لايزال المجتمع العراقي يبدي قدرًا قليلاً من التعاطف مع الأطفال اللقطاء، بل إن الكثير من الأشخاص يعدّ العملية برمتها عارًا ووبالاً، والطفل اللقيط هو (ابن حرام) يحمل هذه الصفة طيلة حياته، حتى إن هناك من يصف خصمه أو المناوئ له بأنه (لقيط) حتى في المجال السياسي، حيث استخدمت هذه الكلمة في الإعلام الإلكتروني لوصف خصوم سياسيين معينين بأنهم لقطاء.
ظاهرة اللقطاء تفشت بسبب حالات الاغتصاب والعلاقات غير الشرعية |
بغداد: لم يكن احتضان (أم حمزة) الوالدة لثمانية أطفال، لفتاة لقيطة في الرمادي (110 كم غرب بغداد)، بظاهرة استثنائية في العراق، بعدما تكررت في الكثير من مدن العراق في الآونة الأخيرة ظاهرة رمي اللقطاء في جوانب الشوارع والمزارع والمناطق المنعزلة، ليصبح الحظ وحده فرصتهم في الحياة، فإما أن يعثر عليهم مستطرق، فيساهم في إنقاذ حياتهم، أو يتلقون مصيرهم المحتوم، وهو الموت.
وكانت أم حمزة قد عثرت على الطفلة اللقيطة في أواخر عام 2011، وعمرها بضعة أيام، بعدما تخلت عنها أمها، فحملتها ورعتها، ثم اتخذت قرارًا صعبًا بتبني هذه اللقيطة بشكل قانوني، وتقسم بعدم إعادتها إلى أهلها حتى لو طلبوها، بحسب ما أكدت هذا الأسبوع لوسائل الاعلام.
مشكلة معقدة
وفي مجتمع محافظ وعشائري، تصبح مشكلة اللقيط معقدة إلى حد كبير، وبين رمي المولود في الشارع... إلى العثور عليه ميتاً، تدور قصص غريبة تحدث في كل يوم.
ويشترك العراق معغالبية الدول العربية والإسلامية في تشابه المأساة، التي تخيّم على حياة اللقيط. ويحثّ الباحث الاجتماعي، أيمن أحمد، من دار الرعاية الاجتماعية في الكرادة في بغداد، على تشجيع ثقافة (التبني)، وفق ضوابط قانونية، تحفظ حقوق كل الأطراف.
لكن أيمن يرى أن الأعراف الاجتماعية ما زالت تنظر بسلبية إلى (هوية) اللقيط، حيث يشعره المجتمع في الغالب بأن الشخص المتنبي ليس أباه البيولوجي، وكلما كبر الطفل، كلما أشعره المحيطون به بذلك.
تتحدث سعاد حسن (موظفة) في كربلاء، وتبنت (طفلة لقيطة) منذ خمسة أعوام، عن ازدياد ظاهرة الأطفال اللقطاء إبان فترة الحرب الطائفية، بسبب حالات الاغتصاب التي تعرّضت لها الفتيات.
هروب من الواقع
كما يروي أبو حسين (تاجر أقمشة، 55 عاماً) عن طفل تبناه لمدة عشرة أعوام، حتى إذا كبر الطفل هجره، بسبب ضغوط اجتماعية من قبل المحيطين به، والذين يذكرونه دائما بأنه (لقيط). ويتابع: quot;هاجر الشاب محمد إلى الأبد إلى خارج العراق، حيث اتصل بي ذات مرة، مبديًا عدم رغبته في الرجوع إلى العراق، بسبب الإهانة اليومية التي يسمعها من الناسquot;.
يتحدث رحيم الأسدي (عامل بناء، 29 عامًا) عن عثوره عام 2010 على فتاة مضى على ولادتها بضع ساعات قرب كومة قمامة في المحمودية (15 كلم جنوب بغداد). ويروي كيف أنه وصل إليها في اللحظة المناسبة، وكانت الكلاب تحوم من حولها. ويتابع: quot;بعض اللقطاء راحوا ضحية الكلاب، بعدما لم يحالفهم الحظ في أن يعثر عليهم مستطرقquot;.
ويقول الباحث أيمن خلال سرده للظاهرة إنغالبية الحالات سببها علاقات جنسية سرّية، تقام بين رجل وامرأة، تربط بينهما علاقة حب، رفض الأهل تزويجهما، وليست بالضرورة علاقات ناتجة من خيانات زوجية.ويرى أيمن أن الصراحة الاجتماعية والشفافية في العلاقات العاطفية وتفهم أفكار الشباب وتلبية متطلباتهم المشروعة كفيلة بالحدّ من ظاهرة اللقطاء.
حوادث شبه يومية
تحتوي سجلات الشرطة في أنحاء العراق على حوادث شبه يوميةتفيد بالعثور على أطفال حديثي الولادة رُمي بهم في العراء. فقد عُثر في أنحاء مختلفة في بغداد في أواخر عام 2011 على لقطاء، معظمهم قرب حاويات قمامة.
ويقول الملازم أحمد كامل في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد)، إن عام 2011 شهد العثور على عشرات الأطفال اللقطاء. وفي أواخر عام 2011 عثر في شارع (أربعين) على رضيع حديث الولادة مخنوقًا.
ويتابع: quot;في حالات نادرة جدًا يتم العثور على الأشخاص الفاعلين، فقد تابع شخص امرأة رمت لقيطًا خلف جدار أمني في منطقة العلاوي في بغداد، حين كان يخدم هناك في بداية عام 2011، ليتم القبض عليها بعد ذلك، لتعترف بفعلتها، التي نتجت من علاقة جنسية مع طالب جامعي، رفض أهله تزويجها له.
التفكك الأسري والاغتصاب
ترجع سليمة حسن موظفة في دار رعاية الاجتماعية في الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) الظاهرة، فيغالبية الدول العربية، وبينها العراق، إلى حالات الطلاق والتفكك الأسري، وكذلك الخلافات العائلية، وغياب التفاهم حول مشاريع الزواج، إضافة إلى حوادث الاغتصاب.
وبحسب سليمة، فإنها لا تمتلك المعلومات الكافية عن معدل عدد اللقطاء السنوي في العراق، لكنها ترجّح أن يكون المعدل خمسة في اليوم في كل محافظة عراقية على أقل تقدير.
ويعزو رجل الدين سلام عباس ازدياد الظاهرة إلى انتشار (الفجور) في المجتمع، وعدم إتباع تعاليم الدين، وانتشار الإباحية والسفور، داعيًا إلى التشجيع على مشاريع الزواج بين الشباب وتعميم ثقافة الزواج المبكر.
ابن حرام.. ولقيط (سياسي)
ولايزال المجتمع العراقي يبدى قدرًا قليلاً من التعاطف مع الأطفال اللقطاء، بل إن الكثير من أفراد المجتمع يعدّ العملية برمتها عارًا ووبالاً، والطفل اللقيط هو (ابن حرام)، حيث يحمل هذه الصفة طيلة حياته.
وتقول الناشطة النسوية هيفاء الكعبي، إن هناك من يصف خصمه أو المناوئ له بأنه لقيط، حتى في المجال السياسي، حيث استخدمت هذه الكلمة في الإعلام الالكتروني لوصف خصوم سياسيين معينين بأنهم لقطاء. وتتابع: quot;حين يسمع (اللقيط الحقيقي) بذلك تنتابه مشاعر الألم والحزن، وربما الانتقام من المجتمع، الذي يرفض أن يعتبره جزءاً منهquot;.
لكن أحكام المادة السادسة عشرة من نظام دور الحضانة رقم 12 لسنة 1965 العراقي تشجّع على تبني اللقطاء، ودمجهم في المجتمع، حيث يسمح للدور باستقبال اللقطاء المسجلين في دوائر الشرطة والمستشفيات والمحاكم والمؤسسات الخيرية، مع التأكد من هوية المودع وعنوانه الكامل.
ويقول المحامي إسماعيل حسين إن القانون العراقي يعتبر اللقيط وفاقد القدرة على التعبير مسلماً عراقيًا، ما لم يثبت خلاف ذلك، بقرار من محكمة مختصة. ويسجل الطفل بالاسم الكامل، الذي أودع بموجبه، شرط أن لا يكون موضع تحقير أو إهانة.
التعليقات