات منها إلى الحقائق، لكن بعد الثورة، ومع انتشار الإنفلات الأمني،وهروب عشرات الآلاف من المجرمين الخطرين من السجون، تحولت الشائعات إلى حقيقة، حيث تعرضت حفيدة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لابن شقيقه عصمت السادات للإختطاف، وطلب الخاطفون قدية قدرها خمسة ملايين جنيه، نظير إطلاق سراحها أو قتلها.

ولأنها حفيدة السادات وابنة رجل أعمال له وزنه في المجتمع المصري، ولأن الحادث جاء في أعقاب تصاعد الإتهامات للشرطة بخيانة الثورة، كثفت جهودها سريعاً، وألقت القبض على العصابة، التي ثبت أنها لم يكن لأي من أفرادها سجل إجرامي سابق، وأنها المرة الأولى التي يمارسون فيها الجريمة، مستغلين في ذلك الإنفلات الأمني، وتمت إعادة مبلغ الخمسة ملايين جنيه لنجل شقيق السادات.

المجلس العسكري مهتم بمكافحة الجريمة
رغم أن الحادث انتهى بالفشل، إلا أنه فتح أعين المجرمين على نوعية جديدة من الجرائم في ظل الإنفلات الأمني وأكثر ربحاً، حيث زادت معدلات جرائم خطف الأطفال خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/ايار، وزاد نشاط الشرطة في المقابل في مكافحتها، لأنها تمثل أخطر أنواع جرائم ما بعد الثورة على الإطلاق.

وليس أدل على ذلك من أن المجلس العسكري قدم التهنئة لوزارة الداخلية على نجاحها في إلقاء القبض على إحدى أخطر تلك العصابات عبر بيانه رقم 33، وقال فيه quot;يهنئ المجلس الأعلى للقوات المسلحة وزارة الداخلية بكل عناصرها لنجاحها في القبض على عصابة خطف الأطفال، التي روّعت المواطنين خلال الفترة الماضية، متمنين لهم دوام التوفيق، ويهيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكل طوائف شعب مصر العظيم التعاون مع عناصر وزارة الداخلية ودعمهم من أجل استعادة الاستقرار والأمن لمصرنا العزيزة والقضاء على كل أعمال البلطجة وترويع المواطنين.

القبض على عصابتين خلال 48 ساعة
هدأت هذه النوعية من الجرائم خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ثم نشطت من جديد خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/ايلول الجاري، حيث شهدت محافظة دمياط حادثين خلال أقل 48 ساعة.

ووفقاً لمحاضر الشرطة فإن الطفل أحمد محمد ياسين تعرّض للإختطاف يوم 20 سبتمبر الجاري، وإتصل الخاطفون بوالده، الذي يمتلك مصنعًا للمبات الكهربائية، وطلبوا فدية قدرها مليون جنيه، وحذروه من إبلاغ الشرطة، حتى لا يكون الثمن هو حياة طفله البالغ من العمر عشرة أعوام، فلم يجد الأب بداً من الإنصياع للجناة، خوفاً على طفله من أن يصيبه أي مكروه، ودفع المبلغ فوراً، وعاد الطفل إليه، لكنه أبلغ الشرطة في وقت لاحق، وبعد إجراء التحريات ألقت القبض على العصابة أثناء محاولة إختطاف طفل آخر، لمساومة والده عليه.

لم يقف الأمر عند حد تلك العصابة، فقد نشطت عصابة أخرى في المدنية نفسها، والمعروفة بأنها مركز تجاري لصناعة الأخشاب والموبيليا، ويتمتع أهلها بالثراء مقارنة بباقي أهالي المحافظات المصرية، ووقع حادث إختطاف طفل آخر، خلال 48 ساعة، لكن سرعان ما تمكنت الشرطة من إعادته إلى أسرته، وإلقاء القبض على أفراد العصابة.

رعب الأسر
أثارت الحوادث موجة من الرعب في أوساط المصريين، لاسيما أن تلك الحوادث وقعت بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد، وأنها لم تقف عند حد منطقة أو محافظة بعينها، بل انتشرت في مدن ومحافظات مختلفة. ومن دمياط إلى الجيزة، حيث تعرّض الطفل أبانوب عزت كامل quot;9 سنواتquot; للإختطاف، وطلب الخاطفون من والده، الذي يمتلك محل مجوهرات، مبلغ خمسين ألف جنيه لإطلاق سراحه، ولما أبلغ والده الشرطة، أستطاعت التوصل للخاطفين، وتبين أن سيدة هي من تتزعم تلك العصابة، وألقي القبض علي جميع أفرادها، وقدموا إلى المحاكمة.

حالة إختطاف طفلة
محمد سيف الدين أحد المصريينالذين إكتووا بنيران إختطاف أطفالهم، روى لـquot;إيلافquot; تفاصيل عملية إختطاف ابنة شقيقة الأكبر، وقال إنه يعمل صحافياً في دولة قطر، وعاد إلى مصر من أجل قضاء إجازته السنوية مع أسرته في مدينة بني سويف.

وأضاف أنه بعد عودته بيومين فوجئ شقيقه بإختطاف طفلته البالغة من العمر ثمانية أعوام، مشيراً إلى أن الخاطفين اتصلوا بشقيقه، وطالبوا فدية قدرها عشرين ألف جنيه مصري، وهددوه بقتل الطفلة في حال إبلاغ الشرطة، لكنه لم يستجب لتهديداتهم، وذهب إلى قسم الشرطة، لكنها لم توفق في إستعادة الطفلة سريعاً، مما زاد من قلق والدها والأسرة عليها.

وتابع: لم يكن أمامنا سوى دفع الفدية التي طلبها الخاطفون من والدها، وقدرها عشرين ألف جنيه، وإستعادة الطفلة. ولا يدري سيف الدين هل تمكنت الشرطة من القبض على العصابة الخاطفة أم لا؟.

ويشير سيف الدين إلى أن تلك الجريمة خطرة جداً، وتصيب جميع المصريين بالقلق المتزايد لأنها تتعلق بفلذات أكبادهم، وقال: نحن عشنا أياماً قاسية للغاية، كان القلق ينهش أعصابنا، ولم يكن أحد في الأسرة قادراً على تناول الطعام أو حتى الماء أو النوم لأيام عدةكانت خلالها الطفلة في حيازة خاطفيها. إنها جريمة قاسية، لا بد من تكثيف الجهود للقضاء عليها تماماً.

جهود لمكافحة الجريمة
ووفقاً لمصدر أمني، فإن هذه النوعية من الجرائم جديدة على المجتمع المصري، وقال لـquot;إيلافquot; إن هناك مجموعة من الجرائم التي طفت على السطح بعد الثورة بشكل غريب، منها إختطاف الأطفال، لإجبار أسرهم على دفع فدية كبيرة، إصافة إلى قطع الطرق والإستيلاء على سيارات المواطنين تحت تهديد السلاح أو قتلهم والإستيلاء على السيارات، إضافة إلى إقتحام أقسام الشرطة لتهريب المجرمين.

مشيراً إلى أن الشرطة نجحت في ضبط الجناة في 100% من جرائم خطف الأطفال منذ ظهورها في شهر مارس/آذار الماضي، وحتى الآن، مشدداً على أنه لا تهاون مع المجرمين، الذين يرتكبون تلك الجريمة، لأنها تروّع المواطنين والأطفال، وتهدد بتوقف الدراسة.

ولفت إلى أن هناك دوريات أمنية راكبة وثابتة منتشرة حول المدارس لتأمين الطلاب والأطفال ومنع التحرش الجنسي بالطالبات. ودعا المصدر الأمني المواطنين المصريين إلى ضرورة اليقظة والإنتباه لأطفالهم وعدم تركهم يسيرون بمفردهم في الشوارع أو تركهم يذهبون إلى المدارس من دون مرافقين كبار، سواء الأب أو الأم أو الشقيق الأكبر.

السجن و الإعدام
قضائياً، يواجه المدانون بجريمة خطف الأطفال السجن المشدد لمدد تتراوح ما بين 5 و10 سنوات، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام إذا إقترنت الجريمة بالإعتداء الجنسي أو القتل، وفقاً لقول المستشار هشام صالح رئيس محكمة سابق لـquot;إيلافquot;.

وأضاف أن المجلس العسكري أجرى تعديلات مهمة على قانون العقوبات في شهر مارس الماضي لمواجهة تلك الجرائم التي تستهدف الأطفال، مشيراً إلى أنه وفقًا للمادة 296 فإن quot;كل من خطف بنفسه أو بوساطة غيره من غير تحايل ولا إكراه طفلاً لم يبلغعمره اثنتي عشرة سنة يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات.

وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات إذا كان الطفل المخطوف قد تجاوزت سنه اثنتي عشرة سنة ولم يبلغ18 سنة، فإذا كان المخطوف أنثى تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنين. مشيراً إلى أن العقوبة تصل إلى الإعدام إذا أقترنت جريمة الخطف بالإعتداء الجنسي على الطفل. حسبما تنص المادة 289 من قانون العقوبات.