رجل من اليهود الأرثوذكس

تعيش إسرائيل اليوم صراعاً مع نفسها، لتحديد هوية الدولة العبرية، بين رؤيتين هما الدولة الدينية المحافظة أو الدولة العلمانية. كما تتم معاملة النساء بقسوة وبقلة احترام من قبل بعض الجماعات اليهودية المتطرفة quot;الهاريديمquot;، وقد تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حماية المرأة.


لندن: تبدو إسرائيل في حرب مع نفسها هذه المرة. فعلى امتداد اسبوعين، استأثرت باهتمام وسائل الاعلام الاسرائيلية، أنباء الاشتباكات في الشوارع بين يهود مختصمين بضراوة حول قضايا مثل طول الكم، والفصل بين الجنسين في الحافلات. ويجسد هذا النزاع صداما بين رؤيتين للدولة العبرية: أن تكون دولة دينية أو دولة علمانية مع ما يثيره ذلك من تساؤلات عن ميزان القوى بين المعسكرين. وهو نزاع يرى مراقبون انه يعود الى ايام إنشاء دولة إسرائيل قبل ستة عقود على أقل تقدير، ويزداد تفاقما مع النمو السكاني المتسارع بين الاسرائيليين المتدينين.

وتحدث الأزمة الجديدة مجلدات عن حال الدولة العبرية. فإن طفلة في الثامنة انقطعت عن المدرسة بعدما بصق عليها رجال في الحي الذي تعيش فيه وسموها عاهرة لأنها كانت بنظرهم غير محتشمة حتى بأكمام وتنورة طويلة. وينتمي الرجال الى طائفة متسعة من اليهود الارثوذكس المتزمتين تسمى الهاريديم. ويمكن التعرف إلى اليهود الهاريديم (الترجمة التقريبية للكلمة العبرية هي quot;الذين يخافون اللهquot;) من ملابسهم السوداء وغطاء الرأس والخصلات المتدلية من شعورهم وتطيرهم من الجلوس قرب امرأة.

وبهذا الموقف، يرتبط السجال حول الفصل بين الجنسين في الحافلات. فعلى خطوط الحافلات التي تخدم اليهود الارثوذكس المتزمتين تجلس النساء في المؤخرة. وغالبيتهم يفعلن ذلك راضيات ولكن شجارا ينشب في كثير من الأحيان عندما تصعد امرأة غريبة وتصر على الجلوس على مقعد في المقدمة مع الرجال، مثلما فعلت دورون متالون مؤخرا. وبعدما نعتها يهود متطرفون بالعهر والدعارة، استدعت الشرطة التي اعتقلت راكبا اسمه شلومو فوكس. واتضح من تقارير وسائل الاعلام الاسرائيلية عن الحادث ان فوكس خير ممثل لجماعته. فهو في الخامسة والأربعين من العمر، لديه 12 طفلا وبلا عمل. وبدلا من العمل يمضي وقته كله في دراسة النصوص الدينية في يشيفا او كلية لاهوتية. وهذا يمنحه حق الحصول على مساعدة اجتماعية ويعفيه من الخدمة العسكرية.

وتثير مثل هذه الامتيازات سخط الكثير من الاسرائيليين الذين يدفعون ضرائب وعليهم أداء الخدمة العسكرية. وأسفرت الجهود الأخيرة لتجنيد اليهود الارثوذكس المتزمتين في الجيش عن قدر من النجاح ولكنها اوجدت ايضا ساحة جديدة للتوتر. فالمعروف ان النساء الاسرائيليات ايضا يؤدين الخدمة العسكرية، وكانت متالون ترتدي ملابس عسكرية حين جلست في مقدمة الحافلة. وفي الآونة الأخيرة، تحدثت الأنباء عن جنود من الهاريديم انسحبوا عندما شاركتهم جنديات في ترديد الأناشيد خلال فعاليات لرفع المعنويات.

ودفعت هذه الوقائع التي توالت في غضون ايام قليلة الاسرائيليين الى التساؤل عن طابع الدولة العبرية بعد 63 عاما على قيامها.

وقالت ايفا ايلوز عالمة الاجتماع في الجامعة العبرية لمجلة تايم إن ما يُبقي اسرائيل موحدة في الوقت الحاضر هو هويتها اليهودية، ولكن هناك في الممارسة العملية جماعات لا تمت بصلة الى بعضها البعض. وأضافت quot;ما نراه الآن هو صراعات نابعة من اليافطة التي يلصقها الأشخاص بأنفسهمquot;.

ولليهودية تعريفات بقدر عدد اليهود في اسرائيل تقريبا. وكما اشارت عالمة الاجتماع ايلوز فان يهودا اكثر فأكثر يحددون هويتهم بمفردات دينية وليس ثقافية، متوقعةً ان يزداد عدد هؤلاء اليهود.

وتشكل الطوائف اليهودية الارثوذكسية المتزمتة اليوم نحو 10 في المئة من السكان، ولكن هؤلاء المتدينين يتكاثرون بمعدلات يتوقع معها خبراء سكانيون ان يعيدوا خلال جيل واحد تشكيل هوية اسرائيل التي كانت تاريخيا تتباهى بالتزامها بحقوق المرأة على سبيل المثال. ويتمتع اليهود الهاريديم من الآن بنفوذ في السياسة الاسرائيلية يفوق ثقلهم السكاني، وكثيرا ما يقومون بدور بيضة القبان في الحكومات الائتلافية الاسرائيلية.

وتتمثل المفارقة في ان الكثير من اليهود الارثوذكس المتزمتين يعترضون على وجود دولة إسرائيل نفسها، مجادلين بأنه كان على اليهود ان ينتظروا اشارة من الرب قبل ان يعودوا الى وطنهم التوراتي. ويعيد مؤرخون يهود التذكير بالصفقة التي عقدها ديفيد بن غوريون، مؤسس دولة اسرائيل الملحد مع حاخامات من الهاريديم. فان بن غوريون قدم تنازلات معينة لليهود المتطرفين بينها مدارس دينية ممولة من الدولة مقابل امتناعهم عن معارضة قيام اسرائيل.

ويضم اليهود الارثوذكس المتزمتون دائما متطرفين في صفوفهم. وكل من يخترق احياءهم بسيارته ايام السبت يجب ألا يستغرب رشقه بالحجارة. وكان رجال دين ملتحون يهود عارضوا مشاركة اسرائيل في مسابقة ملكة جمال الكون وهم يحذرون اليوم من الهواتف الذكية بوصفها بوابة الى مواقع اباحية. ولكن احتقار الجنس الآخر ينقل النزاع الى مستوى آخر بنظر الكثير من الاسرائيليين، وتظاهر مؤخرا آلاف الاسرائيليين في بلدة بيت شيمش قرب القدس احتجاجا على معاملة اليهود الارثوذكس المتزمتين للنساء.

وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تضم حكومته الائتلافية حزب شاس اليهودي الارثوذكسي المتزمت بحماية مساواة المرأة. وحذر ايلي يشاي زعيم شاس، من تشويه سمعة اليهود الهاريديم بسبب اعمال قلة من المتطرفين، وهم في هذه الحالة مئات يسمون أنفسهم quot;سيكاريquot; أو quot;رجال الخناجرquot;.

ولكن لدى المتطرفين طريقة بحيث تكون الكلمة الفصل كلمتهم. وحملت ليلة رأس السنة الجديدة صورا كان المقصود بها ان تبقى محفورة في الذاكرة. ففي ساحة عامة في القدس الغربية جاء محتجون من اليهود الارثوذكس المتزمتين بعربة تحمل أطفالا يرتدون البيجامات المخططة لضحايا معسكرات الاعتقال النازية وعليها نجمة داود الصفراء لاستنكار ما يعدونه quot;اضطهاد اليهود الهاريديمquot;.

وكتب ناحوم بارني في صحيفة معاريف ان مئات ألصقوا نجمة داود على صدورهم بفخر ظاهر، والأطفال وقفوا امام العدسات رافعين ايديهم في حركة يراد بها استحضار صورة طفل التُقطت خلال حملة الاعتقالات في غيتو مدينة وارسو.

وكان متظاهرون على اطراف الحشد ينعتون افراد الشرطة بالنازية. قال بارني quot;ان افراد الشرطة لم يرف لهم جفن فهم اعتادواquot; مثل هذا المشهد.